القاهرة | لم تكد تمضي ساعات على إصدار نادي مستشاري مجلس الدولة قراره بمقاطعة الإشراف على المرحلة الثانية من الاستفتاء المقرر لها السبت المقبل، حتى جاءت استقالة النائب العام المستشار طلعت عبدالله لتمتص غضب 70 في المئة من قضاة مصر وتعيدهم من جديد للإشراف على الاستفتاء، لتتبدل قواعد اللعبة السياسية من جديد لصالح الرئيس محمد مرسي. تساؤلات عديدة أثيرت عن أسباب استقالة النائب العام وتوقيتها، وما إذا كانت نابعة من مطالبة رجال النيابة العامة الذين احتشد قرابة ألف منهم أول من أمس أمام مكتب عبدالله لمطالبته بالرحيل، أم الأمر هو مناورة سياسية جاءت كرد على مقاطعة عدد كبير من القضاة للإشراف على المرحلة الثانية من الاستفتاء، ولا سيما بعد إصرار الرئيس وحكومته على استمرار حصار المحكمة الدستورية العليا ومنع قضاتها من عقد جلساتها.
النائب العام المستقيل، المستشار طلعت عبدالله، طلب من المجلس الأعلى للقضاء في مصر، مساء أول من أمس، النظر في قبول استقالته وعودته للعمل في القضاء في جلسة الأحد المقبل. وجاء قراره بعد اجتماع طويل بينه وبين وفد من أعضاء النيابة العامة طالبوه بالرحيل اعتراضاً على الطريقة التي جري تعيينه بها وفرض الرئيس مرسي له، وتجاهل القواعد القضائية المتعارف عليها.
وفيما أكد الوفد أن الاعتراض ليس على شخص عبدالله، أفاد عدد ممن حضروا اللقاء أن النائب العام رفض على مدار ساعتين الاستقالة واستخدم لغة التهديد، محذراً الوفد بأن الاعتصام أمام مكتبه ستكون عواقبه وخيمة، ثم بدأ بتخفيف لهجته قائلاً «تمسّكي بالمنصب ليس لشخصي بل من أجل مصلحة البلاد. سأتقدم باستقالتي إذا كانت نتيجة استفتاء الدستور «نعم»، أما إذا جاءت النتيجة «لا»، فيجب أن أبقى في منصبي لأن البلاد ستكون حينها بلا دستور». وهو ما رفضه أعضاء النيابة العامة، وظل إصرار النائب العام على موقفه حتى استأذن من الوفد للخروج من المكتب لبضع دقائق عاد بعدها ليؤكد للوفد أنه سيتقدم باستقالته مكتوبة الى مجلس القضاء الأعلى بتاريخ الأحد المقبل، أي بعد انتهاء المرحلة الثانية من الاستفتاء على الدستور. وهي خطوة أظهرت أن الهدف من الاستقالة التضحية بالنائب العام من أجل إكمال الاستفتاء وإمرار دستور الإخوان. ولعل هذا ما أيّدته تصريحات وزير العدل المستشار أحمد مكي، الذي أكد أن عبدالله سيستمر في منصبه حتى الانتهاء من الاستفتاء على الدستور، بعدما شدد على توافر العدد الكافي من القضاة للإشراف على الجولة الثانية.
من جهته، رأى رئيس المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، ناصر أمين، أن «استقالة النائب العام جاءت لتنقذ الاستفتاء على الدستور من البطلان»، إذ إنها أتت بعد احتجاجات أعضاء النيابة العامة. وأوضح أن الهدف من وراء الاستقالة الدفع بأعضاء النيابة للإشراف على المرحلة الثانية من الاستفتاء بعد انسحاب قضاة مجلس الدولة.
تلك الرؤية أيّدتها أيضاً تصريحات عضو مجلس إدارة نادي مستشاري مجلس الدولة، محمد العواني، الذي أشار إلى أن موقف مستشاري مجلس الدولة الأخير بالمقاطعة سيربك جميع حسابات اللجنة العليا المشرفة على الاستفتاء، ولا سيما أن اللجنة تحتاج إلى 10 آلاف قاض (7 آلاف أصليين و3 آلاف احتياطيين).
إلا أن تصريحات العواني سبقت استقالة النائب العام التي خلفت كأهم آثارها عدول عدد كبير من القضاة العاديين وأعضاء النيابة عن مقاطعة الإشراف على الاستفتاء. وهو ما أكده وكيل نادي قضاة مصر، المستشار عبدالله فتحي، الذي رأى أنه بقرار إقالة النائب العام تكون 95 في المئة من مطالب القضاة قد تحققت، ولا سيما أن القرار هو بمثابة سقوط لجميع مواد الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي في 21 تشرين الثاني الماضي، ولم يبق سوى فك حصار المحكمة الدستورية. وأكد أنه «في حالة فك حصار الدستورية سيعود القضاة للإشراف على الجولة الثانية من الاستفتاء»، معتبراً أن اليوم الذي تقدم فيه النائب العام باستقالته هو بمثابة عيد
للقضاة.
أما رئيس نادي قضاة مصر، المستشار أحمد الزند، الذي تزعم رفض القضاة لإقالة النائب العام المستشار عبد المجيد محمود ولجميع مواد الإعلانين الدستوريين اللذين أصدرهما مرسي في تشرين الثاني وكانون الأول، فقد رأى أن قرار استقالة عبدالله تعني عودة المستشار عبد المجيد محمود الى منصبه.
وطالب مرسي بنزع فتيل الأزمة عن طريق إصدار قرار بإلغاء الآثار المترتبة على الإعلان الدستورى الأخير للمّ شمل جميع المصريين.