الخرطوم | لملم الرجل الأربعيني على عجل بضاعته التي كانت مرصوصة بعناية بالغة على جانب رصيف موقف الاستاد، أحد أكبر مواقف المواصلات في الخرطوم. لم يلقِ بالاً للبضاعة التي تساقطت منه أثناء ركضه في الاتجاه المعاكس، الذي تدفق منه العشرات من أفراد شرطة مكافحة الشغب. فقد اعتاد كغيره من الباعة الذين يفترشون المواقف العامة جمع البضاعة في زمن قياسي والركض نتيجة تعرضهم للملاحقة المتكررة من قبل شرطة النظام. لكنهم لم يكونوا الهدف الأساسي في مطاردة أمس، إذ إن الشرطة كانت تطارد مجموعة من طلبة الجامعات خرجوا في تظاهرات منددة بمقتل زملاء لهم في جامعة الجزيرة، وسط السودان قبل أيام، بعد احتجاجهم على الأقساط الجامعية. وما إن تكشفت الحقائق لمجموعة الباعة، التي لا يقل عدد أفرادها عن الخمسين، حتى أخذوا في سب ولعن الطلاب «مثيري الشغب لتسببهم بقطع أرزاقهم لساعات». في مقابل حالة الاستياء من المتظاهرين لدى فئة من الشارع السوداني، وجدت قوى الإجماع الوطني المعارضة في الاحتجاجات، التي تجددت في الخرطوم خلال الأيام القليلة الماضية، فرصة للتصعيد ضد الحكومة. فتحالف قوى المعارضة، الذي لطالما وُصف من قبل الكثيرين بأنه «يأتي متأخراً دائماً»، دعا أمس خلال مؤتمر صحافي في دار حزب المؤتمر السوداني في أمّ درمان المواطنين إلى الاحتشاد اليوم في جامعة الخرطوم، للمشاركة في «إقامة صلاة الغائب على أرواح شهداء جامعة الجزيرة، ومن ثم الخروج إلى الشارع في تظاهرة كبيرة وحاشدة». ورأى رئيس تحالف قوى المعارضة فاروق أبو عيسى أن مقتل طلاب جامعة الجزيرة بمثابة جريمة ضد الإنسانية، وهو عمل عنصري استهدف طلاب دارفور، داعياً جموع الشعب السوداني إلى الخروج اليوم لإسقاط النظام سلمياً في تصعيد واضح لتحركات المعارضة السلمية ضد النظام.
وفي نهاية المؤتمر الصحافي، تقدّم أبو عيسى برفقة عدد من قادة المعارضة جموع المجتمعين وخرجوا إلى شارع الأربعين المواجه للمركز، وهم يهتفون بإسقاط النظام. ورأى، في حديث مع «الأخبار»، أن الوضع في السودان أصبح لا يحتمل، وأن نظام المؤتمر الوطني الحاكم يلفظ أنفاسه الأخيرة ويتصرف بطريقة عنصرية قبيحة، ولا سيما في تعامله مع طلاب إقليم دارفور المضطرب. وقلل أبو عيسى من وصف الحزب الحاكم للمعارضة بالضعف، قائلاً: «دعهم يقولوا، لكن سيأتي اليوم الذي سنريهم فيه نجوم الليل في الضحى»، مضيفاً «نحن لا يهمّنا موقف المؤتمر الوطني، بل يهمّنا رأي الشعب السوداني وقواه السياسية».
ويبدو أن قوى المعارضة غاب عنها أن الشعب السوداني بات مهموماً بلقمة العيش أكثر من إسقاط النظام، وأن قوى المعارضة الداخلية لم تفلح في المسّ بالقضايا التي تهمّ المواطنين. ويرى المواطن محمد إبراهيم أن الغلاء الفاحش طحن الشعب، وأن المعارضة أصابت الشارع بتخمة من كثرة الكلام وبالتصريحات غير المصحوبة بفعل حقيقي مؤثر يفلح في إزاحة ولو جزء قليل من معاناة المواطنين. وأضاف محمد لـ«الأخبار» «رغم أن مقتل الطلاب فعل مشين، هناك من يموت بصورة يومية بفعل الجوع والمرض». وبدا لافتاً، إلى جانب عدم تفاعل الشارع مع التظاهرات الطلابية، الارتباك الشديد وسط قوات الشرطة التي تعاملت بعنف شديد مع الطلاب واعتقلت العشرات منهم في أثناء مواجهات في جامعة أمّ درمان الإسلامية بين الطلاب المحتجين وآخرين ينتمون الى الحزب الحاكم مدعومين من أفراد من جهاز الأمن يرتدون ملابس مدنية. وأفاد شهود عيان تحدثوا لـ«الأخبار»، أمس، بأن الشرطة استخدمت رصاصاً حيّاً لمنع طلاب محتجين في جامعة أمّ درمان أرادوا إخلاء زملاء لهم متحجزين داخل مكتب يخصّ طلاب المؤتمر الوطني. وحسب شهود عيان، فإن التظاهرات وصلت إلى حيّ الفتيحاب القريب من الجامعة، وأكدوا أيضاً أن الشرطة اقتحمت الحرم الجامعي وعمدت الى مطاردة الطلاب حتى مساكنهم البعيدة، واشتبكت مع بعضهم قبل أن تعتقل عدداً منهم.
كذلك شهدت منطقة وسط الخرطوم، و«ميدان جاكسون» انتشاراً كثيفاً لسيارات الشرطة وقوات الاحتياطي المركزي والأمن، حيث تمركزت في الكباري والأنفاق وأمام جامعات السودان والنيلين القريبة من وسط المدينة. يأتي هذا فيما استمرت الاحتجاجات الطلابية في جامعة الخرطوم، رغم التهديدات الإدارية التي لوّح بها مدير الجامعة صديق حياتي أول من أمس، إذ هدد الطلاب المتظاهرين بالإنذار النهائي ومن ثم الفصل. كما أعلن أن إدارة الجامعة غير مسؤولة عن اعتقال أي طالب.