قرّرت جمعية «الوفاق»، أمس، سحب نوابها من البرلمان البحريني، احتجاجاً على الجريمة «ضد الإنسانية» التي ارتكبها الجيش بحق المعتصمين المسالمين في ساحة اللؤلؤة فجراً، لكنّها أصرّت على مطالبها بإقامة ملكية دستورية، متنصلةً من الشعارات التي رفعها المتظاهرون والتي تطالب بإسقاط الملك على اعتبار أنها ردة فعل عاطفية.
وأكّد النائب الأول لرئيس مجلس النواب البحريني، خليل مرزوق، في حديث إلى «الأخبار»، استقالة جميع أعضاء كتلة «الوفاق»، وهي أكبر كتلة في مجلس نواب يبلغ عدد أعضائها 18. ووصف ما جرى بعد منتصف الليل في ساحة اللؤلؤة بأنّه «جريمة ضدّ الإنسانية»، قائلاً «لا أجد غير ذلك كي أصف ما جرى، إنه قتل متعمّد ضدّ شعب أعزل، جزء منه كان نائماً، والبعض الآخر كان يقرأ القرآن»، قبل أن يرتكب الجيش جريمته خلال عشر دقائق، مستخدماً كل أنواع الأسلحة. ورجّح أن يكون قد استُخدم سلاح أخطر من قنابل «شوت غان»، «لأن صور الضحايا التي شوهدت ومدى التشوّهات الحاصلة تنمّ عن أنه جرى استخدام قذائف ضدّ المتظاهرين».
وتقدّم عدد من نواب «الوفاق» وجملة من المحامين البحرينيين ببلاغ للنائب العام للتحقيق في الجريمة.
وتحدث مرزوق عن الوضع الناجم عن هذه الاستقالة الجماعية، قائلاً إنه «انسحاب 18 عضواً، أي ما يقارب 45 في المئة من أعضاء المجلس ويمثّلون ما نسبته 65 في المئة من أصوات الشعب، يعني سقوط الشرعية الشعبية عن المجلس»، رغم أن الشرعية الدستورية لا تزال قائمة. فعدد الأعضاء الباقين يبلغ 22 نائباً، وبالتالي فإن المجلس يمكن أن ينعقد، «ولكن بشكله الحالي لا يستطيع أن يقرّ قانوناً يقبله الشعب». وأكّد النائب الوفاقي أن مطالب الجمعية تتمثل في محاسبة المعتدين والذين سبّبوا هذه المجزرة، وإقالة الحكومة وتأليف حكومة إنقاذ وطني، والبحث في موضوع الإصلاحات السياسية، والتي تتمثل في إقامة ملكية دستورية وحكومة منتخبة وبرلمان كامل الصلاحيات وأن تكون الغرفة المعينة، أي مجلس الشورى، هيئة استشارية. وأوضح أن المعارضة قدّمت اقتراحاً الى السلطة بأن تقدم مرشحاً كفؤاً وأن يكون سنّياً «لا رغبة لنا في أن يكون رئيس الحكومة شيعيّاً».
ورغم الجريمة، فإن النائب الوفاقي أكّد أن المطالب لن ترقى الى حدّ إسقاط الملك، «بل ما نطلبه هو إقامة ملكية دستورية». وعن الهتافات التي تقول «الشعب يريد إسقاط النظام» وتدعو الى رحيل الملك، أجاب إنه لا يمكن التحكم بمشاعر الشعب بعد الجرائم التي ارتكبت بحق المتظاهرين. وأضاف إن هذا المطلب غير مطروح «حالياً ولا أعتقد أنه سيطرح في المنتظر القريب». وشدّد على أن المطالب وطنية، ولا تتعلق بطائفة معينة. ووصف انتفاضة «14 شباط» بأنها ثورة إصلاحية للنظام وليست انقلابية.
كذلك أكّد مرزوق أن جمعية «الوفاق» ملتزمة «بما صوّتنا عليه» قبل عشر سنوات، والذي يدعو الى إقامة الملكية الدستورية. وقال إن «الوضع المتوتر لا يمكن أن يستمر لأن الأحوال الاجتماعية والاقتصادية للمملكة لا تسمح بذلك. واتهم السلطة بأنها اختارت أن تقتل الشعب، وأن الجيش وثق على نفسه بهذه الجريمة بأنه لا يحمي الشعب، بل هو يقتله».
وفي مقابل الدعوة إلى تظاهرة مركزية اليوم بعيد صلاة الجمعة، فإنه يرتقب أن يشيّع القتلى. وتوقّع مرزوق أن يخرج الشعب بكثافة من أجل ذلك، رغم أن دعوة التظاهر باتت موضع تساؤل بسبب الأحكام الأمنية للجيش في العاصمة. وانتقد مرزوق بشدّة المواقف الدولية والإقليمية بشأن الأحداث في البحرين، قائلاً «بعض الأطراف التي لديها حسابات ضيقة لا تتحدث عن هذه الجريمة»، مشيراً إلى أنه عندما «خرج شعبا مصر وتونس في تظاهرات ورفعا شعارات إسقاط النظام، هلّلوا لهما وشجعوهما على الاستمرار بمواقفهما، ولكن عندما خرج الشعب البحريني ليطالب بالإصلاح، وارتكبت بحق جريمة ضد الإنسانية، لم يخرج أحد ليندّد أو ليصطفّ الى جانب البحرينيين»، متسائلاً «هل شعبنا أدنى شأناً، أو أنهم ليسوا من فصيل البشر؟».
وبالنسبة الى اجتماع مجلس التعاون الخليجي، لم يتوقع مرزوق منه شيئاً. «لم يقم لحسابات مصلحة الشعوب، بل لحسابات الأنظمة، وليس لدينا أي أمل في أن يدين ما جرى». وشدد على «أننا لا نريد أن تتحول البحرين الى محاور، أو نسمح لتدخل خارجي».
من جهته، وصف الأمين العام لجمعية «الوفاق»، الشيخ علي سلمان، قيام قوات الأمن البحرينية بتفريق المتظاهرين بأنه «اعتداء وحشي وغير مبرر ضد معتصمين مسالمين». وقال إن «الذي حصل هو هجوم من دون إنذار مسبق ومفاجئ للمعتصمين». وتابع « لقد استُخدمت في الهجوم كميات كبيرة من القنابل المسيلة للدموع ومن الرصاص المطاطي والانشطاري»، موضحاً أن «الهجوم تم من عدة جهات في وقت واحد، ما جعل المغادرة صعبة على المعتصمين».
ووصف الشيخ سلمان ما جرى بأنه «يمثّل بلطجة رسمية في التعاطي مع الاعتصام». وأعرب عن اعتقاده بأن «هذا قرار خاطئ وكارثي على استقرار البحرين»، موضحاً أنه «لا حاجة الى مزيد من القتل، فالمعالجات الأمنية لا تحل الأزمات بل تزيد من تعقيدها».
وكانت الجمعيّة قد أعلنت عن مسيرة للمعارضة يوم غدٍ السبت، وقد أكد سلمان أن «المسيرة ستستمر كما هو مقرر لها». كما توقّع أن «يبادر المحتجّون الى تنظيم أنفسهم والى الاعتصام في أماكن أخرى».
شهيرة...