صنعاء| لم تكن الحياة كريمة معهم، في بلادهم الأصلية التي أدمنت المجاعة والحروب الأهلية والأزمات الاقتصادية الخانقة، فقرروا الانتقال إلى أرض أخرى علّها تُظهر لهم وجهها الحلو. أفريقيون، غالبيتهم من إثيوبيا وإريتريا والصومال، اعتقدوا أن الفردوس مقيم في الضفة الأخرى من البحر الأحمر، فلم يترددوا في الذهاب إليها مهما كان الثمن الذي سيدفعون، حتى لو كان حياتهم. يجد الهارب نفسه مضطراً إلى التغاضي عن تفاصيل ما يمكن أن يحدث له في المسافة الفاصلة بين الضفتين.
من ثلاث نقاط رئيسية يكون الانطلاق ليلاً، ومن مرافئ مجاورة لموانئ «بصاصو» و«بربرة» و«كسمايو»، الصومالية البعيدة عن أي سيطرة أو مراقبة. تتكفل عصابات متخصصة بتهريب البشر عملية نقلهم مقابل مبالغ مالية تتراوح ما بين خمسين ومائة وخمسين دولاراً أميركياً مع إمكانية التفاوض بين الرقمين، ويكون النقل عبر مراكب صيد تقليدية في حالة متهالكة تفتقد أدنى معايير السلامة التي تؤمن لها إبحاراً آمناً في المياه العميقة، وفي رحلة تستمر ما بين ثلاثة أيام إلى أسبوع. وفوق هذا يحمّل المهربون المراكب فوق طاقتها طلباً لربح أكبر، حيث يُملأ المركب الواحد بنحو مائة وخمسين راكباً رغم أن حمولته المفترضة لا ينبغي أن تزيد على الخمسين راكباً.
«حُشرنا في كل زاوية من المركب بطريقة لا تتيح لنا سهولة الحركة»، يقول الشاب الصومالي محمد (اسم مستعار) الذي وصل إلى عدن في منتصف عام 2005 ومنها إلى صنعاء حيث يقيم اليوم ويعمل في تنظيف السيارات، والذي أضاف لـ«الأخبار»، «مثلما فُرّغت جيوبنا من كل ما نحمله من مبالغ نقدية تعيننا على الأيام التالية لوصولنا». ولا يمكن قول كلمة اعتراض واحدة في وجه أصحاب المركب المسلحين «من ينطق يُرم في البحر». لكن من حالفه الحظ في الوصول إلى نهاية الرحلة، التي تكون عادة في نقطة تبعد نحو خمسة كيلومترات عن الساحل، فعليه إكمال هذه المسافة الباقية سباحة حيث يصار إلى التخلص من جميع الركاب تحاشياً للإمساك بهم على أيدي رجال خفر السواحل اليمنية. وذكر لنا محمد أنه ظل يسبح لمدة سبع ساعات متواصلة إلى أن لمس برّ الأمان.
«هذا في الظروف العادية، إذا استقر البحر ولم يقم بواحدة من ألعابه الخادعة. في بداية شهر كانون الثاني غرق مركب كان يحمل على متنه 46 مهاجراً بسبب رياح عاتية تلاعبت به، والحصيلة: خمسة ناجين، صوماليان وثلاثة إثيوبيين، وفيما البحث جار عن الباقين، دُفنت ثمان وعشرون جثة عثر عليها على الشاطئ. لم نعد نميز بين الإثيوبي والصومالي، وبين الذكر والأنثى، فقد وجدناهم في الساحل بحالة يرثى لها، وتغيرت أشكالهم، وما كان علينا إلا أن نتولى مسؤولية الدفن»، قال مسؤول منظمة الهلال الأحمر في منطقة باب المندب اليمنية لوكالة «فرانس برس».
لكن هناك من يصل حياً كيفما اتفق إلى أي نقطة من الشريط الساحلي اليمني الهائل والبالغ نحو 2450 كيلو متراً. ومن هناك تبدأ رحلة أخرى.
