تسلّم عبداللطيف بن راشد الزياني (57 عاماً)، أمس، مهمّاته أميناً عاماً لدول مجلس التعاون الخليجي. الحدث بحدّ ذاته عادي، إذ إن الغالب هو أن يجري عند الأول من نيسان في كل ثلاث سنوات، التجديد للأمين العام السابق أو اختيار أمين عام جديد، وذلك منذ تأسيس المنظومة الإقليمية في 1981، لكنّ اللافت أن الأمين العام الخامس هو أول بحريني يتبوّأ هذا المنصب، وأول من يأتي من خلفية عسكرية؛ فالزياني ترقى منذ بداية مسيرته داخل قوة دفاع البحرين ليصل إلى رتبة فريق ركن قبل أن يتقاعد قبل عام. وللإشارة، فإن قوة دفاع البحرين تسلّمت زمام الأمور في المملكة أخيراً بموجب مرسوم «السلامة الوطنية» (حالة الطوارئ) الذي أُعلن عقب دخول قوات «درع الجزيرة» المشتركة. أن يكون بحرينياً ليس بالمفاجأة في الواقع، إذ تناوبت كل دول مجلس التعاون على رئاسة الأمانة العامة باستثناء البحرين وسلطنة عُمان. فأول أمين عام اختير في 1981 من الكويت هو عبد الله بشارة، الذي بقي على رأس الأمانة العامة حتى نيسان 1993، في أطول مدّة يشغلها أمين عام (رغم أنّ الميثاق ينص على ثلاث سنوات قابلة للتجديد، لكن المجلس الأعلى الذي يختاره يحق له أن يجدّد للأمين العام) ليخلفه فاهم بن سلطان القاسمي من الإمارات حتى عام 1996، حينها خلفه السعودي جميل إبراهيم الحجيلان، الذي استمر في منصبه 6 سنوات قبل أن ينصّب القطري عبد الرحمن بن حمد العطية في 2002 ويجدّد له حتى أمس.
لكن أن يأتي الأمين العام من خلفية عسكرية في ظل الظروف الحالية التي تعيشها الدول الخليجية، فيما كل أسلافه من خلفية سياسية ووزارية ودبلوماسية، يبدو أنه غاية وهدف ورسالة، ولا سيما بعد انتفاضة البحرين والتدخل العسكري فيها لقمع التظاهرات، في سابقة خليجية برّرتها بالتهديد الإيراني. وأيضاً بارتفاع منسوب التوتر الخليجي الإيراني، الذي مثّلت ساحة البحرين نقطة تجاذب ساخنة له قبل أن يمتد الى الشرق السعودي والكويت.
وتجب الإشارة الى أن قرار تعيين الزياني أميناً عاماً لم يكن ابن اللحظة، بل إنّه اتُّخذ على أثر اجتماع المجلس الأعلى لمجلس التعاون (القمة) في أبو ظبي في كانون الأول من العام الماضي، وبالتالي كان سابقاً عما جرى في البحرين. وهذا يطرح احتمال أن تكون الإجراءات الخليجية الأخيرة والتلاحم في وجه ما قيل إنه تدخل إيراني، آخر حلقاته كانت الكشف عن خلية التجسس الإيرانية في الكويت، كأنها مراسيم ترحيب برجل المرحلة المقبلة، ليعطي صورة عن ملامح السياسة الخليجية المقبلة في مواجهة إيران. وفي السيرة الذاتية للزياني، تورد وكالة أنباء البحرين أن سجله يحفل بالكثير من «الشهادات والأوسمة والدرجات العلمية التي انتهت بالدكتوراه». وتضيف إنه «ترقى في الرتب العسكرية، التي بدأت برتبة ملازم وانتهت برتبة فريق ركن» في قوة دفاع البحرين، قبل أن يحال على التقاعد في حزيران من العام الماضي، ويعين مستشاراً في الديوان العام لوزارة الخارجية بدرجة وزير.
