القاهرة | لم يكن رئيس الجمهورية محمد مرسي مشغولاً كثيراً بالمعارضة في الشارع بقدر اهتمامه بموقف القضاء من الإشراف على الاستفتاء على الدستور الجديد. كل التحليلات كانت تشير إلى أن الرئيس يبحث فقط عن سبيل لإرضاء القضاة حتى يخرج من مأزق مقاطعة القضاة للإشراف على الاستفتاء، الأمر الذي سيؤدي إلى الطعن مباشرة في صحة الاستفتاء ذاته. المركز المصري لبحوث الرأي العام، أجرى استطلاعاً للرأي أظهر أن هناك 75 في المئة من المصريين سيشاركون في الاستفتاء في حالة وجود إشراف قضائي عليه، ما يضع الرئيس في أزمة حقيقية. تلك الأزمة هي ما جعلت الرئيس يدعو إلى حوار رفضت المعارضة المشاركة فيه. لكن نتائج الحوار أثبتت أن الرئيس لا ينظر إلى المعارضة بقدر ما ينظر إلى مطالب القضاء.

ففي إعلانه الدستوري الجديد، نفذ المطلب الأول للقضاة بإلغاء المادة التي تحصن قرارات رئيس الجمهورية من الطعن أمام المحاكم، بينما كانت المعارضة تضيف إلى ذاك المطلب الحديث عن إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية وتأجيل قرار رئيس الجمهورية بالدعوة إلى الاستفتاء يوم السبت المقبل.
هكذا نجح مرسي بعد إعلانه الدستوري الجديد، في جعل المعارضة شبه وحيدة في الشارع، بعدما قررت هيئات قضائية العدول عن قرار مقاطعة الإشراف القضائي على الانتخابات. ومن بين هذه الهيئات نادي قضاة مجلس الدولة، الذي يضم في عضويته 2500 قاضٍ. وشدد النادي، بعد جمعية عمومية لأعضائه أمس، على ضرورة الإنهاء الفوري لأسباب الاقتتال بين المواطنين المصريين، ووقف سيل الدماء، وإنهاء حالات الحصار لمؤسسات الدولة ومقر المحكمة الدستورية العليا وتمكينها من البدء في مباشرة مهمتها من دون إرهاب أو ترهيب تحقيقاً لسيادة القانون واستقلال القضاء.
ويبدو أن عدداً من الهيئات القضائية الأخرى ستسير على نفس خطى قضاة مجلس الدولة. فاليوم من المتوقع أن تعلن هيئة النيابة الإدارية موقفها من الإشراف. ومن المرجح أن يكون قرارها الإشراف على الانتخابات. فرئيس نادي مستشاري هيئة النيابة الإدارية، عبد الله قنديل، سبق أن أكد أن «التراجع عن القرار (الإشراف على الانتخابات)، لن يكون إلا بإلغاء الإعلان الدستوري لما فيه من تقييد لسلطة القضاء، وهو أمر مرفوض تماماً»، وها هو رئيس الجمهورية نفذ ما طلبوا.
غير أن الجهة الأهم والأكثر عدداً، أي نادي قضاة مصر، الذي يضم قرابة عشرة آلاف قاضٍ، لا يزال كما يبدو عند قراره بمقاطعة الإشراف على الاستفتاء. ويرى النادي أن ما حصل في الإعلان الجديد ما هو إلا التفاف على مطالب القضاة بعدم تحصين قرارات الرئيس. وحسب أحمد قناوي، عضو مجلس إدارة نادي قضاة مصر، فإن موقف القضاة لم يتغير، ولن يشرفوا على الاستفتاء على الدستور وموقفهم لا يزال كما هو. وأكد أن الإعلان الدستوري الجديد جعل قرارات الرئيس التي اتخذت وفقاً للإعلان الدستوري الملغى تبقى كما هي سارية، بما فيها التعدي على السلطة القضائية في مسألة إقالة النائب العام السابق عبد المجيد محمود وتعيين آخر بدلاً منه، وهو ما ليس من اختصاصه. ويبقى أن الموقف النهائي لنادي قضاة مصر سيكشف عنه اليوم خلال مؤتمر صحافي لإعلان الموقف النهائي لقضاة مصر. وفي حالة الموافقة على الإشراف، وهو أمر لا يزال مستبعداً حتى الآن، سيتأزم موقف القوى المعارضة للرئيس، لكون القوى الإسلامية ستوجه أنصارها لبدء الحشد على التصويت، والبدء في العمل على مشاعر المصريين بالطرق القديمة نفسها من أن الهدف من إقرار الدستور هو الاستقرار.
حال التأزم يبدو أنها تسرّبت إلى المعارضة، وسط دعوات بدأت خفيفة من أطراف محسوبة على القوى الثورية ببدء الإعداد للحشد للتصويت بـ«لا» على مسوّدة الدستور المقرر يوم السبت المقبل، وهو ما أثار حفيظة قوى أخرى تدعو إلى المقاطعة.
وفيما تستعد البلاد اليوم لتظاهرات جديدة لمؤيدي الاستفتاء ومعارضيه، أكد المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين، محمود غزلان، أن المتظاهرين المشاركين في مليونية «دعم الشرعية» المزمع تنظيمها اليوم سيحتشدون أمام مسجدي «رابعة العدوية» و«آل رشدان». وأكد في تصريحات صحافية «أنه لا نية للاعتصام ولا نية لخروج مسيرات من المشاركين في المليونية لأي مكان ولا حتى لقصر الاتحادية تجنباً لحدوث صدامات مع أنصار القوى السياسية الأخرى».
واستغل الرئيس المصري حالة الانقسام في الشارع لتكليف الجيش ضمان الأمن في البلاد بداية من أمس وحتى إعلان نتائج الاستفتاء على مشروع الدستور. وطلب مرسي من الجيش مساعدة أجهزة الشرطة في حفظ الأمن حتى إعلان نتائج الاستفتاء على الدستور ومنح ضباط القوات المسلحة وضباط الصف المشاركين في ذلك سلطة توقيف المدنيين.
وأضاف: «يكون لضباط القوات المسلحة وضباط الصف المشاركين في مهمات حفظ الأمن وحماية المنشآت الحيوية بالدولة، كل في الدائرة التي كلف بها، جميع سلطات الضبط القضائي والصلاحيات المرتبطة بها المقررة لضباط الشرطة وأمنائها».
وفيما أكد المتحدث باسم الرئاسة ياسر علي أن قرار مرسي مؤقت و«يعطي مزيداً من الأمان للمواطن، حتى يدلي برأيه في حرية تامة، وللجنة العليا للانتخابات والقضاة المشرفين حتى يؤدون عملهم في تأمين تام لتخرج عملية الاستفتاء في صورة نزيهة»، رأت منظمة العفو الدولية أن قرار مرسي «سابقة خطيرة» يمكن أن تؤدي إلى عودة المحاكمات العسكرية للمدنيين. ورأت المديرة التنفيذية للمنظمة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حسيبة حاج شعراوي، أنه «أخذاً بالاعتبار سجل الجيش حين كان في السلطة، بما فيه مقتل 120 متظاهراً ومحاكمة نحو 12 ألف مدني أمام المحاكم العسكرية بشكل غير عادل، فإن الخطوة تعد سابقة خطيرة».