تونس - أعلنت قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابية الأعرق والأقوى في تونس، تشكيل الوفد الذي سيتفاوض مع الحكومة بشأن جملة من القضايا، أبرزها «رابطات حماية الثورة»، التي يطالب الاتحاد بحلها، في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة تعليق نشاط «رابطة حماية الثورة» بتطاوين (جنوب) على خلفية تورطها في مقتل لطفي نقض، المسؤول في حركة نداء تونس المعارضة للحكومة.
مطالبة «الاتحاد العام التونسي للشغل» بحل رابطات حماية الثورة جاءت بعد الاعتداء الذي تعرض له المقر المركزي للاتحاد وعدد من قياداته يوم ٤ كانون الأول في الذكرى الستين لاغتيال الزعيم فرحات حشاد. وقد هاجمت يومها مجموعة كبيرة من «رابطات حماية الثورة» مقر الاتحاد وضريح الزعيم حشاد واعتدت على عدد من النقابيين. هذا الاعتداء يأتي في سلسلة من حلقات العنف، التي تكررت في مدينة جربة، عندما هاجمت مجموعات رابطات «حماية الثورة» اجتماعاً لحزب «نداء تونس»، واعتدت كذلك على اجتماعات أخرى لنفس الحزب في مناطق مختلفة من البلاد، والشعار دائماً «حماية الثورة».
وأجمعت كل الأحزاب السياسية، باستثناء حركة النهضة وحليفيها حزب المؤتمر وحركة وفاء المنشقة عنه، على إدانة هذه الرابطة. ورأى زعماء الأحزاب السياسية أن هذه المجموعات لا علاقة لها بالثورة، وهي مجموعة من الميليشيات التي شكلتها حركة النهضة بعد ٢٣ تشرين الثاني ٢٠١١ لإرهاب معارضيها ومنعهم من العمل السياسي. وقد ساند الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وكذلك عدد كبير من أبرز أساتذة القانون، المطالب بحل هذه الرابطات التي لا تملك أي صفة للدفاع عن الثورة. ورأوا أن المجلس الوطني التأسيسي ورئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة هي المؤسسات الشرعية المنبثقة من الانتخابات، وبالتالي لا يحق لأحد أن يتحدث عن حماية الثورة بالعضلات المفتولة والعصي والسكاكين، على غرار ما تفعله الرابطات.
مطلب حل هذه الرابطات تعارضه حركة «النهضة» بشدّة، إذ رأى زعيمها راشد الغنوشي أنها «ضمير الثورة»، حسب تعبيره. وعارض حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية»، شريك النهضة في الحكم، حل هذه الرابطات. ودافع الأمين العالم للمؤتمر، محمد عبو، عن حقها في الوجود كمدافع عن اهداف الثورة، شرط التزام عدم استعمال العنف.
وكانت هذه الرابطات قد تشكلت في البداية باسم «لجان حماية الثورة» في الايام الأولى لانهيار النظام. وقد فتح الاتحاد العام التونسي للشغل مقاره لهذه اللجان التي تشكلت في كل الجهات وأدت دوراً في حماية الممتلكات العامة والخاصة والمساهمة في الحياة اليومية بعد تعطل مؤسسات الدولة وغياب الأمن. وكانت في البداية تجمع بين كل القوى السياسية من اليسار الى القوميين والإسلاميين، وأيضاً النقابيين والناشطين السياسيين والحقوقيين. لكن هذه اللجان حُلَّت عملياً مع انتخابات تشرين الأول من العام الماضي. الا ان حركة النهضة، بعد انسحاب كل القوى السياسية، سيطرت على هذه الهياكل وأعادت صياغتها بتأسيس جمعية حاصلة على تأشيرة العمل القانوني فتحت فروعاً لها في الجهات.
وتتهم القوى السياسية حركة النهضة بالوقوف وراء هذه الرابطات بتمويلها المالي واللوجستي، وهو ما ينفيه الناشطون في إطارها، الذين يرددون انهم مستقلون ويعملون من اجل الضغط على الحكومة حتى تحاسب المتورطين في الفساد، والحؤول دون عودة رموز النظام السابق إلى الحياة السياسية. الا ان القوى السياسية جميعها تؤكد ان هذه الرابطات تضم عناصر من حركة النهضة ومتورطين في قضايا حق عام ومنحرفين وبعض عناصر ميليشيات النظام السابق والحزب المنحل. ويبدو ان سنة ٢٠١٣ ستكون سنة الحسم في هذا الملف؛ إذ تضغط القوى السياسية معززة بالمنظمات والجمعيات الحقوقية من اجل حلها، باعتبار ان وجودها يتنافى مع شروط الحياة السياسية السليمة. ورأت اغلب الاحزاب السياسية ان هذه الرابطات تؤسس للعنف وستؤدي دور «الشرطي» لحساب حركة النهضة في الانتخابات المقبلة. والأكيد ان ملف اغتيال لطفي نقض، الذي تتهم الرابطات بتنفيذه، ستكون له انعكاسات قانونية وسياسية على مستقبل هذه
الرابطات.