دمشق | تسارعت في الأيام القليلة الماضية المواجهات المسلحة في محيط مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، بين الجيش الحر والمجموعات الإسلامية من جهة، والجيش والأمن السوري وعناصر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القيادة العامة من جهة أخرى. مجمل الأخبار والصور من مناطق المواجهات، مثل التقدم، والتضامن، وصولاً إلى أزقة المخيم وشوارعه الرئيسية والفرعية، ومنطقة العروبة التي تشكل الحدود الفاصلة بين مخيم اليرموك والضواحي المحيطة به، تؤكد حصول معارك طاحنة بين أطراف الصراع، استخدمت فيها جميع الأسلحة الدفاعية والهجومية، والقذائف بمختلف الأعيرة والأنواع، استهدفت تجمعات طبية وأحياء سكنية مثل حارة الجاعونة، حارة المنصورة، شارع حيفا وشارع لوبية التجاري، وشارع فلسطين وغيرها، ما تسبب بخسائر بشرية كبيرة قدرت بعشرات القتلى ومئات الجرحى. لكن يبقى المشهد من مسجد عبد القادر الحسيني وسط المخيم الأشد قسوة ودموية، بعدما استهدفته قذيفة على نحو مباشر صباح أمس، متسببة بعدد كبير من الجرحى والقتلى بين المدنيين السوريين والفلسطينيين، الذين نزحوا من مناطق التوتر والمواجهات واختاروا الاحتماء في المسجد. أخبار متضاربة تناقلتها وسائل إعلامية وفضائيات إخبارية مختلفة وناشطون حول حقيقة قصف المسجد، بعضها أكد إصابته بصاروخ أطلق من طائرة «ميغ» حربية نفذت ثلاث غارات صباح أمس، وفي رواية أخرى شرحت وفصّلت صور الانفجار الحاصل، لتخرج بنتيجة تقول: «إن الانفجار حصل نتيجة قذيفة هاون حققت إصابة مباشرة».
بشرٌ مقطّعو الأطراف. تسقط قذيفة هُنا فتعلو صرخات النساء، ثم تعقبها أصوات سيارات الإسعاف. يبتعد الجميع عن الطريق، ليعودوا ويجتمعوا بغرض المشاركة في إسعاف الجرحى ورؤية مكان سقوط القذيفة. إرادة الحياة غلبت على سكان المخيم في تلك الأمسية. كثير منهم خرجوا بهدف شراء حاجياتهم قبل أن تتغيّر الأوضاع الميدانية خلال ساعات. فالقذائف مرشّحة للسقوط في كل شبر من أراضي المخيّم، الذي قضى أعنف ليلة في اشتباكات بين اللجان الشعبية والحواجز التابعة للقيادة العامة وبين مقاتلي المعارضة المسلحة، بعدما تقدموا عبر ثلاثة محاور: يلدا والتضامن، والحجر الأسود، ما أوقع خسائر فادحة في صفوف «القيادة العامة» بعدما عجزت عن سحب جرحاها، بسبب وجود القناصة على شارع العروبة، أول شارع سقط في المخيم ليلاً. وليبدأ عناصر القيادة العامة بالتقهقر، وسط حديث عن انشقاق إحدى مجموعات اللجان الشعبية (35 عنصراً) في العروبة، ولتبدأ سيارات تحمل عناصر الجيش الحر بالتجوال صباحاً وبداخلها شبان فلسطينيون حمل جميعهم «علم الثورة» بنجماته الثلاث. ثم توقفت الاشتباكات بعد مفاوضات بهدف إعلان هدنة بين الطرفين، إلا أنّ الاشتباكات عادت بعد دخول الجيش الحر إلى العروبة من الحجر الأسود من محورين، أولهما عبر سوق الخضر، وصولاً إلى حيّ المغاربة وشارع القدس. والثاني عن طريق شارع الثلاثين نحو الخالصة. الصراع بين الطرفين بقي على مبنى البلدية الواقع في شارع فلسطين، والذي تمترس فيه عدد من عناصر الأمن العسكري، حيث تقدّم عناصر الجيش السوري نحو البلدية، محاولين حماية من فيه منعاً من سقوطه، لما لهذا السقوط من دلالات تعني سيطرة الجيش الحر على المخيم كلياً.
