رغم الإصرار الإسرائيلي على مواصلة الهجمة الاستيطانية، ذكرت صحيفة «معاريف»، أمس، أنّ وزارة الخارجية الإسرائيلية يساورها القلق من تقرير جديد يعدّه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ينتقد سياسة الاستيطان الإسرائيلية، والذي من المفترض نشره شهر آذار المقبل، في موقف يذكر بتجربة تقرير غولدستون، الذي أدان إسرائيل على جرائمها في عدوانها مطلع العام 2009، على قطاع غزة. وفي الوقت الذي لم تظهر فيه، حتى الآن، أي مفاعيل تساهم في كبح القرارات الاستيطانية، أكدت «معاريف» أن الجهات الإسرائيلية تتوقع أن يكون التقرير شديد اللهجة وصولاً إلى إمكانية اتخاذ خطوات عقابية ضدّ إسرائيل، في ضوء القرارات الحكومية الأخيرة بالبناء في منطقة «أي ـ1»، وباقي المستوطنات في الأراضي المحتلة.
وأضافت الصحيفة أن جهات مسؤولة رفيعة المستوى في الخارجية الإسرائيلية، خلصت في مداولات مُكثَّفة أجرتها أخيراً، إلى نتائج وتداعيات مختلفة لمثل هذا التقرير، بينها تبنّي مجلس الأمن الدولي لهذا التقرير، وأيضاً إقرار عقوبات ضدّ إسرائيل أو بناء آليات لمراقبة البناء في الأراضي الفلسطينية المحتلة، اضافة إلى إمكانية التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية، وطلب رأي قانوني حول هذا البناء. ولفتت «معاريف» إلى أن مجلس حقوق الإنسان أعلن عن تشكيل لجنة تحقيق دولية في آذار 2011، لفحص «تداعيات البناء الإسرائيلي في المستوطنات على الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلة. وقد فشلت جهود إسرائيل والولايات المتحدة بإلغاء هذا القرار مما دعا وزير الخارجية الإسرائيلية، أفيغدور ليبرمان إلى قطع علاقات إسرائيل بمجلس حقوق الإنسان الدولي». وكانت إسرائيل قد خاضت تجربة سابقة مع مجلس حقوق الإنسان في أعقاب عملية الرصاص المسكوب في قطاع غزة (2008 ــ 2009)، حيث ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي مجازر كبيرة بحق المدنيين الفلسطينيين، تركت تداعيات على صانع القرار السياسي في تل أبيب، في أعقاب تقرير رئيس لجنة متفرعة عن مجلس حقوق الانسان، ريتشارد غولدستون، بالرغم من أنه نشر مقالاً في مرحلة لاحقة تراجع فيه عن اتهاماته لاسرائيل، بل وادّعى بأنّ المجلس منحاز ضدّ إسرائيل. مع الاشارة إلى أنّ المجلس أصدر 39 قراراً من أصل 91 قراراً معنياً بإسرائيل. وبحسب «معاريف»، يتخوفون في إسرائيل من أن يشكّل التقرير هذه المرّة، منطلقاً لخطوات شديدة دون أن تحظى باعتراض أصدقاء إسرائيل في العالم خلافاً لتجنّد الادارة الأميركية ضدّ تقرير غولدستون. ونقلت الصحيفة أيضاً عن أوساط وزارة الداخلية قلقها من أنّ الغضب في الإدارة الأميركية ودول هامة في أوروبا كألمانيا من إعلان إسرائيل عن التوسع المكثف للبناء في المستوطنات، سيُبقي إسرائيل منعزلة في المعركة أمام آثار التقرير، ويمس بشدّة بمكانة إسرائيل الدولية.
وأعلن الاتحاد الاوروبي، أمس، أنه يعارض بشدّة مشاريع اسرائيل الأخيرة المثيرة للقلق الشديد، لبناء وحدات استيطانية جديدة في القدس الشرقية. وقالت وزيرة خارجية الاتحاد كاثرين آشتون «اعارض بشدة هذا التوسيع الاستيطاني حول القدس الذي لا سابق له». وتابعت أن «الاتحاد الاوروبي يعارض بشكل خاص فرض خطط تقوض بشكل خطير آفاق حل متفاوض عليه للنزاع عبر تهديد فرص اقامة دولة فلسطينية قابلة للاستمرار واعلان القدس عاصمة مستقبلية لدولتين».
بدوره، اكد ممثل اللجنة الرباعية الدولية، طوني بلير، أن «المشكلة لاتكمن فقط في بناء هذه المستوطنات بحد ذاتها، بل ايضا في هذه اللحظة التي يصبح استئناف مفاوضات مناسبة وسليمة أمرا حيويا». وأشار الى أن «كل ما تقوم به هذه الإعلانات هو وضع عراقيل جديدة أمام وسائل التقدّم، وتضعف إلى حد كبير إمكانية التوصل الى حل سلمي يقود إلى دولة فلسطينية قابلة للحياة تعيش جنباً الى جنب بأمن وسلام مع دولة اسرائيل». هذه التنديدات تأتي في وقت لا يمر فيه يوم من دون أن تعلن دولة الاحتلال عن خطة استيطانية جديدة، وقد أعلنت أمس، عن خطط جديدة لبناء 523 وحدة سكنية استيطانية في جنوب الضفة الغربية في خطوة أولى لانشاء مستوطنة ضخمة جديدة.
وقال رئيس المجلس الاقليمي لكتلة غوش عتصيون الاستيطانية، ديفيد بيرل «بعد سنوات، يسعدنا ان نعلن ان حكومة اسرائيل وافقت على بناء مدينة في غوش عتصيون»، موضحاً أن وزارة الدفاع الاسرائيلية وافقت على خطط بناء 532 وحدة استيطانية في مستوطنة سيطلق عليها اسم «جفاعوت».
من جهته، أكد المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة أن اسرائيل ستحاسب على جرائم الاستيطان في الاراضي الفلسطينية، مشدداً على أن كل هذه المشاريع الهستيرية «لن يبقى منها حجر واحد في الضفة الغربية والقدس الشرقية». وأكد «كل ما في داخل اراضي دولة فلسطين من مستوطنات غير شرعي وغير قانوني وعلى المستوطنين وحكومة اسرائيل ان يعلموا انهم سيحاسبون على هذه الجرائم». من جهته، قال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات لـ«فرانس برس» «لم يعد امامنا مجال الا دراسة الخيارات المتعلقة بمحاسبة ومساءلة اسرائيل وفق القانون الدولي وقد بدأت هذه الدراسة».