تعيش البحرين منذ ١٤ شباط الماضي على صفيح ساخن، بعد تفجّر الخلاف بين الحكومة وفئات واسعة من الشعب تطالب بمجموعة من الإصلاحات، عجزت الحكومة عن حلها في إطار البيت الواحد، فلجأت إلى الاستعانة بالخارج (دول مجلس التعاون الخليجي) لحماية نفسها من مواطنيها. خطوة فاجأت المراقبين، إلّا أن وثائق «ويكيليكس» المسرّبة من السفارة الأميركية لدى المنامة خلال السنوات الماضية، تظهر أن استنجاد البحرين بدول مجلس التعاون الخليجي لا ينفصل عن حال الاضطراب التي تلاحق حكام البحرين بسبب مجموعة من المخاوف يتقدّمها الجار الإيراني «الأكثر إثارة للمشاكل».
خوف تترتب عليه مجموعة من المعطيات وفقاً للوثائق. فالبحرين في وثائق «ويكيليكيس» دولة لا ترى نفسها في أمان من دون حماية خارجية وتحديداً أميركيّة. والملك البحريني، حمد بن عيسى آل خليفة، خلال لقاء جمعه بالسفير الأميركي إلى جانب قائد القوات الأميركية الأدميرال باتريك ولش ونائب رئيس البعثة في غداء خاص في الثالث عشر من آذار ٢٠٠٦، أكّد لضيوفه الأميركيين في وثيقة تحمل الرقم (06MANAMA409)* أهمية وجود القوات الأميركية في البحرين، قائلاً «نشعر بأننا محميّون بوجودكم» قبل أن يضيف «لولاكم لسحقنا». عبارة لم تكن الأخيرة التي رددها المسؤولون البحرينيون على مسامع ضيوفهم الأميركيين في وثائق «ويكيليكس»، في سياق إشادتهم الدائمة بالعلاقات الأميركية البحرينية وما تمثّله من مظلة لهم في مواجهة ما يعتقدون أنه مخاطر تتربص بهم وفي مقدمتها، ايران، رغم تأكيد المسؤولين البحرينيين مراراً للأميركيين أنهم لا يملكون أدلة على مثل هذا التدخّل. ولم تكن وحيدة الوثيقة التي نشرها موقع «ويكيليكس» سابقاً وتحمل الرقم (08MANAMA541)* وتشير إلى اعتراف الملك البحريني بعدم امتلاك أدلة على التدخل الإيراني او السوري أو حزب الله في الشأن البحريني. فالوثائق المسربة من السفارة الأميركية في المنامة تكاد تجزم بعدم وجود مثل هذه الأدلة، وفقاً لما تؤكّده وثيقة ثانية تحمل الرقم (08MANAMA795)*. ويؤكد السفير الأميركي في البحرين، آدم ايرلي، أنه «بخلاف الادعاءات الدورية للحكومة البحرينية بوجود خلايا نائمة أو علاقات لإيران وحزب الله في البحرين، لم يقدّموا أي أدلة قوية على مثل هذا الوجود، وتقاريرنا لم تكن قادرة على إثباتها».
دليل إضافي على عدم التدخّل الإيراني تورده وثائق «ويكيليكس»، يقدمه السفير الإيراني السابق لدى البحرين محمد فرز مند، الذي كان في حينه، وفقاً للوثيقة الصادرة بتاريخ الثاني عشر من شباط 2007 (07MANAMA130) في معسكر هاشمي رفسنجاني، والرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، ومن بين أبرز منتقدي الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد. فالسفير الإيراني الذي أعرب لأحد السفراء العرب عن «سروره لمغادرة البحرين في هذا الوقت بالذات بسبب الصعوبات في تمثيل النظام الإيراني الحالي، وبسبب وصول العلاقات الايرانية ـــــ البحرينية إلى نقطة أزمة»، نفياً قاطعاً أي دور «كما يدعي البعض، أن إيران قدّمت أموالاً لبعض المرشحين الشيعة»، لافتاً إلى أن «إيران لو فعلت ذلك لكانت دعمت مرشحين أكثر قدرة».
