القاهرة | رغم أن إقرار الدستور الجديد يعني إلغاء منصب نائب الرئيس، إلا أن استقالة المستشار محمود مكي من منصبه قبل ساعات من إعلان نتيجة الاستفتاء على الدستور جاءت لتزيد من الجدل السياسي المصري حول دلالات الاستقالة التي سبقتها استقالات جماعية لمساعدي الرئيس محمد مرسي من غير المنتمين إلى جماعته. قبيل تأكيد نائب الرئيس لاستقالته، خرج المتحدث باسم الرئاسة ياسر علي ليعلن أن «ما تردد عن استقالة نائب الرئيس المستشار محمود مكي عار تماماً من الصحة»، لكن نشر نائب رئيس الجمهورية نص استقالته لم يدع مجالاً للشك. وحرص مكي على تبرئة ساحته من الإعلان الدستوري، الذي أصدره مرسي الشهر الماضي، بتأكيده أنه تقدم باستقالته من قبل صدور الإعلان. وجاء في بيان مكي «تقدمت في 7/11/2012 باستقالتي إلى السيد رئيس الجمهورية، وحالت دون قبولها وإعلانها ظروف الانشغال بما جرى من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، ثم بمؤتمر قمة الدول الثماني الذي انعقد في باكستان وكلفت بتمثيل مصر فيه». وأضاف «عدت إلى الوطن يوم الجمعة الموافق 23/11/2012، فوجدت الإعلان الدستوري قد صدر ومن بعده قانون حماية الثورة وعدة تعديلات على قوانين قائمة، وتداعت بسبب ذلك مواقف عديدة كان عليّ فيها أداء واجبي الوطني في المساعدة على صدور الإعلان الدستورى الجديد الذي ألغى إعلان 22/11/2012، وفي إدارة الحوار الوطني، وفي التواصل مع قيادات التيارات السياسية المختلفة لإزالة حالة الاستقطاب السياسية الحادة وتجنيب الوطن فتنة واقعة».
وعلى عكس ما توقع الكثير من المراقبين من أن استقالة مكي نابعة من رفضه لتزوير إرادة الناخبين لتمرير الدستور، برر نائب الرئيس استقالته بالقول «أدركت منذ فترة أن طبيعة العمل السياسي لا تناسب تكويني المهني كقاضٍ». وتجاهل الحديث عن حصار المحكمة الدستورية العليا ومنع قضاتها من ممارسة عملهم، فيما لمح في ختام استقالته إلى استعداده لتولي مناصب سياسية أخرى. وتحدث عن استمراره «جندياً متطوعاً، ومتأهباً دائماً، في الصف الوطني». ولم يفوت مكي الفرصة للتأكيد على نزاهة الاستفتاء.
في غضون ذلك، أحدثت استقالة مكي جدلاً سياسياً، ولا سيما بسبب تزامنها مع أنباء تم تكذيبها عن استقالة محافظ البنك المركزي فاروق العقدة. البعض اعتبر استقالة مكي خطوة استباقية تؤكد على انتهاء نتيجة الاستفتاء بإقرار دستور الإخوان، وهناك ممن اعتبرها خطوة من مكي للحفاظ على ما تبقى له من رصيد عند غالبية المصريين الذين كانوا يضعونه ضمن رموز النضال الوطني في عهد النظام السابق منذ أن كان على رأس تيار الاستقلال. واعتبر وكيل مؤسسي الحزب الاشتراكي المصري، أحمد بهاء الدين شعبان، أن «مكي أنقذ نفسه في اللحظة الأخيرة، وإن كان لن ينجو تماماً مما لحق بتاريخه من وصمة بسبب مشاركته في واحد من الدساتير التي ستسبب كوارث كبرى لمصر».
من جهته، اعتبر نائب رئيس محكمة النقض المستشار، محمد الأسيوطي، أن استقالة مكي مقدمة لتوليه عدة مناصب رفيعة، قد يكون من بينها منصب النائب العام، وخصوصاً أن نائب الرئيس المستقيل يحتاج إلى 12 عاماً قبل أن يصل إلى سن التقاعد المحدد للقضاة بـ 70 عاماً.
لكن الأسيوطي حذر من أنه «إذا كان مكي قد تقدم باستقالته ليتم تعيينه في منصب النائب العام، بدلاً من المستشار طلعت إبراهيم المستقيل، فيجب أن يعرف أن رجال القضاء لن يقبلوا بذلك».
أما قيادات جماعة الإخوان المسلمين فلم ينكروا أن استقالة نائب الرئيس جاءت كتسليم منه بإقرار الدستور الذي أعدته تأسيسية الإخوان. واعتبر القيادي الإخواني محمد البلتاجي، أنه «حين يبادر نائب رئيس الجمهورية باستقالته دون انتظار إعلان نتيجة اﻻستفتاء، أظن أننا أمام مصر جديدة رغم كل التهديدات واﻻرتباكات».