القاهرة ـ السخرية عنصر أساسي في قائمة بهارات المشهد السياسي المعاصر، يمارسها الجميع، بمن فيهم الرئيس حسني مبارك الذي ظهر في خطابه إلى مجلس الشعب الجديد والمزوّر وهو مبتسم وواثق بنفسه ليسخر من المعارضة والناشطين السياسيين، ويقول لنوابه من الحزب الوطنى «خليهم يتسلوا».وبالفعل، فقد سعى المتظاهرون إلى التسلية أثناء اعتصامهم في ميدان التحرير، حيث وقف شاب ممسكاً بلافتة كُتب عليها «ارحل بقى إيدي وجعتني»، في إشارة إلى تعنّت مبارك ورفضه التنحّي.
ورغم كل ما حدث خلال الأيام الاحتجاجات وسقوط شهداء وجرحى بالمئات، تبرز الخاصية التي اشتهر بها المصريون، وهي تحويل المصائب إلى مولدات للضحك والسخرية. مجموعة شبان تسير هاتفة «أحه تنحّى»، مجموعة آخرى تغني أغنية فولكلورية بعد تحوير كلماتها لتصبح «يا مبارك روح أمك اصطلحت».
في كل أنحاء ميدان التحرير، يلاحظ المشاركون عشرات الشعارات التي تحمل سخرية واضحة لا يستطيع قارئها سوى إطلاق ضحكة أو ابتسامة حينما يراها. أما الحوار بين المتظاهرين فهو محكوم بلغة السخرية والإفيهات دائماً.
أما على الجدران، فقد انتشرت رسوم الغرافيتي وتنوّعت بين شعارات سياسية وصور مرسومة لمبارك مكتوب أسفلها «خذ فيزا»، بينما رسم فنان آخر صورة لبيضة ذات ملامح غاضبة وكتب أسفلها «اتبضنا»، وأمامها يقف شاب يحمل لافتة مكتوب عليها أحرف باللغة الهيروغليفية كتب أسفلها بالعربية «يعنى بالهيروغليفي ارحل»، بينما يرفع شاب آخر لافتة مكتوباً عليها «ثورة A7A»، وآخر يبتسم شاهراً لافتة كُتب عليها «ارحل أيها البقرة الضاحكة». حتى الاسفلت كان مغطّى بالكتابات والرسوم الكاريكاتورية الساخرة، حيث استخدم أحدهم أيقونات وإشارات المرور ليصنع لافتة مكتوب عليها «لا تنظر إلى الأسفل، الحرية أمامك». وعلى بعد خطوات منها رسمت مجموعة من الأسماك وكتب تحتها «حتى السمك شكله بيغرق».
إلى جانب الغرافيتي، كان المسرح الهزلي أحد الفنون الحاضرة بقوة في جلسات المعتصمين. رجل يسير ممسكاً بطبلة ومتقمّصاً شخصية المنادي في الريف وهو يقول «عيّل تايه يا ولاد الحلال، مواصفاته عنده 82 سنة، وغبي ما بيفهمش»، بينما يرتدي ثان ملابس الصعايدة ويحمل لافتة مكتوباً عليها «الصعايدة فهموا.. ارحل بقي».
وفي كل مرة يعلن فيها التلفزيون أن الرئيس سيلقي بياناً مهماً، كان المتظاهرون يصطفون على المقاهي وينتظرون خطابه متغلّبين على ساعات الانتظار بإطلاق نكات ساخرة، فيقول أحد الجالسين على المقهى لمن يجاوره «بيقول لك الريّس تأخر، علشان بيفتشوه في اللجان الشعبية»، يكمل النكتة شاب آخر «بيقول لك وقفوا مبارك في اللجنة الشعبية فقالوا له بطاقتك، بصّوا في البطاقة لقوا المهنة رئيس، قالوا له انزل إحنا معندناش رئيس»، في إشارة ساخرة إلى اللجان الشعبية التي انتشرت على كل الطرقات وتفتش السائرين وتطّلع على هوياتهم بعد غياب الشرطة وانتشار الفوضى.
وبعد بيان الرئيس يسير المتظاهرون عائدين نحو الميدان، وكلّ منهم يحوّل عبارة قالها مبارك إلى «إفيه».