التطورات الميدانية المتسارعة، طغت أخبارها على أعداد القتلى والجرحى وحجم الدمار الهائل الذي لحق بالمخيم، بالتزامن مع حركة النزوح الكبيرة وغير المسبوقة لسكانه إلى مناطق أخرى بعيدة أكثر أمناً. قيادي بارز في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أكد في حديث إلى «الأخبار» أنّ «الأوضاع في غاية الخطورة. الجيش الحر سيطر بالكامل على مساحات واسعة من جنوب المخيم، مثل مربع 15، والمنطقة المحيطة بمؤسسة الخالصة التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القادة العامة، مع انسحاب كبير لعناصر الجبهة واللجان الشعبية». وأكد أنّ المخيّم يشهد حالة إنسانية متردية جداً، مع استمرار المواجهات المسلحة، وغياب شبه كامل للخدمات الإنسانية والطبية، بعدما قصفت وعلى نحو متعمد ومباشر مجمل المراكز الطبية والمستشفيات، وانقطاع الكهرباء شبه الكامل عن مجمل مناطق المخيم. وأضاف «أعتقد أنّ الأسوأ لم يحصل بعد. إذا خضع المخيم لسيطرة الجيش الحر والجماعات الإسلامية الجهادية المتشددة، فسيتحول إلى قاعدة انطلاق للعمليات العسكرية، وسيدفع سكان المخيم الثمن غالياً، كما يحصل في منطقة داريا الآن. ولكم أن تتخيلوا واقع أكثر سكان المخيم البالغ عددهم قرابة مليون ونصف مليون من الفلسطينيين والسوريين الذين نزحوا إلى المخيم في الأشهر الماضية».
وحتى لا تستغل تطورات أحداث مخيم اليرموك الأخيرة، ضمن أجندة السياسة الدولية وتعاطيها مع الحرب السورية الدائرة، عقدت فصائل المقاومة الفلسطينية اجتماعاً سريعاً في العاصمة دمشق، وأصدرت بياناً أكدت فيه «الدعوة والمطالبة من جميع أطراف الصراع بإبقاء المخيمات الفلسطينية، بما فيها مخيم اليرموك بعيدة عن المواجهات المسلحة».
تراجع حضور لجان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القيادة العامة من أرض المعركة، رافقته أخبار متضاربة غير مؤكدة، تفيد بمغادرة الأمين العام للجبهة أحمد جبريل إلى مدينة طرطوس السورية الساحلية، وفي رواية أخرى أكدت حصول انشقاق كبير في قيادة الجبهة الشعبية وعناصرها، وصدور قرار باعتقال جبريل. في المقابل، صرح عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية القيادة العامة، حسام عرفات، بأن جبريل لا يزال في دمشق، ولم يغادرها إلى طرطوس أو إلى أيّ مكان آخر، كما روّجت بعض وسائل الاعلام. وأكد عرفات أنّ الانشقاقات عن القيادة العامة محدودة جداً، مضيفاً إنها عناصر عادية في الجبهة، وليس قيادات ميدانية أو تنظيمية.
نداءات استغاثة أطلقتها جميع الجهات الإنسانية التي تعمل على أرض المخيم، بما فيها الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة. وطالبت من يسمعها بالإسراع إلى «مساعدة حوالى 3 ملايين نسمة هم عدد النازحين من المناطق المنكوبة المجاورة، ما أدى إلى زيادة هائلة في أعداد سكان المخيم، نتيجة تصاعد الوضع الى مكوث النازحين في المدارس والجوامع والحدائق العامة». وأكدت حجم النقص الهائل في الغذاء والماء والدواء.