القاهرة| لجنة السياسات لم تجدد الحزب الذي ليس حزباً، بل صارت ملعباً لقناصة السلطة من كل العصور يرتحلون وراء صاحب السلطة. مع كل نقلة من الحاكم، كان المهرولون يسبقونه إلى مقر الملعب الجديد. يرفعون الشعارات الجديدة ولا يعبرون عن مصالح شرائح أو طبقات اجتماعية، بل عن غرائز في القرب من السلطة وخدمتها أياً كان شعارها أو صاحبها.
ظل الحزب الوطني نادياً لقناصة السلطة ورجال كل العصور. لم تغيره لجنة السياسات، ولم تحوله الى حزب. اكتفت فقط بمعركة المواقع مع الحرس القديم. ولم تكن لجنة السياسات محايدة في معركة التغيير.
وعندما هبت العواصف، لم تكن هناك مسافة كبيرة بين الحرس القديم والحرس الجديد. ولم يتعلق أصحاب النيات الحسنة بزورق لجنة السياسات. اكتفوا بالقفز من سفينة السلطة، التي بدت تحت تأثير العواصف أنها في طريقها للغرق.
تجديد الحزب انتهى إلى أفكار تصلح لشركة إعلانات حكومية، لا لحزب يريد العبور من الشمولية إلى الديموقراطية. ولا من عهد الأب إلى عهد الابن، مروراً بفترة تجمع الأب والابن، في تركيبة معقدة لا يفهمها إلا قلة قليلة تابعت جمال مبارك وهو يقول لبعض أساطين الحزب من رجال الأعمال «يا أونكِل». كان من بينهم رجال يتصل بهم الرئيس صباحاً ويطلب منهم أن يشاركوه الإفطار . هؤلاء المدللون شعروا بقلق عندما اتسع نفوذ جمال وتغيرت طريقة النداء إلى «يا بيه». وفي المرحلة الأخيرة حذفت البكوية والاسم يناديه خالياً من الألقاب.
هذا التطور هو ما حدث في الحزب الوطني بعد صعود جمال مبارك ومجموعته. تتغير إدارة المنتخب في حضور الإدارة الجديدة. والإدارة الجديدة لا أسس لها سوى «الإعلان»، السياسة هي الإعلان تقريباً.
هذا ما تعلموه من رئيس الوزراء الإيطالي سلفيو برلوسكوني الذي صنع حزبه من مدرجات كرة القدم، حين اعتمد على مشجعي فريق ميلان وصنع منهم، ومن أفكارهم، حزباً، وهو في الحقيقة ليس حزباً بالمعنى الكلاسيكي للحزب، لكنه منتخب لا يجمع أفراده سوى الوصول إلى السلطة والاستفادة منها إلى آخر رمق.
في هذا النوع من الأحزاب تستبدل السياسة بالإعلان، والأفكار تسير كلها لصناعة وهم حول سلعة ليست موجودة. ليس معلوماً أيضاً مدى سيطرة أصحاب هذه النظرة على الحزب، وأين هي الشخصيات التي تمتلك أفكاراً ليست إعلانية، ولديها طموح لتحويل الحزب الوطني إلى حزب فعلاً، لا إلى منتخب فساد يتجمع حوله طلاب المصالح، وأصحاب الشهوة المتوحشة لامتلاك السلطة والثروة، أين هم وأين أحلامهم؟ إنها تنتهي إلى هذه الركاكة والسطحية التي تظهر في إعلانات الحزب (في مؤتمراته الأخيرة) الذي من المفروض أنه يخبئ مستقبل مصر في أحد أدراجه، ولن يفصح عنها الآن لأن هناك ما يشغله أكثر من انتخاب الرئيس.
قادة الحزب غالباً لا يقرأون كلامهم بعد أن يلقوا به في وجه الصحافة... يشترك في ذلك القديم والجديد. أتباع الأب وخدمة الابن. رجال صفوت الشريف ورجال أحمد عز. كلهم لا يفكرون، إنهم تروس في ماكينة خلود السلطة.
ليس لديهم أفكار بالمعنى السياسي. لديهم أسرار فقط. مراكز نفوذ الحزب تعتمد على أداء دور حملة الأسرار. يعرفون الطريق إلى الرئيس. ولا ينطقون عن الهوى. ما يقولونه «معلومات» أو أسرار قيلت في جلسة خاصة ويريد الرئيس اختبارها على الشعب.
طهاة مطبخ الرئيس أدوا دوراً في تأكيد سيطرة الحزب والرئيس على المستقبل. الدكتور مفيد شهاب ليس كبيرهم. لكنه صعد نجمه في الأيام الأخيرة للحزب، ربما لأنه لا ينفعل بسهولة ويبدو دائماً مثل أستاذ غاضب من تلاميذه. كذلك فإنه يوحي بأن ما يقوله من وحي العلم.
والحقيقة أن نشاط الدكتور مفيد لا يرتبط بمميزاته العلمية، لكن بمهارة أخرى التقطها من الأستاذ عبد الغفار شكر، أحد قادة اليسار، ومعلم من معلمي التربية السياسية الكبار.
