الوضع في العراق يبدو بالغ السوء. المشاكل والمعاناة تطال أوجه الحياة كلها. الأزمة السياسية لا تزال على حالها مع عجز نوري المالكي عن استكمال تشكيلته الحكومية وتحالف الجميع، بكل تناقضاتهم، ضده بهدف إسقاطه. في الاقتصاد والإدارة حدّث ولا حرج. فساد وهدر ونهب من أعلى المستويات إلى أدناها. لا شيء يسير كما يجب. بيروقراطية لا أحد يعلم أوّلها من آخرها، تتسرب من ثناياها أموال الشعب بالملايين والمليارات، ولا حتى مشروع واحد أنجز. ومع ذلك يبقى قطاع الخدمات الأكثر تأثيراً على حياة المواطنين. لا كهرباء ولا ماء ولا استشفاء. التعليم منهار، وقس على ذلك جميع المرافق الأخرى...مصادر عليمة بشؤون العراق وشجونه ترى أن «السبب الرئيس في ما يحصل هو المالكي نفسه الذي لا يريد أن يقدم شيئاً في السياسة ولا في الاقتصاد. هو يعطّل كل شيء. يريد كل شيء أن يكون بين يديه ويمرّ عبره». وتضيف المصادر، التي أدّت دوراً جباراً في التجديد للمالكي على رأس الحكومة، أن «التظاهرات الأخيرة في العراق كانت أتت أكلها وأطاحت المالكي في يوم واحد لولا أمران: الأول تحذير المرجع السيد علي السيستاني من هجمات إرهابية ضد المتظاهرين، وإن أكد أنه مع حق التظاهر. أما الثاني فإعلان السيد مقتدى الصدر إمهال المالكي ستة أشهر، فرصة لبدء ظهور نتاج أعمال حكومته». وتتابع «على المالكي أن ينتبه. لديه حتى الشهر الخامس أو السادس. عندما يشتد الحر، إن لم يتمكن من إعادة الكهرباء، فلن يبقى على كرسيه يوماً واحداً. هناك من يقول في العراق إنه يسامح الحكومة على نهب موازنة العراق كاملة، أي 83 مليار دولار، في مقابل عودة الكهرباء».
أوساط المالكي ترى ما يجري من منظور مختلف. تقول إن «من يعمل من السنّة على تهدئة الوضع هو المستفيد منه، كمن خرج من الاستحقاق الانتخابي بوزارة أو محافظة أو بلدية. حتى هذا يرى أنه حصل على شيء أقل من حقه لا كله». وتضيف «في الجانب الكردي هناك ارتباك. الحزبان الكبيران وجدا نفسيهما فجأة أمام حالة جديدة اسمها قائمة التغيير التي جمعت المتمردين على الحزبين التقليديين، وأساسها شخصيات لها تاريخ طويل في الحياة السياسية انشقت عن جلال الطالباني الذي لم يعرف كيف يحافظ عليها». وتتابع «هناك أيضاً هذا الصراع بين ابن مسعود البرزاني، مسرور، ونيجرفان، ابن الشقيق الأكبر لمسعود، إدريس، الذي توفي في حادث سير»، موضحة أن «مسرور يرى نفسه الأحق بخلافة أبيه الزعيم، فيما نيجرفان يرى أن من حقه استعادة الزعامة التي فقدها أبوه بوفاته، لكونه الابن البكر لمصطفى البرزاني والأحق بالزعامة». وتلفت الأوساط نفسها إلى أن «الأكراد لا مصلحة لهم باتفاق السنّة والشيعة في العراق، على قاعدة أن اتفاقاً كهذا سيهمّشهم، فيقفون في منطقة وسطى بين المتفرج ومن يجهد لعدم تقوية الحكومة المركزية».
أما على الجانب الشيعي، فتقول هذه الأوساط إن «المجلس الأعلى يعمل ما في وسعه للقول: انظروا كان معنا حق. حكومة كهذه لا يمكنها أن تكون منتجة. كنّا محقّين باعتراضنا عليها. وهم لذلك يمارسون التحريض ضدها وبثّ الشائعات والافتراءات. يستغلون أي شيء يمكن أن يجعل هذه الحكومة لا تسير كما ينبغي». وتضيف «حتى التيار الصدري، هناك بين صفوفه من لا يرى نفسه مرتاحاً إلى اتفاق تقاسم السلطة مع دولة القانون، وهم لذلك يثيرون المشاكل. الاتفاق جاء خلافاً لرغباتهم، وقد كانوا أقلية، أو لهم أجنداتهم أو يتلقّون أموالاً، ولذلك لا يريدون للقافلة أن تسير، علماً بأن السيد مقتدى (الصدر) والغالبية العظمى من شخصيات التيار تعدّ حزب الدعوة الأقرب إليها على المستوى العقائدي. في النهاية، تيار السيد محمد صادق الصدر هو في النتيجة قريب وأخ وتلميذ لتيار محمد باقر الصدر، الشهيد الأول، رغم اختلاف وجهات النظر في بعض الأمور السياسية».
