فريق الأكثرية السابقة يفضّل الصمت، عند سؤاله عما يجري في الداخل. أما عمّا يحصل خارج الحدود، وتحديداً في مصر، فيرفع عبارة «passe»، باعتبار أنه ليس من حق أحد إملاء ما على الشعب المصري فعله، أو حتى إبداء رأيه بما فعله المصريون حتى اليوم. تدارك الأكثريون السابقون العقم الذي يحيط به، فعمّم أمس بعضهم على بعض جواباً دبلوماسياً يواجهون من خلاله الأسئلة المتعلّقة بالانتفاضة الشعبية في مصر واحتمال سقوط النظام فيها.
وتتضمّن هذه الإجابة محورين: أولاً، لا يمكن الحديث عمّا يجري خارج لبنان، نحن نطالب بعدم تدخل الدول وعواصم العالم بالشؤون اللبنانية، وبالتالي لا نريد التدخل بالشؤون المصرية الداخلية. ثانياً، لمن يهلّل و«يطبّل» معلناً سقوط النظام المصري، نرى أنّ تداعيات حدث كهذا ستنعكس على كل المنطقة وعلى كل لبنان، لا لمصلحة طرف معيّن على حساب طرف آخر. ويتبع هذين البندين، تأكيد ضرورة استقرار الساحة المصرية والتذكير بأهمية هذه الدولة العربية، إضافة إلى استعادة بعض عبارات كتب التاريخ مثل: «مصر بوابة العالم العربي إلى أفريقيا، وبوابة أفريقيا إلى العالم العربي».
وفي إطار بعض النقاشات التي تحاول ردعها قيادات 14 آذار بشأن الملف المصري، بادر يوم السبت الماضي أحد كوادر القوات اللبنانية إلى التأكيد أمام القائد القواتي، سمير جعجع، أنّ سقوط حسني مبارك في مصر سيتبعه سقوط معظم الأنظمة الاستبدادية في المنطقة، بما فيها النظام السوري. إلا أنّ رئيس الهيئة التنفيذية في القوات رفض، بحسب أحد الحاضرين في ذاك الاجتماع، هذا الطرح، مؤكداً أنه غير معني بانهيار النظام في سوريا، وأن كل ما يهمّه هو الوضع في لبنان وإبعاده عن التدخلات، عربية كانت أو دولية.
حتى في أحلك الظروف، يحاول فريق 14 آذار التشبّه بواشنطن، فلا يحدّد موقفه تجاه الشارع المصري أو حكم الرئيس حسني مبارك. وإن كان في عمق الأكثريين السابقين تمنيات وتأكيدات ذاتية، بأنّ النظام المصري لن يسقط وأنه سينتقل خطوة إلى الأمام لتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية لأبنائه.
وراء هذه التمنيات، ثمة قراءة أقلية لا تزال تحتفظ بإيجابيتها، تقول: الإدارة الأميركية برئاسة باراك أوباما تعيد تنظيم نفوذها في المنطقة، وتقوم ببعض الخطوات الجذرية لناحية تحويل عدد من الدول الحليفة لها، إلى واحات من الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان. فتعطي بذلك نماذج حقيقية للمشروع الأميركي في الشرق الأوسط، الأمر الذي سيقوي هذا المشروع.
ويذهب عدد من الأكثريين السابقين إلى ما هو أبعد من ذلك، فيتحدثون بكل ثقة عن أنّ ما يحصل في شوارع القاهرة اليوم هو امتداد لثورة الأرز في لبنان، رغم أنّ مقرّ رئاسة الجمهورية المصرية ومكتب رئيس الاستخبارات العسكرية فيها، كانا يمثّلان شبه محجّتين لأقطاب 14 آذار وشخصياته، منذ انطلاق هذا التجمّع عام 2005، مع اعتبار عدد من قياديي الأكثرية السابقة أنّ مصر كانت من حلف «14 آذار العربية».
في هذا الإطار، يتحدث منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار، فارس سعيد، عن قراءة شخصية لما يجري في القاهرة. يؤكد سعادته بما يقوم به الشعب المصري، مشدداً على حق الشعوب في تقرير مصيرها. وعن التخوّف من انعكاس سقوط مبارك على الساحة اللبنانية والتراجع الإضافي للمشروع الأميركي، يؤكد سعيد أنّ انهيار النظام المصري سينتج إما سلطة مدنية أو إسلامية (الإخوان المسلمون)، وفي كلتا الحالتين لن يغيّر المدنيون المسار السياسي السابق، ولن يذهب الإسلاميون في اتجاه دعم إيران. فيبدي ارتياحه لناحية التغيير الذي قد يحصل في مصر، مع التشديد على ضرورة المحافظة على الاستقرار. كذلك يرى أنّ على اللبنانيين النظر بعين إيجابية إلى هذا الحدث، وترك العين الأخرى على الهدوء والاستقرار. والأهم، تأكيد سعيد أنّ «انهيار العالم العربي القديم سيدفع إلى تغيير في العالم الإسرائيلي القديم»، بما معناه تغيير المنطق الإسرائيلي في التعامل مع العرب وقضيتهم ومطالبهم وحقوقهم وأن تل أبيب ستتخلى عن موقعها المتقوقع.
في الخلاصة، قال النائب وليد جنبلاط أمس إنه «لا مناص للرئيس حسني مبارك من أن يسمع مطالب الشعب وأن يرحل بهدوء مع رموز نظامه». وبالتالي، لمعرفة الموقف الحقيقي لقوى الأكثرية السابقة، يجب عكس هذه الجملة.