قرار الاتحاد الأوروبي بشأن وسم منتجات المستوطنات الإسرائيلية في الضفة والقدس المحتلتين، ليس إلا قرار علاقات عامة لا يرقى إلى حد توصيفه بقرار أوروبي بمقاطعة الشركات والمصانع الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة. يعود ذلك إلى عوامل وأسباب عدة، هي بطبيعتها قادرة على إلغاء وتفريغ القرار الأوروبي من مضمونه، وألا يغدو كونه قراراً لا يساوي الحبر الذي عبّر عنه.
صحيح أن عدداً من المنظرين الأوروبيين، ومنهم مسؤولون في الاتحاد والدول الأوروبية، يتعاملون مع قرار وسم منتجات المستوطنات كأنه «فتح عظيم» وإشارة دعم غير مسبوقة للقضية الفلسطينية، ويوازيه رد فعل تل أبيب الرسمي، التي كادت تندب اقتصادها والخسائر الهائلة التي تلحق بها، لكن الأرقام والمعطيات لا تشير إلى ضرر حقيقي على الاقتصاد الإسرائيلي، بل حتى اقتصاد المستوطنات، على فرض القدرة على فصل الاقتصادين، بعضهما عن بعض.
فوفق معطيات «اتحاد الصناعيين الإسرائيليين» يعمل في الضفة أكثر من 600 شركة ومصنع إسرائيلي، ومن بينها شركات تصدير ضخمة للخارج، مع التشديد على أن حجم التصدير الكلي لمصانع وشركات المستوطنات إلى دول الاتحاد الأوروبي لا يتجاوز 400 مليون دولار أميركي سنوياً، أي ما يوازي 2.6% من مجمل الصادرات الإسرائيلية لأوروبا التي تبلغ 15 مليار دولار سنوياً، الأمر الذي يظهر أن حجم الضرر على الاقتصاد الإسرائيلي يكاد يكون معدوماً، علماً بأن معظم المنتجات الصادرة عن المستوطنات تباع في السوق الإسرائيلية نفسها، وتحديداً ما يتعلق بالسلع الغذائية والمعلبات وغيرها.
إضافة إلى ذلك، قرار وسم البضائع الإسرائيلية المنتجة في المستوطنات، يعني فقط وضع علامات أو إشارة إلى أن مصدر التصنيع هو المستوطنات في الأراضي الفلسطينية، ونقطة على السطر. أي أنه لا مقاطعة فعلية للمنتجات ولا رفض للبيع والشراء، ويترك للمستهلك وحده القرار، هل يريد فعلاً شراء المنتج أم الانتقال إلى غيره؟ مع الإشارة إلى أن الاهتمام الأساسي لدى المستهلك هو سعر المنتج، في الأعم الأغلب، ولا يهتم كثيراً بمصدره ما دام يحظى بمصادقة أوروبية، وفقاً للمعايير المتبعة للمنتجات في أوروبا.
في الوقت نفسه، تشير المعطيات الصادرة عن «اتحاد الصناعيين الإسرائيليين» إلى أن غالبية الشركات والمصانع الكبرى في المستوطنات، هي في الأساس مخصصة لإنتاج القطع الصناعية وقطع الغيار للمركبات والآلات الصناعية، وتحديداً هي التي تصدر إلى أوروبا. وهذه الشركات لا تعرض منتجاتها في السوبر ماركت أو الحوانيت الأوروبية، إلا عدد قليل منها.
وتشير المعطيات، أيضاً، إلى وجود شركة استيطانية لا تعنى بالصناعات الكبيرة، وتكاد تكون وحيدة، هي شركة «اهباه»، تصنع مستحضرات تجميل من مياه البحر الميت، وهي مشهورة جداً في أوروبا، ولكن شهرة الشركة وجودة منتجاتها تدفعان المستهلك الأوروبي إلى قلة الاعتناء بمكان تصنيعها، ومواصلة شراء منتجاتها كالمعتاد.