وتقول هذه الأوساط «في موضوع التظاهرات التي حصلت، هناك فعلاً نقص في الخدمات، وهناك مشاكل، ومن حق المجتمع أن يطالب بالخدمات. هناك ترهّل وبيروقراطية وروتين إداري قاتل تمنع تنفيذ أي مشروع، وهذا مسؤول عنه النظام العام عموماً، النظام السابق وقوانينه المهترئة التي تمنع القيام بأي شيء. النظام السابق قام على أساس دولة مركزية اشتراكية لا يسمح بالاقتصاد الحر. هذه القوانين لا تزال هي نفسها بسبب فشل البرلمان السابق وحتى الحالي في أن يبادر إلى سنّ قوانين. هناك الكثير من النصوص الدستورية وغيرها مما تنص على أن تُشرّع بقانون والبرلمان لم يفعل شيئاً حيالها. كل شيء لا يزال يسير وفق القوانين السابقة التي تغطي الهدر والفساد وكل ذلك». وتضيف، في ردّ على سؤال عن النسبة الكبيرة من الوزراء الفاسدين والأميين في الحكومة الحالية، «ربما جزء من هذا الكلام صحيح، لكن هذا الكلام يأتي ضمن حفلة التهريج والافتراءات الحاصلة عموماً. هذه الحملة عندما تكون شاملة يختلط فيها الحابل بالنابل، وتجعل الفاسد الحقيقي يتغطّى بها. لا يمكن كل الناس أن يكونوا فاسدين. لا يمكن القول إن كل موظفي هذه الوزارة فاسدون. هناك الصالح وهناك الطالح. وهناك ممن يتحدثون بهذا المنطق لهم وزراء في الحكومة. فهل وزراؤهم فاسدون أيضاً؟ لم يقولوا لنا ذلك».
وعن نأي المالكي بنفسه عن حكومته والحديث عن مهلة مئة يوم لمحاسبة الوزراء، تتساءل الأوساط نفسها «ما هو دور رئيس الحكومة؟ إدارة شؤون الوزراء الذين أتوا بالمحاصصة، والذين يقول المالكي علناً إنه لا يتبنّاهم وأنهم فرضوا عليه؟ لقد أوضح أن المطلوب منه كان إرضاء الكتل السياسية حتى تُؤلف حكومة، فجاءت الكتل ضمن أجواء المحاصصة وعرضت شخصية ما، فجاء الجواب أن هذا لا ينفع، سمّوا لنا شخصاً آخر. تشبثت الكتلة برأيها وقالت، على سبيل المثال، إما هذا وإما لا أشارك في الحكومة. قال المالكي في نفسه: ماذا أفعل أنا؟ هل أجمّد الأمور وأثير أزمة في البلد. أُجبر على مراعاة هذا الموضوع، وخصوصاً أن الكتل أكدت له أن مرشحيها مؤهلون للمناصب التي رشّحوا لها، فكان الجواب موافقة مشروطة بالعودة بعد مئة يوم لمراجعة أداء الوزراء، وأيّ منهم يظهر أنه مقصّر أو غير كفوء أو فاسد أو لم يتمكن من تحقيق أي إنجاز، يُطلب من الكتلة التي رشّحته أن تقدم شخصاً بديلاً له». وتضيف «انظر إلى الجو السياسي. هناك كتل مشاركة في الحكومة تقول إن هذا تهرّب لرئيس الحكومة من مسؤولياته. طيّب، الكهرباء على سبيل المثال، من المسؤول عنها؟ الوزير المختص أم رئيس الوزراء؟ كذلك الأمر بالنسبة إلى التجارة. أنت في النهاية وزير. إن لم تكن لديك صلاحيات، فلماذا لا تستقيل من الحكومة؟ وإذا كنت تمتلك صلاحيات، فأَرِ الجميع ماذا يمكن أن تفعل. لماذا ترفض بعض الكتل هذا المنطق؟ تريدك أن تتحمل أخطاء الناس الذين أتوا من أجل أن يفشلوا حكومتك».
