«عندما يبتسم المخيم تعبس المدن الكبرى»، ما سبق جملة مجتزأة من «مديح الظل العالي» أجمل قصائد الراحل محمود درويش، لكنها تحوّلت فجأة في اليومين الماضيين إلى شعار يتداوله السوريون الذين كلما غابت شمس نهار على أزمة بلادهم العصيّة على الحل، أوغل الحزن في قلوبهم أكثر، وتملّك الوجع أرواحهم. ولأن الأوطان هي ذاكرة غنيّة ترتبط بالأماكن، فللسوريين ذاكرة برّاقة تنبض بالحياة عن مناطقهم التي يطالها القتل والدمار والتهجير واحدة بعد أخرى.
أخيراً، لحق الخراب بمنطقة يعرفها السوريون جيداً، ويحتفظون لها بالكثير من الصور والأحداث: مخيّم «اليرموك» في دمشق. وبينما كانت تتردد شائعات عن سقوطه بيد «الجيش الحر» وانسحاب القوات النظامية وأخرى تابعة لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـــ القيادة العامة» بعد انشقاق عدد كبير منهم وهروب زعيم الجبهة أحمد جبريل، اشتعل الفايسبوك ليكون مرآة للحدث وتفاعل الناس معه. كان المعلّقون السوريون ينضحون وجعاً، وهم يرفعون الستار عن سيل ذكرياتهم المتدفّقة على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية. هكذا، تشاركوا مع الفلسطينيين ـــ السوريين ليقولوا كلمتهم على الضفة الإنسانية المعافاة من أي تعاطف مع أي من أطراف النزاع، سوى المتضررين والقتلى والمهجرين الذين أخرجتهم النيران إلى وجهة مجهولة. طبعاً، لا يمكن المتصفّح الهائم في العالم الافتراضي أن يتفادى التعليقات التي تنتقد نظاماً «يدّعي الممانعة
والمقاومة لإسرائيل ويقدم على قصف الفلسطينيين!»، في مقابل تعليقات تدين استغلال سكّان المخيّم ـــ من قبل جماعات مشبوهة ـــ وتوريطهم في حروب لا تفيد أحداً. ولفت بعضهم إلى مسألة مهمّة: «في سوريا فقط يختلف شكل المخيم، فهو محسوب على المناطق الراقية!». وتتالت تعليقات أخرى من شاكلة «قلبي على المخيم»، و«الفصل الجديد من التغريبة الفلسطينية ممهور بالدم السوري»، و«قبل الموت كانت مقبرة الشهداء هناك في انتظار المخيم». وبما أن الفلسطيني أكثر خبرة في التشرّد والتيه والانسلاخ عن الوطن.
فقد سارع شاب فلسطيني مهجّر إلى توجيه جملة نصائح للشعب السوري المهجّر. من جملة ما ورد في نصّه الطويل تحذير صارم لكل لاجئ سوري: «ألّا يستقر في خيمة، وألّا يتزوج بعيداً عن بلاده».
هكذا انضم مخيم «اليرموك» إلى قائمة الدمار السورية، والقلوب وجلة تنتظر الوجهة المقبلة في مأساة العنف الأعمى.