تونس ــ أيام حمراء تعيشها البلاد التونسية، منذ العملية الأخيرة التي كانت وزارة الداخلية التونسية مسرحاً لها وكادت تطيح بالوزير الجديد فرحات الراجحي، الذي تحوّل بين يوم وليلة إلى «نجم» من نجوم السياسة، وجعلت البعض يقول عنه إنه «أحب وزير للداخلية شهدته تونس منذ الاستقلال سنة 1956».بعيد تلك الحادثة، التي قلبت كيان العاصمة التونسية أمنياً، تحوّل «مركز ثقل» الانفلات الأمني إلى الجهات الداخلية، حيث شهدت مناطق مثل الكاف (168 كيلومتراً غرب العاصمة) وسيدي بوزيد (جنوب 300 كيلومتر) وقفصة (نحو 400 كيلومتر جنوب غربي العاصمة) مصادمات استعمل فيها الرصاص الحي. وسقط 5 قتلى وأكثر من 15 جريحاً في مدينة الكاف، بعد مواجهات بين متظاهرين وقوات الأمن، إثر اعتداء رئيس جهاز الأمن بالمنطقة على امرأة جاءت لتقديم شكوى. فما كان من ابنها إلا أن عنّفه، وهو ما شارك فيه المارون من أمام مقرّ الجهاز الأمني، لتتسع دائرة المواجهات بعد تدخل أفراد الشرطة الذين أشهروا أسلحتهم واستعملوا الرصاص الحي، حسب ما أكد أحد الشهود بالمدينة.
استعمال الرصاص الحي ضد متظاهرين بالمدينة هو أحد التعديات على المراسيم التي أصدرها وزير الداخلية الجديد، والتي يبدو أنها لم ترق لبعض مسؤولي الأمن الداخلي الذين يرون أن «هيبة رجل الأمن قد تلاشت بعد الثورة»، بعدما كان في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي يتمتع بسلطة قمعية على باقي أفراد المجتمع.
إلا أن الليلة الدامية التي عاشتها مدينة الكاف لم تكن مثل تلك التي شهدتها مدينة سيدي بوزيد منذ يومين، إذ أحرق موقوفان في مخفر للأمن في ظروف مأساوية وغير واضحة، حيث كشفت عن سيناريوهين لهذه الحادثة، أولهما يتحدث عن عملية انتحار نفذها المنكوبان، لكن هذا السيناريو سريعاً ما تبين أنه زائف. السيناريو الثاني يكشف أن الموقوفين قتلا حرقاً في مركز التوقيف، وهو السيناريو الأكثر واقعية، وخصوصاً أن العملية «نفذت عن طريق استعمال الوقود»، حسب ما يؤكده أحد شهود العيان، الذي لم يرد الكشف عن هويته.
لكن مجموعة المحامين بجهة سيدي بوزيد قالت إن المسؤولين عن العملية هم جماعة منتمية لميليشيات التجمع الدستوري الديموقراطي (حزب الرئيس المخلوع). وأوضحت في بيان بعد جلسة في مقر المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد، أن أحد القتلى و«يدعى عادل الهمامي، وهو شرطي من بلدية الجهة، كان ضالعاً في أحداث النهب والسلب والسرقة التي شهدتها المدينة عقب الثورة الشعبية، وألقي القبض عليه بعد شكوى من أهالي المنطقة، وتوعد بكشف ملابسات حوادث النهب ومعلومات حول نقود تسلم لمجموعة من الخارجين على القانون لإحداث البلبلة، ما حتّم حرقه».
وقد تختلف هذه الروايات وتتنوع لكنها تصب كلها في عين واحدة، وهي ما أطلق عليه اسم «الإرهاب التجمعي». بدأت الحكاية من باب وزير الداخلية، الذي كاد يكون شهيداً جديداً في اليوم الأول لتسلمه منصبه في الحكومة، لولا تدخل الجيش لإنقاذه في اللحظات الأخيرة، وهو ما دفع الوزير إلى الإشارة إلى «مخطط تآمري تعمل عليه جهات خارجية بالتعاون مع جهات داخلية».
إلى ذلك، قال التلفزيون التونسي ومصدر في وزارة الداخلية ان الراجحي قرر تعليق جميع انشطة حزب التجمع الدستوري الديموقراطي الذي كان يحكم البلاد في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي وذلك لمنع انهيار الامن في البلاد. وقال المصدر الذي لم يشأ نشر اسمه «قرر وزير الداخلية تعليق جميع انشطة التجمع الدستوري الديموقراطي واجتماعاته واغلاق كل مكاتبه ريثما يصدر قرار قضائي بشأن حله». واضاف أن القرار اتخذ «للضرورة القصوى ولمنع انهيار الامن العام وحماية المصالح العليا للبلاد».