قصة الانشقاق الذي حدث داخل الجسم العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القيادة العامة، في مخيّم اليرموك، هي اليوم مادة سجال داخل الساحة الفلسطينية.
قبل سقوط المخيّم بلحظات، كانت القيادة العامة تقود اللجان الشعبية الموكلة بحماية «معادلة تحييده» عن الصراع الداخلي السوري. وشكّل عناصر القيادة العامة، داخل اللجان الشعبية المسلحة في اليرموك، والتي بلغ عديدها نحو ٧٠٠ مقاتل، النواة الصلبة لقوامها المؤلف من كوكتيل فلسطيني، ما عدا حركة حماس.
مساء يوم ١٩ الجاري، فوجئ حراس مركز الخالصة، المقر الرئيس للقيادة العامة في اليرموك، بهجوم شنّه الجيش الحر انطلاقاً من منطقة التضامن وحي الحجر الأسود الملاصقين. وأدى زخم الخطة الهجومية، التي اختبأت في ثناياها مفاجآت عدة امتازت بعنصر المباغتة، إلى انهيار حامية الخالصة، فتجاوزها مسلحو الجيش الحر إلى داخل المخيم. وفي الوقت نفسه، كان المخيّم يشهد مفاجأة انشقاقات تحصل داخل الجسم العسكري للقيادة العامة، وشمل قوام اللجان الشعبية، إضافة إلى بروز مجموعات مسلحة موالية للحراك السوري داخل المخيّم.
ليست هذه المرة الأولى التي يتعرّض فيها مركز الخالصة لعملية اقتحام. قبل عامين، وبعد واقعة يوم العودة التي أدّت إلى مقتل عشرة فلسطينيين نتيجة محاولتهم تجاوز الخط الحدودي، وأثناء التشييع، جرى تثمير المناسبة من قبل «أجواء سلفية» في المخيّم، للتحريض على القوى الفلسطينية الحليفة للنظام السوري، بدعوى أنّ هؤلاء وظّفوا الدم الفلسطيني لأهداف ليست على صلة بمعركة العودة. حينها، حاصر نحو ألفي فلسطيني من أبناء اليرموك مركز الخالصة، ويقال إنّ أحمد جبريل كان بين المحاصرين، وجرى في نهاية مطاف هذه المواجهة إحراقه.
وشكّلت هذه الواقعة أول المؤشرات الدالة على وجود حراك فلسطيني في اليرموك ضد الفصائل المتحالفة مع النظام السوري. وخلال شهر رمضان الماضي، جرت محاولة مبكرة لاستدراك انزلاق المخيم في الصراع السوري الداخلي. آنذاك، ذهب وفد من تجار المخيّم إلى قائد شرطة دمشق، وطالبوه بأن يسيّر دوريات على نفقتهم الخاصة لحماية المخيم. في مساء ذلك اليوم، ومع حلول موعد الإفطار، هاجم مسلحون ملثّمون مركزاً للشرطة السورية في المنطقة، وأجهزوا على كلّ عناصره.
وفي واقعة مساء يوم ١٩ الماضي، حدث الهجوم على مركز الخالصة التابع للقيادة العامة، بغية جعل المخيم «جزءاً من شريط جنوب دمشق المحرر». وكانت الفكرة هي استبدال داريا، التي نجح الجيش في السيطرة عليها، باليرموك كملاذ آمن للحراك العسكري في جنوب دمشق.
تتكاثر الروايات بشأن حقيقة ما حصل داخل القيادة العامة في المخيم ليل ١٩ من الجاري. مصادر الجبهة الشعبية تتحدث عن انشقاق عشرة عناصر فقط منها، وتقول إنّ العدد الأكبر من المنشقين هم أعضاء جسم ميليشياوي مناصر لها، يقدّرون بنحو مئة عنصر، ويقولون إنّ هؤلاء لم ينشقوا بل رموا أسلحتهم.
وفي كواليس اليرموك يدور همس عن انشقاق ضخم جرى داخل القيادة العامة. والواقع أنّ الرواية الأخيرة تفتقد المستند المادي على أرض الواقع ليؤكدها. فمثلاً يشاع أن الانشقاق داخل الجبهة وصل إلى مخدع أحمد جبريل وبيئته الضيقة جداً، كالقول إنّ إحدى زوجاته مؤيدة للانشقاق تماشياً مع ميولها السلفية. داخل قيادة الجبهة، ينفون هذه المعلومة، ويؤكدون أنّ زوجات جبريل يظهرن في لباسهن المحتشم، كتعبير عن التزامهن بهويتهن الإسلامية وتقيّدهن بتعاليم الدين فقط. يشاع أيضاً أن ابن أخت أحمد جبريل، المتزوجة من ابنة عضو اللجنة المركزية السابق للجبهة الشعبية _ القيادة العامة فضل شرورو، هو الذي قاد الانشقاق الأكبر داخل الجبهة في المخيم، وأنّ عدد المنشقين الذين ساروا وراءه بلغ مئة عنصر. تنفي مصادر الجبهة ذلك، وتقول إنّ نجل شرورو لديه مهمات إعلامية في الجبهة وليست عسكرية، وإن وقته مستنزف في عمله الخاص كمدير للبنك الإسلامي في سوريا. وتقلّل مصادر القيادة العامة من أهمية ما خسرته من مواقع في الآونة الأخيرة، فتقول إنّ مقر الخالصة ليس موقعاً عسكرياً بل مركز خدماتي، في حين أنّ مقر عين الصاحب، الذي يعتبر أهم مركز عسكري للجبهة في سوريا، لا يزال في قبضتها. في المقابل أخلت الجبهة قاعدة الريحان العسكرية الواقعة قرب سجن عدرا، قبل أسابيع من سيطرة الجيش الحر عليها، وذلك وفق خطة مسبقة لإعادة تموضعها عسكرياً في سوريا. وتعترف الجبهة بأنّ الأحداث السورية أصابتها بخسائر جسيمة، أبرزها مقتل مسؤولها العسكري العام في لبنان، أبو النوارس، خلال آخر مواجهة في اليرموك. وهو عميد ركن تخرّج في الكلية العسكرية الليبية، ويعتبر أحد أبرز مهندسي عمليات تهريب السلاح إلى غزة. كذلك أصيب في مواجهة ليل ١٩ الماضي أبو راتب، مسؤول الجبهة الأمني في لبنان.