في المقابل، تشدد المصادر العليمة بشؤون العراق على أن «تعاطي المالكي مع التظاهرات (الشعبية الأخيرة) يدل على خفّة وسذاجة سياسيين. يبدو أنه يعتقد نفسه صدام حسين أو معمر القذافي، وإلا لماذا يتبرّع بالتصدي بهذه الطريقة للتظاهرات التي لم تكن موجهة ضده أصلاً، بل ضد الحكام المحليين من محافظات ومجالس محلية؟ في النهاية هو رئيس وزراء يمثّل نظاماً منتخباً من الشعب، لماذا يتلقّى هذه التظاهرات بصدره؟».
وبالنسبة إلى الوزارات الأمنية التي لا تزال من دون وزراء، تقول أوساط المالكي إن «اتفاقاً حصل ضمن اتفاق أربيل، الذي يثير مشكلة الآن، ينص على أن الوزير الأمني يجب أن يكون هناك انسجام كامل بينه وبين رئيس الوزراء والقوات المسلحة. لذلك لا يصح أن نتركها بيد الكتل. يجب أن يكون الفريق الأمني متجانساً ليتمكن من أن يحمي البلد الذي يواجه تهديداً أمنياً كبيراً. اتُّفق على أن القائد العام للقوات المسلحة، وهو نفسه رئيس الوزراء، يختار وزراء أكفاء لهذه المناصب وتقبل بهم الكتل، لا شيعياً متطرّفاً ضد السنّة ولا سنّياً متطرفاً ضد الشيعة. يجب أن يكونوا من التكنوقراط في مجالهم، ومقبولين من الجميع، ومنسجمين في ما بينهم ومع رئيس الوزراء، كي يستطيع أن يحمي البلد. هذا ما اتفقوا عليه. لكن الآن هذا يقول أنا اسمي وزير الدفاع والثاني يقول أنا اسمي وزير الداخلية وما إلى ذلك. قلنا لهم إن الاتفاق حصل على كذا وكذا. فجاء الجواب: لا، أنتم تريدون أن تفرضوا علينا الوزراء الأمنيين». وتضيف «كيف يمكن القبول بأن تسمّي الكتل الوزراء الأمنيين؟ إذا حصل هذا، يصبح ولاء هؤلاء الوزراء للكتل لا للعراق. التقسيم المذهبي والعرقي لم يتطرق إليه اتفاق أربيل، لكن لا بد للمالكي من أن يراعي التوازن في اختياراته»، مشيرة إلى أن المالكي «يريد تصحيح الخطأ الذي ارتكبه في الحكومة السابقة. يريد أن يسمّي هو الوزراء الأمنيين كي يتحمّل مسؤولية أي خلل يحصل في هذا الملف بنفسه».
لكنّ معارضي المالكي يتهمونه بأنه «يريد وزراء تابعين له. مجرد دمى يحركها كيفما شاء، وهو ما لن نقبل به أبداً». ويضيفون «معظم من يطرحهم لهذه المناصب كانوا رؤساء شعب في حزب البعث. راجع تاريخ عبود قنبر وقاسم عطا وعقيل الطريحي وفاروق الأعرجي. حتى عدنان الأسدي المحسوب على حزب الدعوة، لا ينفع لموقع كهذا»، مشيرة إلى أن «التحالف الوطني سبق أن رشح أحمد الجلبي لوزارة الداخلية، لماذا لم يقبل به المالكي؟».
وفي ما يتعلق برئيس الوزراء السابق إياد علاوي، الذي أطلق حملة اتصالات إقليمية لإقصاء المالكي، تقول أوساط هذا الأخير إن «مشكلة علّاوي أن المدخل الذي دخل به خطأ. في العراق حصلت محاصصة طائفية. كان ذلك خطأً أو صواباً فقد حصل ما حصل. الآن لا الشيعي يقبل بأن يتنازل عن جزء من حصته لسنّي والعكس صحيح. علّاوي شيعي على رأس قائمة سنيّة. لا السنّة يرضون بأن يعطوه من حصتهم ولا الشيعة يحسبونه عليهم. قَبل بذلك أو لم يفعل، هذا هو الواقع. السنّة لن يقبلوا رئيس وزراء شيعياً ورئيس جمهورية شيعياً. علّاوي كان يتوقع أن يصبح رئيس وزراء. لمّا اصطدم السنّة بالواقع، وجدوا أن الشيعة سيأخذون رئاسة الوزراء، فرفضوا أن يعطوا المنصب السيادي الثاني لشيعي أيضاً. هذه المشكلة لا تزال قائمة، فتقرر أن يعطى علّاوي منصباً أقل من رئيس وزراء وأكبر من وزير، ألا وهو رئاسة المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية. الآن، عندما ينظر علّاوي إلى هذا المنصب، يراه أقل مما يجب أن يحصل عليه، هو الذي لا يقنع إلا برئاسة الوزراء أو رئاسة الجمهورية. يريد منصباً حقيقياً، ولكن هذا لا يمكن أن يحصل. لكل من الرئاسات الثلاث مهمات. من أين ستأتي صلاحيات المنصب الجديد؟ ستُقضم من المناصب الأخرى. لكنّ إدارة البلد لا تسمح بذلك، لا يمكن الدولة أن يكون لها رأسان. لا يمكن القوات المسلحة أن تتبع قيادتين. موضوع منصب علّاوي لم يعد مطروحاً على طاولة البحث. هو رجل لديه برنامجه السياسي ولا يناسبه منصب شخصيّ».