وفي مؤهلاته العلمية، تخرج الزياني من كلية «ساندهيرست» العسكرية في بريطانيا، وحصل بعدها على شهادة هندسة الطيران من جامعة بيرث ـــــ اسكتلندا، وعلى ماجستير في الإدارة اللوجستية من المعهد التقني للقوّات الجوية في أوهايو، وشهادة الدكتوراه في بحوث العمليات من كلية الدراسات العليا للبحرية الأميركية، وأخيراً التخرج من كلية القيادة والأركان في فورت ليفنورث، وحاز كل هذه الشهادات بمرتبة «الشرف وبامتياز»، بحسب ما نقلت وكالة أنباء البحرين.
وبعد تسلّمه مهمّاته رسمياً، قال الزياني إن تأسيس مجلس التعاون انطلق من «ثوابت التاريخ والمصير المشترك لدوله ولتحقيق التكامل الاقتصادي والاجتماعي في إطار تكاملي للأمن المشترك ومواجهة أيّ مطامع أو تعديات خارجية عليها، وهو ما نجح فيه بكل قوة وجدارة»، في إشارة الى تدخل قوة «درع الجزيرة» المشتركة في البحرين.
وأشار الى «التلاحم اللامحدود بين دوله» والى «موقف دول المجلس في دعم البحرين أمنياً ودعمها سلطنة عمان اقتصادياً»، في إطار «برنامج التنمية الخليجي» بقيمة 20 مليار دولار على مدى 10 سنوات للبحرين وعمان. وشدّد على «أهمية توفير الأمن الشامل للمنطقة وتنفيذ منطلقات مجلس التعاون وأهدافه».
وبالنسبة إلى منصب الأمين العام داخل منظومة دول مجلس التعاون، فهو يقف على رأس جهاز الأمانة العامة. ويعيّنه جهاز المجلس الأعلى ويكون «من مواطني دول مجلس التعاون لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرّة واحدة».
ومنذ إنشائه، هدف مجلس التعاون إلى تحقيق التنسيق والتكامل بين دوله في جميع الميادين، فضلاً عن التكامل الأمني من خلال اعتبار الأمن الخليجي كلاً لا يتجزأ بموجب الاتفاقية الدفاعية. أما الهدف البعيد، فهو تحقيق «الوحدة»، بحسب ميثاقه التأسيسي. ولعلّ هذا الهدف هو الدافع وراء عرض مؤشرات اقتصادية موحّدة لهذه الدول على الصفحة الأولى لموقع مجلس التعاون، حيث يلاحَظ عرض مساحة إجمالية تقدّر بـ 2423.3 ألف كيلومتر مربع، وعدد سكان 38.6 مليون نسمة، وناتج محلي 898 مليار دولار أميركي، كما يعرض نصيب الفرد الخليجي من هذا الناتج ويقدّره بقيمة 23.2 ألف دولار، رغم التباين بين الدول الخليجية.
وتضع دول مجلس التعاون المسألة الأمنية في قمّة أهدافها، ولذلك كان تأليف قوّات «درع الجزيرة» في 1982 وتطويرها لتصبح قوات «درع الجزيرة» المشتركة. ثم توقيع اتفاقية الدفاع المشترك في 2000 وإنشاء الاستراتيجية الدفاعية في 2009.
واللافت أنّ دول مجلس التعاون، وفي استعراض إنجازاتها الأمنية، تبدأ من الملفات الساخنة مع جارتها إيران، كأنّها تريد من ذلك وضع الجمهورية الإسلامية على رأس أهدافها الأمنية. وتشير الى أن إنجازاتها تبدأ من «مساندة الإمارات العربية في قضية الجزر الثلاث المحتلة من جانب إيران» منذ 1971، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى. وتؤكّد أن «الاحتلال الإيراني للجزر الثلاث أعاق إمكان توسيع العلاقات الجماعية بين دول المجلس وإيران».
ويلي الجزر الثلاث الملف النووي الإيراني، رغم تأكيده على الحل السلمي له، وإشارته الى الملف النووي الإسرائيلي في السياق نفسه، في دعوته إلى جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.