«لأنها سوريا... لأن الوضع حسّاس... ولأن مصلحة الولايات المتحدة على المحكّ»، لم ينتظر المحللون والسياسيون الأميركيون طويلاً هذه المرّة ليرفعوا صوتهم ويُسدوا النصائح لا بل يعطوا الأوامر للرئيس الأميركي بشأن الأزمة السورية. هي سوريا التي طالما تمنّى صقور الإدارة الأميركية السابقة أن تتعثّر كي ينقضّوا على نظامها، والتي لم تغب عن تحليلات مؤيّدي سياسة باراك أوباما الخارجية ومنتقديها. فالحديث عن إسرائيل أو إيران أو العراق أو لبنان أو حتى الثورات العربية الأخيرة، يستحضر دائماً دور سوريا الذي تنسب إليه عادة صفة «المفتاح» في المنطقة.واليوم، سوريا في أزمة وأحداثها تحتلّ أخبار العالم وسط عناوين عسكرية (في ليبيا) وتغييرية (في مصر) وأمنية (في إسرائيل). نبرة المداخلات الصحافية للسياسيين والمحللين عالية، وبعض النصائح «عاجلة» والنظريات تنقسم بين من يريد أن تستغل الإدارة الأميركية فوراً أحداث سوريا وتسهم في إسقاط نظام بشار الأسد لإضعاف إيران، وبين من يخشى أن «يفقد» سوريا كركن أساسي من «عملية السلام».
معتمدين على حتمية تأثر النظام السوري بـ«دومينو» تهاوي الأنظمة العربية، أطلق المحافظون الجدد صرختهم آمرين الإدارة الأميركية بالتحرّك فوراً لإنهاء حكم الأسد. ذرائع «مساعدة الشعب السوري لنيل حريته» و«إنقاذ سوريا من حكم فاسد» استخدمت «رفع عتب» كي تموّه قليلاً الطلب الصريح بالتدخل في شؤون دولة أخرى.
تحت عنوان «تخليص سوريا من طاغية»، كتب إليوت أبرامز، نائب مستشار الأمن القومي في إدارة جورج والكر بوش، مقالاً في صحيفة «واشنطن بوست» دعا فيه إلى إسقاط النظام السوري شارحاً الأسباب وموضحاً الطريقة التي يجب أن «تجيب الإدارة بها» على ما يجري في سوريا. بنظر أبرامز، انهيار نظام الأسد يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة تماماً. لماذا؟ لأنه نظام «قاتل»، يقول محلل المحافظين الجدد، مشيراً إلى تورّط سوريا في اغتيال الرئيس رفيق الحريري وآخرين، مضيفاً أن «السيارات المفخخة التي استهدفت الصحافيين والسياسيين اللبنانيين المعارضين للنظام السوري لها عنوان واحد: قصر الرئيس الأسد».
إضافة الى «إجرام النظام»، يذكر أبرامز أسباباً أخرى هي «تحويل سوريا الى ممر للجهاديين إلى العراق، ودعم نظام الأسد لحزب الله وحركة «حماس» وغيرهما من المنظمات الإرهابية، واحتضانه لقادتها وعناصرها والسماح لهم بالعيش والعمل على الأراضي السورية». بعد تعداد الأسباب، يحاول أبرامز «غواية» الإدراة الأميركية. يشرح كيف أن الأكثرية السنّية في سوريا، إذا تسلّمت الحكم، ستدخل تلقائياً في منظومة الدول العربية السنية وستقطع علاقتها بحزب الله وإيران، «هكذا تكون إيران قد خسرت حليفاً مهماً لها وجسر عبورها إلى حزب الله»، يستنتج أبرامز.
المتخصص بشؤون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، لا يكتفي بعرض الأسباب الموجبة للتدخل في سوريا بل يفرض سيناريو على الإدارة الأميركية تنفيذه فوراً وهو ينصّ على: أن ترفض الإدارة الأميركية رفضاً صريحاً وواضحاً – وخصوصاً بعض من سعى للتقرب من سوريا أخيراً – العنف والقمع الحاصلين هناك، أن نحرّك مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان لجرّ بشار الأسد إلى المحكمة الدولية ومحاسبته، أن ندعو الجامعة العربية إلى اتخاذ موقف مماثل لموقفها الأخير من ليبيا، ونحفّز الأوروبيين على فرض عقوبات. أبرامز يدعو أخيراً إدارة أوباما إلى «تصحيح خطئها» واستدعاء السفير الأميركي في دمشق مع شنّ حملة سياسية وأخرى لـ«حقوق الإنسان» بغية تدمير «النظام الدموي».
