عادت المؤسسة العسكرية في مصر إلى الواجهة بقوة، أمس، بعدما تراجع دورها منذ قرار الرئيس المصري محمد مرسي إحالة رئيس المجلس العسكري وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي ورئيس الأركان الفريق سامي عنان إلى التقاعد في آب الماضي. عودة لم تكن فقط من خلال تكليف مرسي للجيش مهمة المساعدة في حفظ الامن والنظام حتى ظهور نتائج الاستفتاء ومنح ضباطه حق توقيف المدنيين، اذ دعا وزير الدفاع المصري، الفريق اول عبد الفتاح السيسي، أمس، القوى السياسية إلى «حوار مجتمعي» اليوم «للخروج من الأزمة التي تشهدها البلاد حالياً»، وذلك بعد أيام فقط من الحوار الذي أجري في القصر الرئاسي وفشل في احتواء غضب المعارضة.
ووفقاً لوكالة أنباء الشرق الأوسط، فإن «السيسي وجه الدعوة إلى كافة أطياف الشعب المصري من سياسيين وإعلاميين وفنانين ورياضيين للقاء من أجل عقد حوار للخروج من الأزمة التى تشهدها البلاد حالياً»، في دار الدفاع الجوي بالقرية الأولمبية في ضاحية مدينة نصر (شمال شرق القاهرة).
وبدا واضحاً أن الدعوة خلقت إرباكاً لمؤسسة الرئاسة مع التساؤلات حول مدى علم مرسي بها، ولا سيما في ظل تضارب التصريحات الصادرة من الرئاسة عن حضور مرسي من عدمه أو أحقيّة الجيش في الدعوة إلى مثل هذا الحوار، قبل أن يخرج رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، محمد رفاعة الطهطاوي، ليعلن أن دعوة وزير الدفاع للحوار تمت «باذن الرئيس وبالتشاور معه».
تصريح الطهطاوي أعقبته تصريحات وتسريبات بدا وكأنها تسعى إلى طمأنة المؤسسات السياسية، ولو مؤقتاً، إلى أن الجيش لا ينوي الدخول مجدّداً في لعبة السياسة، وهو ما فسر تصريح السيسي، في اجتماع مشترك لقادة من الجيش والشرطة، إذ قال «احنا بكره هنقعد ومش هنتكلم لا في السياسة ولا في استفتاء. بكره هنقعد مع بعض كمصريين». التصريح تبعه كلام لعضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، اللواء محمد العصار، الذي أكد أن مرسي سيترأس اللقاء اليوم، واصفا الحوار بأنه وطني، في إطار الأسرة المصرية. وشدّد على أن القوات المسلحة لا تتدخل في السياسة.
وفي السياق نفسه، سرت تسريبات أمس عن أن فكرة دعوة السيسي للحوار صادرة عن القصر الرئاسي، وان عرّابها الكاتب المصري، محمد حسنين هيكل، الذي استقبله مرسي.
وفي حين لم تتأخر جماعة الإخوان المسلمين بالاعلان عن موافقتها المشاركة في الحوار، أوضحت جبهة الانقاذ المعارضة، أنها ستقرر في صباح اليوم ما إذا كانت ستشارك في الحوار الوطني أم لا.
في المقابل، أثارت دعوة الجيش كلاماً عن عودة المؤسسة العسكرية للسياسة. ويرى المحلل والباحث في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، عمرو هاشم ربيع، أن الدعوة تطيح المساعي التي قادها مرسي منذ تسلمه الرئاسة لاعادة الجيش الى دوره «كجيش محترف لا يتدخل في السياسة».