المصادر العليمة بشؤون العراق تقول إن «المضحك في ما يجري أن علّاوي بينما كان يزور بيروت ودمشق مطالباً بتنحية المالكي، أعلن ثمانية نواب من حركة الوفاق التي يرأسها انشقاقهم وتأليف قائمة جديدة باسم القائمة العراقية البيضاء بزعامة قتيبة الجبوري، يتوقع أن تتحالف مع جماعة أسامة النجيفي وصالح المطلك. بذلك يكون قد بقي لعلّاوي نواب لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة».
لكن ماذا حصل لاتفاق أربيل. تقول أوساط المالكي إن «أي اتفاق يحصل في الجو الذي حصل فيه اتفاق أربيل، قطعاً يجب أن يكون الرضى القانوني بين الأطراف المشاركة فيه مبرماً، ويفترض أن يكون هناك مرجع قانوني لحسم الخلافات التي تنشأ بشأن تفسيره. ما حصل في أربيل لم يكن هذا. كل واحد فهم نص الاتفاق بالطريقة التي يريدها. والآن اختلفوا على تفسير النص. وكل واحد شعر أن اتفاق أربيل مكسب له. وعندما يشعر طرفان متناقضان بهذا المكسب من الاتفاق نفسه، فهذا يعني أن هناك خطأً في مكان ما. المفروض أن واحداً ضحّى وآخر كسب». وتضيف أن «نصّ الاتفاق لم ينشر. جزء منه شفهي وجزء منه تحريري. اتفاق كان للخروج من أزمة، لحلحلة أزمة، لا أكثر ولا أقل. جاء الكل، وكل واحد منهم يريد أن يأخذ كل شيء لنفسه».
وعن العلاقة مع عمار الحكيم، تقول هذه الأوساط «هي عداوة غير معلنة. خلاف سياسي حاد غير معلن. هو يرى أنه يعمل وفق إرادة الناس وأن الجماهير تريد أن تتظاهر. لمّا ألقى رئيس الوزراء أخيراً كلمته في البرلمان، وحدهم جماعة المجلس الأعلى من اعترض عليها. قالوا إنه لم يتناول كذا وكذا».
وتتحدث المصادر العليمة بشؤون العراق عن «تسريبات عن انشقاق وشيك في دولة القانون. هناك تذمر في هذه القائمة من السلوك الشخصي للمالكي الذي أقصى معظمم مساعديه الأساسيين، وعيّن ابنه أحمد مديراً لمكتبه، وسلّم صهره أبو رحاب مهمة أساسية في المكتب».



تظاهرات عراقية تضامناً مع البحرين

انطلقت تظاهرات في مناطق عراقية بعد صلاة الجمعة استنكاراً لما يجري في البحرين، مطالبةً قوات درع «الجزيرة» بالانسحاب. وفي مدينة الصدر، شرق بغداد، تظاهر نحو 5 آلاف شخص من أنصار التيار الصدري، بعد الصلاة، حاملين لافتات كُتب عليها «آل سعود وإسرائيل وجهان لعملة واحدة»، وهتفوا «لا إله إلا الله آل سعود عدوّ الله».
وقال رجل الدين البحريني المعارض ميثم الجمري «أهلي يقتلون الآن في البحرين. والله لو قتلونا سبعين مرة سنطردهم من البحرين». من جهته، قال مهند الغراوي، مدير مكتب الصدر، «اليوم نتظاهر هنا، وغداً نريق الدم في البحرين إذا أمر مقتدى الصدر بذلك». وفي محافظة ديالى، انطلقت ثلاث تظاهرات ضمّت نحو 5 آلاف شخص. وأعلن أحد رجال الدين الشيعة البارزين في ديالى، فاضل محمد سعيد، خلال التظاهرة، «استعداد آلاف المتطوعين من أهالي ديالى، الذين يطالبون الحكومة العراقية بفتح الطريق أمامهم، للذهاب إلى البحرين والوقوف في وجه الجيش السعودي لنصرة إخوانهم».
(يو بي آي، أ ف ب)