الهجوم على أوباما ومطالبته بالتدخل فوراً في سوريا، ركّز عليه بعض المحللين الساهرين على مصالح إسرائيل وأمنها، وذلك عبر الإشارة الى جهل الرئيس بقراءة أولويات المنطقة وبالتالي تطبيق سياساته الخارجية وفقها. هؤلاء يتهمون أوباما بأنه أخطأ في وضع الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني في جوهر سياساته في الشرق الأوسط: «من يراقب منطقياً الأحداث في مصر وتونس يدرك أن مشاكل الدول العربية لا علاقة لها بإسرائيل، وإصرار أوباما الهوسي على فرض وقف الاستيطان وإحياء عملية السلام هو في غير محلّه». إسرائيل كانت دوماً محور التحليلات بشأن الوضع في سوريا، وطمأنتها بأن الأوضاع المتقلبة في المنطقة لن تزعزع استقرارها هي النقطة الاساسية للمطالب التي انهالت على الإدراة الأميركية من على المنابر الإعلامية: أندرو جي تابلر في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى» كتب مقالاً بعنوان «حان الوقت لقيام الأسد بما وعد به»، يطلب فيه من الولايات المتحدة أن تضغط بكل الوسائل كي تجبر الأسد على التعاون معها. عقوبات اقتصادية، ضغوط إقليمية – دبلوماسية (عبر تركيا مثلاً)، فرض معايير وجدول زمني للخروج من الأزمة... هذا ما يقترحه تابلر على إدارة أوباما شارحاً أن «قيام الولايات المتحدة بجعل نظام الأسد يتحمّل مسؤولية التزاماته، هو أفضل أمل لواشنطن للتأثير على السياسات المحلية للأسد بهدف إحداث تغيير وتعزيز قيام سلام حقيقي بين سوريا وإسرائيل».
تابلر لا يخفي تحذيره من أن «انتشار الاحتجاجات إلى مدن أخرى والقمع العنيف التي تقوم به قوات الأمن يهدّد بإحداث صدع أكبر في الشرعية السنية للنظام، التي ستؤدي إلى التضييق أكثر على قاعدة النظام العلوية المهيمنة».
تحذير تابلر لاقى صدى عند مجموعة أخرى من المراقبين الذين أسدوا النصائح للمتظاهرين في سوريا. المحلل المختص بالشرق الاوسط، جوشوا لانديس، دعا من منبر الـ«تايم» السوريين إلى «توسيع تحرّكهم الى خارج درعا كي تصل الى القرى المجاورة ومنها الى المحافظات الاساسية»، وهو خيّر الشعب السوري «إما أن تحوّلوا سوريا الى تونس ومصر جديدة أو أن تجعلوها مثل لبنان والعراق غارقة في الحرب الأهلية والطائفية».
التصعيد في لهجة انتقاد سلوك الإدارة الأميركية وتحذيرها وفرض بعض السيناريوهات عليها، قوبل بخشية وتردّد وحيرة من المؤيّدين لسياسة أوباما الخارجية. فهؤلاء، انطلاقاً من حرصهم على «طرف أساسي ومتعاون في عملية السلام»، يحذرون من «فقدان آخر أمل لاتفاق السلام في الشرق الأوسط». لكنهم واقعون في حيرة بين تأييد إسقاط نظام الأسد وبالتالي إضعاف إيران وحلفائها في المنطقة وبالتالي طمأنة إسرائيل، وبين الخوف من تداعيات خطوة كهذه على أمن «جيران سوريا» إن في لبنان أو إسرائيل. «لا يمكن التوصل لسلام من دون سوريا» يقول المطلعون على شؤون المنطقة لصحيفة «نيويورك تايمز»، ويتابعون «وفي الوقت نفسه لا يمكن أن نتعاون مع نظام فاقد لشرعية شعبه وتأييده». مارتن إنديك، من جهته، يلخص الأمر لـ«تايمز» قائلاً: «لدينا مصلحة في إحلال توازن مع المكاسب التي حصلت عليها إيران في باقي دول المنطقة. وهذا ما يخلق تزاوجاً غير اعتيادي بين قيمنا ومصالحنا».