بالنسبة إلى الإثيوبيين والإريتريين، عليهم التخفّي قدر استطاعتهم، وأن يبقوا بعيدين عن الأعين حتى وصولهم إلى نقطة معينة متفق عليها عبر وسطاء معروفين ومتخصصين في تهريب المهاجرين، ويجري التنسيق معهم مسبقاً، كي لا يقعوا في أيدي السلطات اليمنية التي تتعامل معهم على أنهم مهاجرون غير شرعيين ويُرحّلون على الفور. وهو ما ترى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أنه مسيء في حق اللاجئين الذين قد يتعرضون للأذى لدى عودتهم، خصوصاً أولئك الإثيوبيين الفارين من بلادهم لأسباب سياسية. ويحدث هذا على الرغم من أن اليمن هي الدولة الوحيدة في شبه الجزيرة العربية التي صادقت على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 والتي تقول بضرورة «عدم التمييز بين اللاجئين تحت أي مبرر».
أما في حال نجاحهم بتجاوز الساحل الرملي والتوغل قليلاً في الأرض المعمورة، فتكون أمام الإثيوبيين عقبة أخرى، أو مهمة يجب عليهم تجاوزها بالنسبة إلى من يرغب في قطع الأراضي اليمنية، والسير باتجاه المملكة العربية السعودية، هنا عليه أخذ الطريق الساحلي والاستعانة بالسيارات العابرة في تنقله نظراً لطول المسافة التي تفصله عن أول نقطة على الحدود السعودية، حيث ينتظره هناك أفراد تابعون للشبكة نفسها المتخصصة في التهريب. أمّا الراغبون منهم في الوصول إلى مكتب شؤون اللاجئين بالعاصمة صنعاء، فعليهم أن يخوضوا مغامرة غير محمودة العواقب، قد تنتهي بالفشل قبل وصولهم. أما من ابتسم الحظ في وجهه فلن يكون أمامه سوى تسلّم ورقة تثبت تقدمه بطلب الحصول على صفة لاجئ، وتحديد موعد له لبت طلبه، وهي على العموم ورقة لا تحمل قيمة رسمية، ويمكن أن يتعامل معها رجال الأمن اليمني كأنها لم تكن، وبالتالي يُعتقل حاملها ويرحّل لاحقاً أو فوراً. لكن الملاحظ أن معاناة اللاجئ الإثيوبي لا تنتهي حتى بعد حصوله على بطاقة لاجئ قانونياً، حيث يلاقى معظمهم معاملة عنصرية تنتقل من رجال السلطة لتصل رجل الشارع العادي، وتنطلق هذه العنصرية من أرضية غيرة تجاه هذا القادم الجديد لمنافسة اليمني على فرص عمل نادرة أصلاً لدى جهات ومنظمات أجنبية ذات رواتب مرتفعة، خصوصاً إذا ما نظرنا إلى تفوّق الفرد الإثيوبي على نظيره اليمني في المؤهلات والقدرات والمهارات، إضافة إلى إجادة معظم الإثيوبيين للغة الإنكليزية، وهو ما تبحث عنه تلك الجهات الباحثة عن سد ثغرة في كادرها الوظيفي، كما تفضل التعامل مع كادر أجنبي مثلها، لا يقدر على التمرد عليها أو اللجوء للقضاء إذا وقع عليه ظلم، على العكس من الموظف المحلي الذي يقدر على الاستقواء بوضعه بوصفه ابن البلد. وليست حال اللاجئات الإثيوبيات بأحسن من حال مواطنيهن، إذ لا يمر يوم من غير أن يُسمع عن حادثة اعتداء أو تحرش في حقهن، خصوصاً أنهن قادمات من مجتمع منفتح إلى غيره يتخذ موقفاً معادياً من المرأة عموماً، فكيف الحال لو كانت ترتدي ملابس مخالفة للسائد وتمشي سافرة الوجه. عليهن، إذاً توقع الكثير.
