إسطنبول | استضافت الحكومة التركية، يوم الجمعة الماضي، مؤتمراً للتركمان السوريين افتتحه في مدينة اسطنبول رئيس البرلمان جميل شيشاك، ووزير الخارجية أحمد داوود أوغلو الذي أكد التزام تركيا المطلق بالدفاع عن التركمان السوريين بكل الإمكانات والوسائل. وقال داوود أوغلو «إن سوريا الجديدة ستضمن ويجب أن تضمن حقوق التركمان دستورياً وعملياً». في غضون ذلك، استقبل رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وفداً يمثل المشاركين في المؤتمر الذي حضره عدد كبير من التركمان السوريين الذين تسعى أنقرة الى توحيد صفوفهم في جبهة واحدة تقدّم لها كل أنواع الدعم المالي والسياسي والعسكري منذ بداية الأحداث في سوريا، مستغلة وجودهم في المناطق القريبة من الحدود السورية مع تركيا. كما ساهم دعم أنقرة للجيش السوري الحر وجميع مخيماته وكوادره في تركيا في دعم الوجود التركماني داخل هذا الجيش أو خارجه.
وسائل الإعلام التركية أبرزت، من جهتها، بتعليمات من الحكومة، أخبار مؤتمر التركمان في اسطنبول في محاولة منها لكسب ود الشعب التركي للتركمان، وفي محاولة من الحكومة أيضاً لكسب تأييد الشعب التركي لسياساتها في سوريا، على اعتبار أن موضوع التركمان قضية قومية بالنسبة إلى الشعب التركي كما كانت في الماضي.
وبدا أن أنقرة لم تنجح في تحصيل نفوذ أكبر للتركمان الموجودين في العراق، وخصوصاً بعدما فشلت في ضم كركوك لهم، حيث بقيت منذ الاحتلال الأميركي لبلاد الرافدين منطقة متنازعاً عليها بين التركمان والأكراد، فيما اتهم البعض من التركمان الحكومة التركية بخيانة القضية التركمانية، مقابل مصالح سياسية واقتصادية مع رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني.
كذلك، يتهم آخرون من التركمان أنقرة بالعمل السري لحسابات ضيقة داخل صفوف التركمان، وهو ما ساهم في تمزيق وحدة الحركة التركمانية كون نصف التركمان من الشيعة وهم مقربون مذهبياً من إيران، مقابل النصف الآخر من الُسنّة وهم مقربون من تركيا قومياً ومذهبياً.
هذا الخلاف غير موجود بالنسبة إلى تركمان سوريا وعددهم نحو 500 ألف، خلافاً للادعاءات التركية التي تقدر عددهم بنحو 3 ملايين نسمة، وكانوا دائماً يتعاونون مع النظام وليس لديهم أي مشاكل جدية، خلافاً للعرب الموجودين في تركيا وخاصة الموجودين منهم في منطقة هاتاي أي أنطاكيا، ويشكون من عدم معاملة الدولة لهم على نحو متساوٍ مع الآخرين، تارةً لأسباب قومية، وطوراً لأسباب مذهبية، لأن معظمهم من العلويين وهم امتداد للعلويين السوريين.
أما الآخرون في باقي أنحاء تركيا فهم من السُنّة ويعيشون في مدن العزيز وسيرت وأضنة ومرسين وأورفة.
والعرب في هذه المدينة وأطرافها هم امتداد للقبائل العربية الموجودة في سوريا والعراق والأردن، بل حتى السعودية من أمثال النعيم وبني حديد وجيس وشمر وغيره، فيما البعض من عرب ماردين هم من السريان العرب المسيحيين، وآخرون هم امتداد للأشوريين والكلدانيين في العراق، الذي سيكون من دون شك طرفاً في المعادلة التركية التي بدأت تراهن على حقوق التركمان في المنطقة بعدما راهنت على التيار الإسلامي وتنظيمه السياسي «الإخوان المسلمون».
فحكومة أردوغان التي تتجاهل مطالب الأكراد للاعتراف بحقوقهم القومية دستورياً، كما تتجاهل مطالب العلويين للاعتراف بحقوقهم المذهبية في دولة سنية، يبدو أنها مرتاحة، على الأقل الآن، بوضع العرب في تركيا، حيث لا يتحدث أحد منهم الآن عن مثل هذه الحقوق القومية أو المذهبية، باعتبار أن عرب أنطاكيا هم من العلويين.
ومن دون أن يعني ذلك أن تركيا لا ولن تواجه مثل هذه المطالب مع التطورات اللاحقة، إن كان داخلياً أو إقليمياً حيث المفاجآت دائماً موجودة في هذه المنطقة بفعل التدخلات والاستفزازات الخارجية.