في سيناريو مشابه لما حصل العام الماضي مع نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، انفجرت أمس أزمة جديدة في العراق على خلفية اعتقال أفراد حماية وزير المال رافع العيساوي، ما يهدد بأزمة سياسية حادة تضاف إلى سلسلة الأزمات التي تعصف بالبلاد. واتهم رئيس الحكومةالعراقية نوري المالكي، أمس، بعض السياسيين بافتعال الأزمات عند أي إجراء يتخذ، قضائياً كان أو غير قضائي، في وقت اتهمته كتلة «القائمة العراقية» بشن حملة سياسية قمعية. وشدد المالكي، في بيان صدر عن مكتبه، على أن «بعض السياسيين اعتاد افتعال الأزمات السياسية عند أي إجراء يتخذ، قضائياً كان أو غير قضائي»، مبيّناً أنه «استناداً إلى أوامر قضائية صادرة من القضاء العراقي، قامت قوة من الشرطة بواجبها باعتقال عشرة أشخاص من حماية وزير المال رافع العيساوي بعد التدقيق في هوياتهم، وهم الآن في عهدة القضاء». وحذر من «محاولات البعض العزف على الوتر الطائفي البغيض لتحقيق أهداف سياسية أو شخصية واللجوء إلى هذه النبرة المقيتة كلما اتخذ إجراء أو حصل أمر لا يروقهم»، مؤكداً أن «الشعب العراقي ذاق مرارة هذه الفتنة ودفع ثمنها غالياً، ولا يمكن أن يعود إليها».
وأعرب المالكي عن استغرابه «من ربط قضية المعتقلين بالخلافات السياسية ومحاولة جر البلد بأجمعه نحو الفتنة الطائفية»، معتبراً أن «تسمية مؤسسات الدولة وقوى الأمن والشرطة والجيش الذين قدموا أرواحهم من أجل أن ينعم جميع العراقيين بالأمن والاستقرار باسم الميليشيات لا يليق بمن يحتل موقعاً كبيراً في الدولة». ولفت المالكي إلى أن «العراق بلد الجميع ولا مجال فيه لطغيان جانب على جانب أو طائفة أو قومية على أخرى»، داعياً الجميع إلى «الكف عن كل نداء أو صوت يؤدي إلى التفريط بوحدة هذا البلد العظيم الذي هو أمانة الأجيال بأيدينا جميعاً».
في المقابل، شدد زعماء كتلة «القائمة العراقية» في بيان، في إشارة إلى قضية رافع العيساوي، على أن هذا يؤكد أن هناك استهدافاً ممنهجاً للرموز والزعماء السنّة المشاركين في العملية السياسية.
كذلك دعا القيادي في القائمة العراقية صالح المطلك أعضاء القائمة إلى الانسحاب من مجلس النواب والحكومة والعملية السياسية إذا لم يُشركوا في التحقيقات في قضية أفراد حماية وزير المال رافع العيساوي. وقال المطلك في حديث إلى موقع «السومرية نيوز»، إن «العراق أصبح بلد الأزمات والشعب وحده من يعاني منها»، معتبراً أن «ما حصل يوم أمس من دهم لمكتب وزير المال رافع العيساوي واعتقال حمايته يمثل غاية الفوضى واللااحترام للقانون ولهيبة الدولة وسيادتها». وأعرب نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات عن استغرابه من «عدم علم قائد القوات المسلحة ووزير الداخلية بعمليات الاعتقال»، مؤكداً أن «الوقت حان لمراجعة شاملة للعملية السياسية والأمنية وعدم جر البلد من أزمة إلى أزمة». وأكد أن «العراقية لديها شكوك في المحققين ولدينا شكوك في قسم من زوايا القضاء»، داعياً الحكومة إلى «الاستجابة لمبادرته التي تتضمن إشراك أعضاء مجلس النواب والهيئات السياسية، والعراقية كقائمة في مقدمتها، للإشراف على سير الإجراءات الحقيقية بحق من اعتقل من أفراد حماية العيساوي».
من جهته، أكد الوزير رافع العيساوي أن نواب البرلمان سيسعون إلى سحب الثقة من المالكي.
بدورها، شددت المتحدثة باسم السفارة الاميركية في العراق على أن «أي أعمال من أي جانب تنتهك سيادة القانون أو تذكي التوترات الطائفية والعرقية تهدد بتقويض التقدم الملحوظ الذي حققه العراق على طريق السلام والاستقرار».
وفي الإطار عينه، أكد المتحدث باسم مجلس القضاء الاعلى، عبد الستار البيرقدار، اعتقال عدد من أفراد حماية وزير المال رافع العيساوي بأوامر قضائية ووفق المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب. وقال القاضي البيرقدار إن «الذين ألقي القبض عليهم هم تسعة أشخاص فقط» من أفراد حماية الوزير، مضيفاً أن «جميعهم أوقفوا ضمن المادة أربعة إرهاب، وقد ألقي القبض عليهم بأوامر قضائية». وأوضح أن من بين الذين أوقفوا آمر فوج حماية العيساوي، وقد نقل تلفزيون «العراقية» الحكومي عن البيرقدار قوله إن آمر الفوج «اعترف أثناء التحقيق معه بقيامه بأعمال إرهابية» تشمل «التفجيرات والاغتيالات».
واحتجاجاً على الاعتقالات، خرجت تظاهرات مناهضة لرئيس الحكومة في عدة مناطق في العراق عقب صلاة الجمعة في الرمادي، كما نظّمت تظاهرات أخرى مؤيدة للعيساوي في سامراء وتكريت والفلوجة.
ورفع المتظاهرون لافتات مناهضة للمالكي كتب عليها «إذا لم تكفّ الحكومة عن استهداف السياسيين السنّة فسوف نعلن إقليم السنّة»، وردووا هتافات معادية له أيضاً بينها: «يا نوري شيل إيدك (اسحب يدك) هذا الشعب ما يريدك». وقال النائب المنتمي إلى «العراقية» أحمد العلواني أمام المتظاهرين «إذا لم يكفّ المالكي عن هذه الانتهاكات، فإن مصيره سيكون كمصير الرئيس السوري بشار الأسد».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)