القاهرة ــ من تونس وعبر البحر الأبيض المتوسط، انتقل الهتاف إلى مصر «الشعب يريد إسقاط النظام» إيذاناً بانطلاق انتفاضة إسقاط الرئيس حسني مبارك. ومنذ 25 كانون الثاني، موعد انطلاق شرارة الاحتجاجات، توحد هتاف المتظاهرين في ميدان التحرير تحت شعار «الشعب يريد إسقاط النظام». تدفق العدد على نحو غير مسبوق إلى الميدان، وفاق كل التوقعات، وكان صدى صوت الهتاف يتردد في شوارع وسط البلد في القاهرة، حتى كانت النهاية في الثانية بعد منتصف الليل، مع إطلاق كثيف، من قوات الأمن، للغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي. تفرق المتظاهرون على وعد باللقاء غداً. لكن في السويس، كان تفرق المتظاهرين مدموغاً بدم الشهداء، وخرجت هناك الشرارة الأولى للهتافات العنيفة ضد الرئيس وعائلته «يسقط... يسقط حسني مبارك»، و«يا جمال قول لأبوك دم المصري مش رخيص»، أو «يا جمال قول لأبوك السوايسة بيكرهوك».
ثم كان الانفجار يوم الجمعة بعد تعمد عناصر الشرطة استخدام العنف المفرط مع المتظاهرين. الهتاف الأول في البداية «سلمية.. سلمية». وبعد انسحاب أجهزة الشرطة، لا من القاهرة فحسب، بل من كل مصر، ظهرت عشرات الشعارات معظمها لعبت على شعار الوحدة الوطنية الجديد، ومنها «الجيش والشعب إيد واحدة». تشعب ذلك الشعار، فظهرت بعض الهتافات التى تتغزل وتمتدح الجيش وتبدأ من «أهوه.. أهوه الجيش المصري أهوه»، بعدما انتشر الجيش في كل مكان من أنحاء القاهرة والكثير من المحافظات الأخرى.
وبما أن الحكومة قد أغلقت الإنترنت، وحجبت مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفايسبوك، قرر المتظاهرون تحويل ميدان التحرير إلى إنترنت في العالم الواقعي، فتقريباً كل شخص كان يسير وهو يهتف بشعار خاص، أو يرفع لافتة مكتوباً عليها شعاره الخاص، حتى بدا ميدان التحرير كأنه تحول إلى «شريط الحالة/Status» الفايسبوك.
وبعدما كان ميدان التحرير مغطى دائماً بإعلانات مطربي شركات الموسيقى أو شركات السياحة، تغير المشهد بعد سيطرة المحتجين عليه، حيث تنوعت لافتات المتظاهرين، واتخذت أشكالاً متعددة. وفيما ارتفع بعضها لعدة طبقات، اقتصرت بعض اللافتات على جملة أو جملتين.
أما الأبنية فتحولت إلى فضاء تكرر فيه شعار «يا سوزان خافي عليه»، فيما أطلق شبان وفنانو الغرافيتي أيديهم بمنتهى الحرية لأول مرة لإعادة تشكيل جدران الشوارع في قلب العاصمة.
وفي معظم الشعارات، تتكرر كلمة واحدة «ارحل» سواء حملتها طفلة وهي فوق كتفي والدها، أو رفعها رجل هرم يلتقط أنفاسه على الرصيف.
وفي محاولة لمنع أي التباس في هوية من المطلوب منه، تضاف كلمات أخرى ملحقة منها «ارحل بقى يا عم خلي عندك دم»، «ارحل يا مبارك، تل أبيب في انتظارك»، فيما تطالب شعارات أخرى مبارك بالرحيل بطريقة ساخرة «مبارك يا ويكا أنت وسوزي على أمريكا»، «ما بيفهمش عربي كلموه عبري». وأحياناً ما تظهر بعض إفيشات الأفلام لتتحول إلى شعارات للمحتجين مثل «مبارك.. طير أنت»، أو شعار قنوات ميلودي «مبارك يتحدى الملل».
تتحرك الشمس فوق رؤوس المتظاهرين ويتبعها القمر، وتتوالى التصريحات والخطابات، وبالطبع بيانات الرئيس التى دائماً ينتظر المحتجون بثها «بعد قليل» يمتد عادة لساعات. وبعد كل بيان مخيب للآمال يؤكد فيه مبارك تشبثه في منصبه، يندفع الناس غاضبين إلى الميدان شاعرين بحنق بالغ تجاه ردود فعل النظام، بداية من رأسه وحتى خطابه الإعلامي، ومهرجوه من أشباه الفنانين والكتاب، فيشرعون في كتابة الشعارات المضادة لخطاب الرئيس وإعلامه. يقف شاب، يرفع لافتة مكتوباً عليها ما يشبه البيان «الثورة المليونية مصرية 100% مش بضاعة أميركية هدفها الأول محاكمة مجرمي النظام». وآخر يرفع لافتة «نظفنا ميدان التحرير.. وسوف ننظف بلدنا من الفساد والنفايات».
وعند إعلان تعيين اللواء عمر سليمان نائباً للرئيس، عبر المتظاهرون عن رفضهم للخطوة، رافعين شعار «لا مبارك ولا سليمان»، بينما رفع آخر لافتة كتبها على ورقة كارتون «شفت يا شعب، مبارك وسليمان بيستغلونا ومش بيحبونا، وعلى العذاب حيودونا».
ولم يسلم الإعلام الرسمي من غضب المعتصمين بعد اتهامه بالانحياز إلى النظام ضد الشعب، فخرج البعض يهتف بأعلى صوته «التلفزيون المصري كداب».
وبينما كان النظام يطلق مجموعات من البلطجية للاعتداء على المتظاهرين مستخدمين مختلف أنواع وسائل الترهيب، كان المطالبون برحيل مبارك يهتفون بصوت واحد «مش عايزينه» و«مش حنمشي... هو يمشي».