بعد أسابيع قليلة، يحيي الفلسطينيون الذكرى الثالثة والستين لنكبتهم. ذلك الحدث الذي قسّم التاريخ إلى ما قبله وما بعده. عاش الفلسطينيون لغة ابتكرتها المأساة. وإذا كان الوقت يخفف وقع المأساة ويكاد يقتل الذكرى، فإن الطبيعة لم تنصف تاريخ الفلسطينيين، بل استحدثت عبارات جديدة، تراوح بين الموت واللجوء والشتات، لتجعل الذكرى على بعد عقود حاضرة ومستهدفة.في ظل هذه المأساة المستمرة، لا يزال الاستهداف متواصلاً، ففي السنوات الأخيرة، تحوّل الكنيست الإسرائيلي إلى «دفيئة» لتربية القوانين العنصرية التي استهدفت الفلسطينيين في الداخل. هذه القوانين سعت، ولا تزال حتى هذه اللحظة، إلى تعميق اللجوء وتعزيز التضييق داخلاً، والشتات خارجاً. فقد صوّت الكنيست الإسرائيلي، أمس، في القراءة الثانية والثالثة على «قانون النكبة» بغالبية 37 مقابل 25 عضواً. وإذا كانت القوانين السابقة استهدفت الفلسطيني للتضييق عليه، فإنّ قانون النكبة يصل إلى ذاكرته.
هذا القانون، الذي بادر إليه عضو الكنيست الاسرائيلي أليكس ميلر من حزب «إسرائيل بيتنا»، يمنح إسرائيل صلاحية سحب تمويل حكومي من هيئات ومنظمات وسلطات محلية تحيي ذكرى النكبة. ويضع مبادرو القانون أن إحياء الذكرى من شأنه أن «يضر بأمن الدولة». وكان هدف القانون الأساسي قبل التعديل هو منع إحياء الذكرى مطلقاً.
تفاصيل كثيرة يشملها القانون مثل ضرورة تصديق المستشار القضائي لوزارة المالية على التقليص وما إلى ذلك. لكنّ هذه التفاصيل هامشية في مقابل القصد الحقيقي وهو استهداف الذاكرة الجماعية ومحاربة الذكرى بالقانون المدعوم من الائتلاف اليميني.
قانون آخر أيدّه الكنيست بأغلبية 35، في مقابل مقابل 20 عضواً، هو ما يطلق عليه قانون «لجان القبول» للبلدات، التي تضمّ أقل من 400 منزل، لمنع دخول أعضاء «غير مرغوب فيهم». وقانون ثالث صُدّق عليه بالقراءة الاولى، وهو أن من يبني بيتاً من دون ترخيص فإنّ عليه أن يدفع تكاليف هدمه. وبطبيعة الحال يستهدف القانون آلاف العرب الذين بنوا بيوتاً دون تراخيص في أعقاب ممارسات السلطة تضييق الخناق دون ان تمنح العرب أيّ متسع للبناء. هذه القوانين هي امتداد لمسلسل قوانين لم ينته بعد، فلا تزال الحكومة الإسرائيلية منذ سنوات، مدعومة من الجهاز القضائي، تمدّد التعديل على قانون المواطنة الذي يمنع لمّ شمل الفلسطينيين ليعزّز شتاتهم. وهذا جزء من حملة انتقلت من رأس الهرم إلى الشارع، حيث صارت العنصرية جزءاً من المشهد وصارت معاداة العرب ركناً واضحاً أكثر من أي وقت مضى.
وشهد الكنيست مواجهات بيّن النواب العرب المعارضين للقوانين وبين النواب الإسرائيليين. وقالت النائبة حنين زعبي (التجمع الوطني الديموقراطي)، رداً على قانون النكبة، إنه «يظهر أن الدولة ترى أن التاريخ، تاريخها هي، بحد ذاته هو خطر استراتيجي ضدها»، مضيفة إن القانون إضافة إلى أنه «يعاقب المشاعر»، فإنه «يظهر مدى خوف الكنيست من الحقيقة، ومن ذاكرة الفلسطينيين، إذ إن الخوف الحقيقي من النكبة يكمن في أنها حقيقة تاريخية، وليست مجرد رواية الفلسطينيين»، مشدّدة على أن إحياء ذكرى النكبة هو «عملية مصالحة تاريخية وأخلاقية مع التاريخ، ودونها لن تكون هناك أي إمكانية لبناء مستقبل عادل ومستقر». وأشارت إلى أن القانون السياسي لا يعكس قراراً سياسيّاً بمحو الماضي فقط، بل هو قرار سياسي بالسيطرة على إمكانيات الحلول السياسية المستقبلية العادلة».
وقال النائب محمد بركة (الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة) إنّ هذا المبدأ يذكّرنا بقانون المواطنة العنصري في إسرائيل، مشيراً بوضوح إلى «أن التاريخ لا يزال يذكر قانون المواطنة الألماني في فترة النازية، الذي كان يقضي بأن المواطنة في ألمانيا هي حق لمن في جسده دم ألماني». وتابع «أن هذا القانون دليل آخر على عنصرية المؤسسة، وبالفعل فإن هذا يسهّل علينا المهمة أكثر، حينما نخرج إلى العالم لنشرح له عنصرية إسرائيل، فهذا قانون سينضم إلى قوانين الملاحقة السياسية وقوانين الاعتداء على حرية التعبير».