عبد الغفار شكر عرف مفيد شهاب في منظمة الشباب، مصنع النظام الناصري لتخريج الكوادر السياسية. وكان من بينهم الانتهازي الباحث عن سلم للصعود السياسي، ومنهم الرومانسي الحالم بالانخراط في جيش الثورة السياسي.
النوع الأخير مخلص، وكما يحكي عبد الغفار شكر، فإنهم خرجوا في تظاهرات بعد هزيمة ١٩٦٧ ليطالبوا عبد الناصر بالتحقيق ومحاسبة المقصرين.
الدكتور شهاب لم يكن من بينهم طبعاً. كان من مجموعة «الولاء للنظام» التي احتلت منظمة الشباب، وكان من مهمتها تطهير المنظمة من العناصر غير المنضبطين (هي نفسها العناصر الرومانسية التي خرجت في تظاهرات النكسة).
من يومها الدكتور شهاب محترف تطهير ومطارد للمنفلتين من قبضة النظام (سواء كان اشتراكياً أو رأسمالياً أو بين بين). حصل دائماً على مكافآت مناسبة لكل عصر. في عهد الاشتراكية والعروبة والشباب المتحمس عين رئيساً لتحرير جريدة «الشباب العربي»، ثم عضواً في اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي.
وفي عهد مبارك كان الولاء صفة أساسية والتطهير مهمة أساسية، سواء وهو رئيس لجامعة القاهرة أو وزير للتعليم العالي. لم يحصل مفيد شهاب على موقع كبير الطهاة في مطبخ مبارك. وربما لم يدر مطبخ مبارك كبير. الطهاة متساوو الرؤوس، وكل منهم يقترب حسب المزاج أو القدرة على قتل المتنافسين. شهاب طمح إلى مواقع في السلطة التشريعية. لكن هناك طهاة أقوى مثّلوا حواجز رهيبة أمامه. وبقيت له في الفترة الأخيرة مهمة طهو القوانين السريعة.
في هذه الرحلة كانت القيمة العلمية للدكتور شهاب تقل. فمن العريضة القانونية التي استعادت بها مصر طابا في معركة التحكيم الدولي مع إسرائيل، إلى صياغات ركيكة لمواد التعديلات الدستورية ولقوانين أخرى لا يفخر بها أصغر عارف بالقانون.
وعلى النقيض تماماً، كانت مهارات الدكتور شهاب في التطهير تبرع وتتخذ أبعاداً شرسة. فالرجل الذي يبدو للوهلة الأولى لا ينفعل ولا يتفاعل مع مجريات الأمور. بدا في جولات الدفاع عن قوانينه ومواده المطهوّة على بخار الخلود الرئاسي. بدا شرساً وعنيفاً ومتوحشاً. بدا مدافعاً عن طبخته قبل أن يذوقها.
من أين أتت هذه الشراسة؟ شراسة الطهاة الذين يطهون طبخة. يريدون للمجتمع بلعها بالقوة. يستغلون أن المجتمع جائع (للديموقراطية) وغارق في البحث عن لقمة العيش وقنوع (لن يعترض وسيأكل حتى الزلط).
استعراضات الطهاة مثيرة للأسى قادت الحزب نفسه إلى مجهول، عندما تصورت أن الاستفراد بالسلطة وعرض القوة الجبارة، كما حدث في انتخابات البرلمان الأخير، يمكنها أن تضمن خلود السلطة، لكنها كانت الهاوية التي وصل إليها الحزب في أول خطوة لتفكيكه باعتباره جناحاً سياسياً للسلطة.


نظيف والجهاز الأميركي

كشفت القناة السابعة في التلفزيون الإسرائيلي النقاب عن شراء الحكومة المصرية السابقة برئاسة أحمد نظيف جهازاً أميركياً من شركة «FreePress» بإمكانه تتبع المعارضين عبر الإنترنت، وبالأخص موقع «الفيسبوك».
وأوضحت القناة أن بإمكان الجهاز تتبع ومحو أي نشاط بواسطة الإنترنت من شأنه الإضرار بالحكومة المصرية، وبالأخص في مواقع الـ«فيسبوك» و«التويتر». ونقلت القناة عن مسؤولين في الشركة أن الهدف الأساسي من الجهاز، الذي يبلغ سعره مليارات الدولارات، هو تتبع حركة الإرهابيين وعمليات القرصنة على الشبكة العنكبوتية. وأشارت القناة إلى أنه على الرغم من شراء الحكومة المصرية لهذا الجهاز، إلا أن السلطات تعمدت قطع الإنترنت عن المستخدمين في أعقاب «ثورة النيل».
وذكرت القناة أن الشركة تأسّست في عام 1997 بواسطة مجموعة من المتخصصين الإسرائيليين في مجال تكنولوجيا المعلومات والإنترنت، وبيعت في ما بعد لرجال أعمال أميركيين بهدف تطوير منتجات الشركة، ويعمل فيها مسؤولون من جهازي الاستخبارات والمباحث الفيدرالية الأميركية.