صنعاء ــ سحابة الثورات العربية وصلت اليمن ونتجت منها «ثورة طالبية»، أنجزت خروجاً على المألوف بعدما نزلت إلى الشوارع رافعةً سقف مطالبها بـ«رحيل الديكتاتور صالح». ولم يثنها الرصاص الحي الذي انطلق محاولاً الحد من تحركها، وحصدت في وقت قياسي اعترافاً بحضورها، تمثّل في قائمة تنازلات أعلنها «الرئيس الصالح»، وهي التسمية التي درج الإعلام الرسمي على إطلاقها للإشارة إلى علي عبد الله صالح، وخرجت للتداول بعد فوزه في انتخابات 2006 الرئاسية. لكن تلك التنازلات وقعت في يد تكتل أحزاب اللقاء المشترك، التي تقدمت لتتسيد حركة الاحتجاجات الجماهيرية التي كان آخرها «يوم الغضب»، الخميس الفائت في ظل انسحاب ملحوظ لحركة «الثورة الطالبية». ويبدو أنها فضّلت التريث لمعرفة المدى الذي ستصل إليه «حركة شباب 25 كانون الثاني» في مصر، إضافة إلى تركز أنظار الجميع عليها، وهو ما سيُبعد الأنظار، بالضرورة، عن أي تطور يحدث في المشهد اليمني.لكن تساؤلات عديدة تطرح حول المدى الذي ستمضي نحوه الرياح بالحركة الطالبية من جهة، وبمهرجانات أحزاب اللقاء المشترك الاحتجاجية من جهة أخرى، ولا سيما أنه يُنظر إلى «الثورة الطالبية» بوصفها فعلاً بكراً غير مسبوق في خريطة الحركة الطالبية في المحافظات الشمالية، مع ضرورة الانتباه إلى أن الفترة المقبلة والمحددة بنحو شهر ستكون مساحة زمنية خارج حساب الحركة الطالبية لوقوعها في فترة اختبارات جامعية، إضافة إلى فترة الإجازة النصفية التي يضطر معها العديد من الطلاب للعودة إلى مناطقهم الأصلية.
إلاّ أنه في حال استعادة هذه الحركة صوتها المرتفع على نحو سريع، فلن تثنيها العقبة الجديدة التي واجهتها في آخر خروج احتجاجي لها، والمتمثلة بمجابهة الجهاز الأمني حركة «الثورة الطالبية» بطلاب مثلهم، وهو ما كاد يؤدي إلى عواقب وخيمة، لتؤكد الأجهزة الأمنية مرة جديدة عدم عجزها عن اختراع وسائل شيطانية، لتضع أي تحرك احتجاجي في مضيق خيارات صعبة.
«إبداع» من نوع آخر أظهرته الأجهزة الأمنية اليمنية في طريقة تعامل السلطة مع «يوم الغضب»، نهار الخميس الفائت، الذي دعت إليه أحزاب اللقاء المشترك، واختارت له «ميدان التحرير» الشهير في وسط العاصمة صنعاء نقطة تجمع لأنصارها.
وبعدما أُبلغت وزارة الداخلية بمكان التجمع رسمياً، لم يكرر الجهاز الأمني للسلطة خطأ نظيره المصري الفادح، فلم يغز الميدان بقطيع خليط من الإبل والجمال والخيول، بل سارع إلى احتلاله قبل يوم من قدوم أنصار المشترك. استقدم عناصر يرتدون الزي القبلي ويشهرون خناجرهم البيضاء (الجنبية اليمنية)، مصطحبين خيامهم التي نصبوها في المكان. وهو ما دفع اللقاء المشترك إلى إعلان تغيير نقطة اللقاء لتصبح الساحة القريبة من جامعة صنعاء، التي على الرغم من اتساعها، تبقى مشتتة للجمع لوقوعها في منطقة تقاطعات، لا توضح تماماً ضخامة الحشد المجتمع.
ولمحاولة التعتيم على حجم المتظاهرين أهميتها، بالنظر إلى أن المعركة الاحتجاجية قد أصبحت واقعة في سياق من يحشد أكثر من الآخر. وهو السباق الذي سقط فيه الحزب الحاكم بالضربة القاضية، بخروج عناصره الهزيل في الأسبوع السابق لتظاهرات الخميس.
درس استوعبه الحاكم جيداً هذه المرة، وهو ينظر برعب للصور الآتية من ميدان التحرير في القاهرة، فسارع إلى محاولة التقليل من آثار «يوم الغضب» اليمني والسيطرة عليه ما أمكن، وذلك بجملة من التحركات كان أهمها يهدف إلى تحييد الشارع وامتصاص غضبه.