ورأى ربيع أن بيان الجيش الذي دعا فيه يوم السبت الماضي طرفي الازمة إلى اعتماد الحوار لحلها وتحذيره من انه لن يسمح بان تدخل البلاد نفقاً مظلماً نتائجه كارثية، «أظهر أنه لا يزال يملك أقداماً واصابع موجودة في العمل السياسي». ومع تأكيد ربيع أن «العسكريين بدوا حذرين جداً» في البيان، لفت إلى أن السؤال الذي يبقى مطروحاً هو «هل سيتدخل الجيش بأمر الرئيس ام ضد الرئيس في حالة خروج المواجهات في الشارع عن السيطرة».
من جهته، أشار المحلل السياسي عماد جاد، إلى أن منح الجيش سلطة الضبطية العدلية، هو محاولة من الرئيس لحشد الأمن والجيش «ليتعاونوا في حفظ النظام» للسيطرة على الوضع الناجم عن حالة احتقان سياسي وانقسام عميق حول مشروع اول دستور بعد حسني مبارك، فيما أكد بيان للرئاسة المصرية أمس أن أي مصري يقبض عليه الجيش خلال الاستفتاء على الدستور الجديد سيعرض على القضاء المدني لا العسكري.
وأوضح جاد أن المؤسسة العسكرية «تقف اليوم في مستوى الوضع ذاته قبل سقوط حسني مبارك، أي على الحياد»، معرباً عن اعتقاده أنه «إذا حدثت أعمال عنف وسالت دماء، فإن الجيش سيتدخل حتماً للسيطرة على الوضع ولن يلتفت كثيراً لكون الرئيس مرسي منتخباً». وأكد أنه «اذا خرجت الأمور عن السيطرة، فسيتدخل الجيش لفرض الأمن وبعد ذلك سيتولى على الأرجح اعادة بناء مرحلة انتقالية جديدة بقواعد جديدة».
وجاءت عودة الجيش إلى المشهد في وقت استمر فيه الانقسام في الشارع، حيث شهدت القاهرة وعدد من المحافظات تظاهرات من قبل مؤيدي ومعارضي مرسي. وتمكن مئات من المتظاهرين المعارضين لمرسي الذين انطلقوا في مسيرات تحت شعار «مليونية ضد الغلاء وضد الاستفتاء»، أمس، من اختراق حاجز حديدي شيدته قوات الامن بالقرب من قصر الرئاسة المصرية في ضاحية مصر الجديدة (شرق القاهرة)، رافعين لافتات تؤكد على رفضهم الاستفتاء على مشروع الدستور المصري الجديد وتطالب بإسقاط النظام ورحيل مرسي عن السلطة.
ولم تحدث اي اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الشرطة والجيش التي عادت للانتشار حول سور القصر الرئاسي، فيما احتشد الآلاف في ميدان التحرير بعد يوم من اطلاق مجهولين النار على معتصمين في الميدان. وأفادت وسائل إعلام محلية بأن تسعة أشخاص أصيبوا عندما أطلق مجهولون النار على المعتصمين.
في المقابل، احتشد الإسلاميون الذين يريدون المضي في اجراء الاستفتاء أمام مسجد رابعة العدوية للمشاركة فى مليونية الشريعة.
في غضون ذلك، وجدت الحكومة المصرية نفسها أمس مضطرة إلى الطلب من صندوق النقد الدولي ارجاء طلبها الحصول على قرض بقيمة 4,8 مليارات دولار، تم الاتفاق عليه في تشرين الثاني بسبب الازمة السياسية التي تهز البلاد والتي أدت إلى تجميد السلطات قرار رفع الضرائب.
وفيما أفادت متحدثة باسم صندوق النقد الدولي بأنه «في ضوء الاحداث الجارية ميدانياً طلبت السلطات المصرية ارجاء طلبها ابرام اتفاق» مساعدة مع صندوق النقد الدولي، أكد رئيس الوزراء المصري هشام قنديل الخطوة. ولفت إلى أن «التعديلات التي أجريت على قانون الضرائب، والتي قرر الرئيس محمد مرسي إيقاف العمل بها حتى طرحها في حوار مجتمعي واسع، هي جزء من البرنامج الوطني للاصلاح الاقتصادي والمالي».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)