الصومال بين جيلين من المهاجرين
لم يكن انهيار نظام محمد سياد بري في عام 1991 البداية الأولى لهجرة الصوماليين إلى اليمن ومنها إلى العالم، إذ حدثت هجرة أولى، وإن على نطاق أضيق، في عهد الرئيس نفسه الذي تفنن في إشعال الحروب مع جيرانه وعلى وجه الخصوص إثيوبيا، ما دفع عدداً غير قليل من الصوماليين إلى اختيار طريق الهجرة، وكان معظمهم من حملة الشهادات العليا ومن أصحاب الكفاءة العلمية، مما كان يسهّل عليهم الانتقال إلى دول العالم في أوروبا وأميركا وكندا عبر اليمن. تالياً، وبالنظر لانهيار النظام التعليمي في الصومال، خرج جيل جديد مولود خلال فترة ما بعد الحرب الأهلية، تعوزه الكفاءة العلمية ولا يتقن عملاً في الحياة. منهم من قرر الانضمام إلى حركة الشباب المجاهدين، ومنهم من اختار قطع البحر الأحمر ليستقر في اليمن، حيث لا يسمح له مستواه العلمي الانتقال إلى مكان آخر.
ويبلغ عدد اللاجئين الصوماليين في اليمن نحو 140 ألف لاجئ بحسب الأرقام الواردة في سجلات المفوضية السامية ،لكن السلطات اليمنية تقول إن عددهم قد يصل إلى نصف المليون، لكون الكثير منهم يأتي متسللاً ولا يسجّل نفسه في لائحة اللاجئين الرسمية لأسباب عديدة، منها خشيته أن يُجبر على العودة إلى الصومال إذا انتهت الحرب في بلاده.
ويعاني هؤلاء ظروفاً معيشية صعبة نظراً لغياب هيئات تعليمية يمنية تقبل بهم، وبالتالي تنعدم فرص حصولهم على وظائف ذات عائد مادي مجز، ولذلك تنحصر عناوين المهن التي يمكنهم ممارستها في تنظيف السيارات وأعمال البناء الشاقة، فيما لا تجد النساء منهم غير فرصة العمل خادمات في المنازل، ما يعرّض الكثيرات منهن لحوادث اعتداء وتحرش من أبناء العائلات التي يعملن لديها.
وبما أن المصائب لا تنزل فرادى، جاءت حروب الجيش اليمني مع جماعة الحوثي لتضيف عبئاً آخر على المهاجرين الصوماليين، حيث اتهمتهم السلطة بالقتال إلى جانب الحوثيين لكنها لم تقدم أدلة على ذلك. وقالت مصادر محايدة إنه ربما يجد بعض اللاجئين أنفسهم مرغمين على القتال مع الحوثيين، مقابل عائد مادي جيّد يعينهم على مواصلة طريقهم إلى السعودية.
أما خاتمة المحن الهابطة عليهم فقد حلّت بعد إعلان حركة الشباب المجاهدين في مقديشو أنها «لن تقف متفرجة أمام اعتداءات النظام اليمني المستمرة على أفراد جماعة القاعدة المرابطين في جبال أبين وما حولها»، بحسب ما ورد في موقع «شبكة أنا المسلم للحوار الإسلامي»، وأنها سترسل مقاتلين لنصرتهم. وهو ما دفع السلطات اليمنية لأن ترفع درجة جهوزيتها لمواجهة أي طارئ، ومن ضمن ما قامت به إجراءات هدفت الى التضييق على تحركات اللاجئين الصوماليين من الشباب المقيمين على أراضيها، ما أسهم في الحدّ من تنقلاتهم، وأثّر سلباً على معيشتهم.



أطفال الجزائر يهاجرون سرّاً

كشف نائب وزير الخارجية الجزائري المكلف شؤون الجزائريّين في الخارج، حليم بن عطا الله، أمس، أن عائلات جزائرية ترسل أطفالها في قوارب للهجرة السرية «مستغلة حسن تعامل» الدول الأوروبية مع الأطفال، موضحاً أنّ هذه الظاهرة الجديدة في تزايد.
وقال عطا الله، في حديث للإذاعة الجزائرية من العاصمة الألمانية برلين، إنّ جزائريين في إسبانيا نقلوا إليه شهادات عن «كثير من الأولياء عندنا (في الجزائر) يلجأون الى تصدير أطفالهم في مراكب الحراقة، وهذا شىء مؤسف».
و«الحراقة» مصطلح جزائري يطلق على المهاجرين السريين نحو أوروبا في القوارب الصغيرة.
أما الدولتان اللتان يقصدهما عادةً المهاجرون السريون فهما إيطاليا، انطلاقاً من السواحل الشرقية المتاخمة لتونس، وإسبانيا انطلاقاً من السواحل الغربية على الحدود مع المغرب.
(أ ف ب)