الخرطوم | رغم مضي قرابة الشهر على إعلان السلطات السودانية إحباطها للمحاولة الانقلابية على النظام القائم في الخرطوم، ورغم إلقاء القبض فوراً على المخططين لتلك المحاولة، الاّ أنه وحتى الآن لم يعلن عن محاكمة الموقوفين. كما لم تعرض على الرأي العام الأدلة والبراهين التي بموجبها تم اعتقال مدبري المحاولة الانقلابية، وعلى رأسهم رئيس جهاز الأمن السابق صلاح قوش وعدد من المنتسبين للقوات المسلحة، وذلك على عكس السرعة التي كانت تحسم بها الحكومة ملفات المحاولات الانقلابية السابقة. وهو ما يشي بأن الجهات الرسمية لم تكتمل لديها بعد أدلة ودائرة الاتهام، وخصوصاً أن حملة الاعتقالات لا تزال حتى الآن مستمرة بصورة يومية. وهو ما يشير إلى أن خلية الضالعين آخذة في الاتساع شيئاً فشيئاً.
وأكد مصدر مطلع على سير التحقيقات لـ«الأخبار» أن الجهات المسؤولة عن التحقيق فشلت في نزع اعترافات من المتهم الرئيسي في المحاولة، الفريق صلاح قوش، الذي لم يدلِ بأي أقوال حتى الآن. ويبدو أن السلطات لجأت الى سياسة جمع التفاصيل التي يحجبها قوش من المقربين منه، حيث قامت حملة اعتقالات واسعة طالت عدد من اصدقاء رجل الاستخبارات القوي سواء كان في مجال العمل أو في مجال التجارة. وتم اعتقال مدير مكتب صلاح قوش حينما كان مديراً لجهاز الأمن وسائقه الخاص. كما تم التحقيق مع شركائه في مجال أعماله الاستثمارية، ورشحت أنباء عن اخضاع شخصية اقتصادية بارزة للتحقيق بسبب أزمة الوقود التي شهدتها البلاد مؤخراً بالإضافة الى علاقتها مع الفريق قوش. وحسب المصدر فإن عمليات مداهمة تمت لمنزل الأخير من قبل اجهزة الاستخبارات بصورة متكررة كان الهدف منها البحث عن مبالغ نقدية أجنبية قدرت بنحو 20 مليون دولار. وهو ذات الغرض الذي تمت من أجله عمليات بحث دقيق للمزرعة الخاصة بقوش.
وساد اعتقاد واسع في الايام الماضية بأن أزمة الوقود التي عانت منها البلاد كانت نتيجة لاحتكار شركات تتبع لرئيس جهاز الأمن السابق والمعتقل حالياً، ولا سيما أن قوش يتملك رأس مال كبيراً ولديه حركة تجارية واسعه شملت دول الجوار، إذ يمتلك مكاتب تجارية في العاصمة الاثيوبية أديس أبابا والقاهرة وانجمينا، بالإضافة الى دبي. ووفق مصادر مطلعة تحدثت لـ«الأخبار»، فإن هناك علاقة وثيقة تربط قوش بقائد عام شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان. وحسب المصدر، فإن خلفان تجمعه شراكة تجارية وقوش.
وحسب التسريبات أيضاً، فإن المعتقل الثاني في المحاولة الانقلابية العميد محمد إبراهيم المعروف باسم ود إبراهيم، طلب لقاء الرئيس البشير. وهناك حديث عن أن اعترافات معظم العساكر الموقوفين كانت تدور في إطار أن المحاولة كانت تصحيحية وأن الغرض الاساسي منها كان الإصلاح. كذلك يدور حديث عن أن التوتر ساد عملية تنوير كبار القادة السودانيين باعترافات الموقوفين من قبل الجهات المختصة، في حين أعد أهالي المعتقلين مذكرة لتسليمها للقيادة السودانية لكن السلطات الأمنية منعتهم من إيصالها.
وفيما يستمر الجدل حول المحاولة الانقلابية، هناك حديث عن محاولات للملمة الملف واخضاع المتهمين الى محاكمات حتى لا يحدث تصدع في جسم الحكومة مرة أخرى، وخصوصاً في ظل وجود حركة بلبلة وسط الجيش السوداني. وبالتزامن، لا تزال المجموعات الجهادية (ممن شاركوا في العمليات العسكرية في الجنوب أثناء الحرب الأهلية) تطالب بإطلاق سراح المعتقلين وعلى رأسهم ود إبراهيم، ولا سيما أن أغلب المجاهدين الذين شاركوا في تحرير هجليج مؤخراً أصبح رهن الاعتقال. ولا يعد الوضع في اوساط منسوبي جهاز الامن أفضل، حيث تسود حالة من التوجس والشك بعد توقيف أعداد من افراد الجهاز. وبدا أن الأمور تسير في اتجاه تصفية الحسابات أكثر من أن تكون اثبات تورط أحد بأدلة ملموسة.
ووسط هذا كله، برزت الأصوات المنادية وسط المجموعة التي تعرف باسم السائحين (مجموعة من شباب الحركة الإسلامية) بأهمية عقد لقاء جامع لكل منسوبي المجموعة نهاية الشهر الحالي، وهو اللقاء الذي تأجل عدة مرات، ما جعل بعض أفراد المجموعة يشعرون بالقلق. وبرزت مبادرة السائحين كما يعرفها منسوبوها، بوصفها تعبيراً عن حالة اعتراض في أوساط شباب الحركة الإسلامية نتيجة تراجع مشروع الحركة الإسلامية، الذي أتت من أجله حكومة الانقاذ قبل ثلاثة عقود ونيف. وسبق أن عبرت المجموعة عن عدم الرضا عن الاوضاع في البلاد، لكنها حرصت على الخروج بمظهر الإصلاح لا المعارضة.