وعندما سئل عن مصدر تمويل جمعية الوفاق البحرينية المعارضة، أشار فرز مند إلى أن الشيخ عيسى القاسم، بفعل مرتبته الدينية، يستطيع إنفاق الخمس على من يريد ومن بينهم الوفاق.
أمّا عن أسباب إصرار البحرين على اتهام إيران، فتتكفل مجموعة من وثائق «ويكيليكس» تقديم الإجابة. فالجمهورية الإسلامية الإيرانية من وجهة نظر بحرينية «قوة إقليمية، وقوّة تدخّل في البحرين»، وأكبر خطر يهدّد وجودها في المدى البعيد (08MANAMA795)*.
والتحدي بالنسبة إلى البحرين على حد قول مساعد وزير الخارجية عبد العزيز بن مبارك آل خليفة، (06MANAMA1851)* «أن تعيش بجوار دولة تسبب الكثير من المشاكل، مباشرة من خلال برنامجها النووي، وبنحو غير مباشر من خلال تغذية المتطرفين». كذلك فإن ايران من وجهة النظر البحرينية، تمارس مع البحرين لعبة مزدوجة: في العلن تدعم الحكومة وإصلاحاتها وفي الخفاء «تمارس تأثيرها مع بعض الجهات بطريقة مذهبية» (06MANAMA1844)*.
أما الخوف من إيران فيجعل البحرين تبدو في وثائق ويكيليكس متردّدة تجاه أنسب السبل لاحتواء «الخطر الإيراني»، فتارةً تدعو إلى حل سلمي للبرنامج النووي الإيراني، خوفاً من أن تكون هي الهدف الأول لأي رد فعل انتقامي من ايران إذا ارادت الأخيرة الانتقام لتزايد الضغوط على برنامجها النووي (06MANAMA873)، وتارة أخرى ينصح الملك البحريني، (06MANAMA1972) بضرورة ضرب إيران، «لأنني أعتقد أنّ الأفضل وقف برنامج إيران النووي، بالقوة إذا لزم الأمر، فنحن في المنطقة لا مشكلة لدينا إذا ضُربت إيران». أما عن أسباب تفضيل الملك «أن تفعل إسرائيل ذلك»، فيشرح ولي العهد سلمان في وثيقة أخرى (04MANAMA612)* الأسباب، بأن «العرب وإسرائيل شركاء طبيعيون إزاء التهديدات الإقليمية مثل إيران». ويتكفل مساعد وزير الخارجية، الشيخ عبد العزيز بن مبارك آل خليفة (06MANAMA898) بتقديم اقتراح آخر متحدثاً عن ضرورة «سحب البساط من تحت إيران»، ومبدياً اقتناعه بأن «المعارضة الداخلية للنظام هي الطريقة الأمثل للتغيير هناك».
المسؤولون البحرينيون لهم نظرة إلى القادة الذين يحكمون إيران. فنظرة المسؤولين إلى خامنئي ليست سوى أنه «شاه آخر» (06MANAMA1844)*، على حدّ وصف نائب رئيس مجلس الوزراء البحريني، الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة. وخامنئي كذلك من وجهة نظره «ليس زعيماً دينياً، هو زعيم سياسي وقائد القوات المسلحة الإيرانية» (05MANAMA344)*، وبالتالي فإن أي ارتباط لشيعة البحرين، بما في ذلك رفع صوره أو صور الخميني أو الأمين العام لحزب الله يتعدى البعد الديني ليحمل بعداً سياسياً، يصبح من خلاله التشكيك في ولائهم حقاً مشروعاً، وفقاً لما يؤكّده الملك البحريني في وثيقة تحمل الرقم (06MANAMA891)*.
أما نجاد فليس سوى «خميني شاب» (06MANAMA1972) زيارته للبحرين غير مرغوب بها وفقاً لولي العهد، لكن من الصعب رفضها (07MANAMA1012).
* تنشر لاحقاً