تعز | دخلت مدينة تعز، أكبر مدينة يمنية من حيث الكثافة السكانية في اليمن، دائرة الثورة، وقرر شبابها أن سقوط الرئيس علي عبد الله صالح سيكون من مدينتهم مثلما كان صعوده منها. وتحاول المدينة الواقعة جنوب صنعاء، والتي يمثل أبناؤها البنية الأساسية للنخبة السياسية والثقافية في الجمهورية اليمنية، استعادة مجدها الثوري القديم، ويبدو هذا الأمر واضحاً من التفاصيل الصغيرة التي تأتي إلى عقل القادم إليها من خارجها. فالمدينة التي كانت «نائمة في جوف عنكبوت ميت»، بحسب وصف أحد شعراء مدينتها الشباب، تبدو ثائرة بشكل حقيقي غير قابل لأي تأويل أو تفسيرات قد تخرجه من هذا الإطار.

ويعرف الرئيس اليمني علي عبد الله صالح جيداً معنى أن تثور تعز، وتخرج عن السيطرة وقد عرفها خلال سنين طوال، وهي المدينة التي انتقل منها ليكون رئيساً للجمهورية العربية اليمنية سابقاً، وبعدها رئيساً للجمهورية اليمنية بعد وحدة عام 1990.
لذلك، يبدو الشباب في «ساحة الحرية» بالمدينة، حيث يقيمون اعتصاماً دائماً على غرار ساحة التغيير في صنعاء، واثقين من أنفسهم، وهم يرفعون منذ اليوم الأول لاعتصامهم شعار «من هنا صعد علي عبد الله صالح، ومن هنا سوف يسقط».
وعليه، كان تصرفه معهم جدياً، لأنه يعرف تماماً تبعات قيام قلاقل وانتفاضات صغيرة في تعز. ولهذا، عمد الى نقل مدير أمن مدينة عدن (جنوب اليمن) عبد الله قيران، إلى إدارة أمن محافظة تعز. وقد ظهر هذا الأمر في بدايته على أنه محاولة لاسترضاء مواطني مدينة عدن، بعد مقتل أكثر من 25 شاباً منهم خلال الاعتصام والمسيرات، التي نفّذت منذ بداية الثورة الشبابية في اليمن. لكن في حقيقة الأمر، تبيّن أن نقل مدير الأمن هذا لم يكن ترضية لأهالي عدن، بقدر ما كان إجراءً تكتيكياً من صالح في طريق فرض حصار أمني بشكل مسبق لمدينة يعرف تماماً معنى خروجها عن النص الكلاسيكي، الذي حاول طوال فترة حكمه وبعد خروجه منها أن يفرضه عليها.
ولم يخيّب العقيد عبد الله قيران توقعات الشباب الموجودين في «ساحة الحرية» بالمدينة، حيث باشرهم في اليوم التالي لقدومه إلى تعز بهجوم من مختلف الجهات المؤدية إلى ساحتهم عن طريق رجال أمن وقنابل غازية سامة تشبه تلك التي استخدمت في العاصمة صنعاء وعلى الشباب المعتصمين في «ساحة التغيير»، وهي من النوع الذي يحدث تهيّجات في الجهاز التنفسي، وتأثيرات بالغة في الجهاز العصبي مع حدوث تشنجات مستمرة تحدث في كل فترة زمنية محددة، وتوجب على المصاب بها أن يكون تحت رعاية طبية مستمرة، وهو ما يبدو أن توفره متعذر في ظروف المستشفيات الميدانية الصعبة الموجودة في ساحات الاعتصام بإمكاناتها المحدودة.
وتتعاظم هذه الصعوبة في الحالات التي تصعّد فيها السلطات من هجماتها على المعتصمين، حيث بدا أمس المستشفى الميداني الموجود في «ساحة الحرية» شبه عاجز، وهو يستقبل ضحايا هجوم قوات الأمن المباغت على شباب الساحة، بقيادة عبد الله قيران، مستخدمةً السيناريو نفسه والأدوات التي اعتادت اللجوء إليها لتبرير كل هجوم.
واستُبق الهجوم بإشاعة خبر وجود مسلحين بداخل الساحة، ومحاولاتهم الخروج في مسيرات زحف باتجاه القصر الجمهوري القريب من ساحة الاعتصام، ثم تلاه إطلاق رصاص حي في الهواء، تبعه إطلاق قنابل غازية سامة ليكون هجوماً تالياً باتجاه الساحة.
وقد تركز هجوم أمس من ناحية واحدة فقط، وذلك بعد تزايد أعداد الشباب الزاحفين إلى الساحة، بما يجعل عملية اقتحامه من جهاته الكثيرة مسألة صعبة، تؤدي إلى تبديد القوة العسكرية الموجودة في يد قائد الأمن. وقد أدى الهجوم الى مقتل متظاهر على الأقل وإصابة أكثر من 750 شخصاً، بينهم 20 شخصاً في حال حرجة جراء تنشق الغازات المسيّلة للدموع.