وقد تكفل الرئيس اليمني بهذه المهمة، عندما قرر فجأة الدعوة إلى اجتماع طارئ ضم أعضاء مجلسي النواب والشورى، إضافة إلى عدد من وزراء حكومته وضباط عسكريين من الصف الأول، وسط مقاطعة نواب تكتل المعارضة.
ذهب الرئيس إلى الاجتماع بحقيبة مليئة بتنازلات كانت إلى وقت قريب في عداد المقدس أو الخطوط الحمر، وبكلام كان من الواضح إصراره هذه المرة، على غير عادته، على أن يكون مقروءاً من ورقة اصطحبها معه لتجنب «كوارث» عديدة عادة ما يرتكبها عندما يرتجل خطاباً.
في خطابه المقروء، أورد نقاطاً محددة موجهة للشارع بالدرجة الأساس، ولسان حاله يقول لمواطنيه «ها أنتم تسمعونني وأنا أقدم التنازل تلو الآخر لأحزاب اللقاء المشترك، لكنها لا تزال مصرّة على النزول إلى الشارع، وإشاعة الفوضى»، وحينها «سيكون من حق المواطن اليمني أينما كان أن يدافع عن ماله وعرضه وأرضه». العزف هنا على ذات النغمة: «أنا أو الفوضى، وللشارع أن ينزل مدافعاً عن نفسه». وهو ما حدث في اليوم التالي، لكن هذه المرة على هيئة تظاهرة مضادة، احتلت ميدان التحرير وهي مدفوعة من الحزب الحاكم بهدف الضغط على أحزاب اللقاء المشترك لتجميد التظاهرات والقبول بـ«تنازلات الرئيس السخية وغير المسبوقة»، التي يظهر من خلالها حرصه على مستقبل البلد من التشظي والتفتت.
ولم تتأخر اللجنة العامة لحزب المؤتمر الحاكم في دعم مطالب أنصارها. فبعد اجتماع لها مساء أول من أمس، حضره الرئيس صالح، دعت اللجنة أحزاب اللقاء المشترك إلى «التفاعل الإيجابي والبنّاء معها وبما يخدم المصلحة الوطنية العليا»، إضافة إلى «ضرورة التوقف عن فعل المسيرات الاحتجاجية»، «بما يهيئ مناخات إيجابية لإنجاح الحوار وإجرائه في أجواء هادئة». مطالب لا تزال قيد الدراسة والبحث في أروقة اللقاء المشترك، وسط أنباء غير معلنة عن لقاءات جرت في القصر الرئاسي حضرها ممثلون عن حزب الإصلاح الديني، أحد أركان اللقاء المشترك، بُحث فيها عن صيغة مقبولة لإقناع أنصاره، تدريجاً، بالتوقف عن تسيير التظاهرات الاحتجاجية.
توافق سياسي يبدو من المستبعد أن يجد صدىً لدى الشارع الذي لم يعد يقبل بأي تسويات سياسية تُبحث بعيداً عن متطلباته الحياتية الملحّة.



دعوات إلى يوم غضب جنوبي

أطلق ناشطون على الإنترنت الدعوة من أجل تنظيم «يوم غضب» الجمعة المقبل، في جنوب اليمن للمطالبة بفك الارتباط، فيما أصيب ناشط واعتقل اثنا عشر آخرون من أنصار الحراك الجنوبي أول من أمس خلال تفريق الشرطة عشرات المتظاهرين في عدن.
في هذه الأثناء، دافع رئيس الوزراء اليمني، علي مجور، أمس عن حكومته، مشيراً إلى أنه لا أسباب تدعو إلى اندلاع تظاهرات في البلاد على غرار ما جرى في مصر. وأضاف «اليمن ليس تونس أو مصر، ولديه وضع مختلف، هو بلد ديموقراطي عبر كل العقود»، متهماً المعارضة بمحاولة استنساخ ما حدث في تونس ومصر.
وأكد مجور أنّه إذا استجابت المعارضة سلباً لمبادرة الرئيس اليمني بالعودة إلى طاولة الحوار، فإن الحياة الديموقراطية سوف تستمر، لأنها لا تعتمد فقط على المعارضة، مضيفاً «لدينا شعب اليمن الذي يريد أن يرى تطبيق مستحقاته الدستورية من خلال الانتخابات البرلمانية».
وحذّر من إمكانية استفادة تنظيم «القاعدة» من الاضطراب السياسي في اليمن، قائلاً «هؤلاء المتطرفون الذين يتواجدون في اليمن وجدوا بيئة مناسبة حيث الفقر والبطالة».
(الأخبار)