لكن الهجوم على الساحة، الذي أتى بعد فترة هدوء لم تحدث فيها أي عمليات اعتداء على المعتصمين، توقف فجأة أو عمد الى تغيير وجهة سيره بعد وصول أنباء عن خروج تظاهرة كبيرة وصلت إلى وسط المدينة، وبالتحديد في الجهة المقابلة لمدرسة الشعب، وهي واحدة من أكبر مدارس المحافظة، ليُعرف لاحقاً أنها مسيرة مكونة من عدد كبير من المدرّسين الذين انضمّت إليهم لاحقاً أعداد كبيرة من الطلبة وذلك للمطالبة بصرف مرتباتهم الشهرية التي تأخر أمر صرفها لهم.
واللافت هو رد فعل رجال الأمن المبالغ فيه على المسيرة، رغم أنه كان بالإمكان التعامل معها بأسلوب أكثر مرونة بحيث لا يؤدي إلى وقوع ذلك العديد الكبير من المصابين، مثلما حدث أول من أمس، عندما نظمت مسيرة طلابية ضخمة شارك فيها ما يزيد على عشرة آلاف طالب، جاب خلالها المشاركون مناطق مختلفة، هاتفين بشعارات تنادي بسقوط علي عبد الله صالح، إضافة إلى مطالب بـ«محاكمة السفاح» بحسب قول أحد الطلاب المشاركين في المسيرة.
لكن يبدو واضحاً أن رجال الأمن أولئك واقعون تحت ضغط نفسي كبير لم يعد معه أمر التحكم بردود أفعالهم ممكناً، وخصوصاً في ظل الأخبار المتناقلة عن اتجاه تصعيدي لجهة تنفيذ عصيان مدني يجري التجهيز له والتنسيق لأجله بين مختلف القوى الموجودة في «ساحة الحرية»، وتعهد عدد من المحتجّين بالزحف باتجاه المقارّ الحكومية والهامة ومحاصرتها خلال اليومين المقبلين.
كذلك يأتي هذا الهجوم الجديد بعد يوم واحد من تقديم قوى أحزاب اللقاء المشترك في صنعاء مبادرة تقول بتنحّي الرئيس صالح ونقل صلاحياته إلى نائبه. وهي المبادرة التي لم تلقَ أي صدى من الشباب المعتصمين في الساحة. وأجمع الموجودون هناك على ضرورة أن يرحل الرئيس علي عبد الله صالح بدون قيد أو شرط هو ونجله وأبناء شقيقه، فيما يطالب آخرون بضرورة عدم رحيله قبل محاكمته على الأفعال التي قام بها تجاه المعتصمين.
وفي السياق، أكد الشاب عادل عبد الرقيب من كتلة الشباب المستقلين أن «مسألة رحيل علي عبد الله صالح وأقاربه كانت مطلبنا منذ بداية اعتصامنا، وهو ما أكدناه منذ البداية، لكن الآن وبعدما قتل صالح وأقاربه منّا أكثر من 120 شاباً، صارت مسألة رحيله بدون أن يلقى عقابه على ما فعل مسألة تقترب من نقطة خيانة دماء إخوتنا الذين سقطوا من أجلنا». مطلب تؤكده أيضاً الناشطة أمل التي قالت إن مسألة رحيل صالح قد صارت أمراً مفروغاً منه «ما يهمّ الآن هو مسألة محاكمته، ولن نقبل أي تفاوض في هذا الأمر».



بلطجيّة النظام

نفى محافظ تعز، حمود خالد الصوفي، سقوط قتيل في المواجهة التي حدثت أمس في تعز، مشيراً إلى أن الاشتباكات وقعت بين مجموعة من شباب الموالاة والمعارضة، ما استدعى تدخل رجال الأمن وفك الاشتباك.
وفيما اتهم الصوفي الشباب المعارضين بقطع الشارع الرئيسي في وسط مدينة تعز وإشعال الإطارات ورمي رجال الأمن بالحجارة، نقل موقع «الوحدوي نت» من مصادر مطّلعة اتهام قيادة الحزب الحاكم بمحافظة تعز بتجهيز عشرات الأشخاص بالأسلحة للقيام بأعمال عنف وشغب باسم شباب الثورة. وذكر شهود عيان للموقع أن نحو 20 حافلة خرجت من مركز البركاني بمديرية المعافر بمحافظة تعز، وهي تقل العشرات من الشباب المسلحين باتجاه مدينة تعز. وبحسب المصادر، فإن حافلات النقل دخلت مدينة تعز منذ السبت على دفعات متقطعة، رافعة لوحات قماشية كتب عليها: الشعب يريد إسقاط النظام وارحل يا علي.