شبح انتفاضة الخبز في يناير/ كانون الثاني من عام 1977، الذي كاد ينهي حكم الرئيس أنور السادات، يبدو أنه يلاحق الرئيس محمد مرسي، إلى حدّ إجباره على تأجيل العمل بتعديلات على قانون الضرائب على المبيعات كانت ستؤدي إلى رفع أسعار عدد من السلع الأساسية وإلى موجة جديدة من التضخم في البلاد.
واستبق مرسي تداعيات حالة الغضب، التي كانت قد بدأت تظهر بعد إعلان التعديلات، بإصدار بيان يعلن «وقف سريان» القرارات
وبدا أن التحليل السائد في الأوساط المصرية أن التعديلات على ضرائب المبيعات تأتي في إطار التفاهمات بين السلطات المصرية والمسؤولين في صندوق النقد للحصول على القرض الذي يجري التفاوض عليه منذ شهور. وأيد هاني جنينة، كبير محللي بنك الاستثمار «فاروس»، في تقرير أصدره البنك، هذا التفسير قائلاً: «إن التعديلات الضريبية ترجع إلى الظروف المالية العامة في مصر، وإلى الإصلاحات التي اتفقت عليها السلطات المصرية مع صندوق النقد الدولي للحصول على القرض الذي تفاوض الحكومة المصرية المسؤولين في الصندوق للحصول عليه». وتوقع أن إمرار القرارات الملغاة من قبل مجلس الشورى في وقت لاحق، ولا سيما إن جرى إمرار مشروع الدستور الجديد عبر الاستفتاء الشعبي المزمع عليه، مانحاً سلطات تشريعية لمجلس الشورى.
في المقابل، ظل الغموض سيد الموقف حيال كيفية اتخاذ قرار تأجيل القرارات الاقتصادية التي صدرت يوم الخميس الماضي. وكشف مصدر مقرب من رئيس مصلحة الضرائب، ممدوح عمر، أن الرجل لم يعلم بقرار التراجع إلا عبر وسائل الإعلام، ولم يصله أي إخطار رسمي من مؤسسة الرئاسة أو من أي جهة، بما في ذلك وزارة المالية.
من جهته، أصدر وزير المال تعليمات شفوية حظر فيها على قيادات مصلحة الضرائب الحديث إلى وسائل الإعلام.
اللافت للنظر أن وزارة المال نفسها لم يتسلم مستشارها القانوني محمد الدكروري، وهو المستشار القانوني السابق للرئيس المخلوع حسني مبارك، أي إخطار رسمي يفيد بالتراجع عن قرار فرض الضرائب الجديدة. وقال: «لا أعلم حتى الآن نطاق التراجع عن القرارات وما إن كانت تشمل أي قرارات أخرى بخلاف قرارات ضرائب المبيعات».
الأمر نفسه تكرر مع الشركة الشرقية للدخان، وهي أكثر الأطراف تأثراً بضرائب المبيعات على السجائر بصورة خاصة، لكونها تحتكرها بحكم القانون. ونفى أسامة سعد الدين، المدير المالي للشركة، لـ«الأخبار» أن تكون وزارة المال قد أبلغتهم بالقرارات أو بالتراجع عنها مسبقاً. وقرار التراجع ينطوي وفقاً للبيان الرسمي الصادر عن رئاسة الجمهورية على وقف سريان القرارات فقط لا الإلغاء، ما يعني فعلياً تأجيل التطبيق ومن ثم احتمال اتجاه التجار لمحاولة إخفاء المخزون لحالي من السجائر في انتظار ارتفاع الأسعار، ومن ثم تحقيق مزيد من الأرباح وفقاً لأحداث شبيهة، وهو ما رفض سعد الدين التعليق عليه.
وقال مصدر مسؤول في وزارة المال، طلب عدم نشر اسمه، إن اجتماعاً سابقاً بين قيادات الوزارة مع فاروق العقدة، محافظ البنك المركزي، قبل أيام، شهد خلافاً حاداً بين وزير المال ومحافظ البنك بشأن بند رفع الدعم جزئياً عن بعض أنواع الطاقة وكلياً عن البعض الآخر للطاقة وكذلك حيال البنود المتعلقة بفرض زيادات على ضرائب.
وأسهم في التعتيم عدم توضيح بيان رئاسة الجمهورية ما إذا كان التأجيل يسري على بقية القرارات التي أعلنت في الجريدة الرسمية أول من أمس، وهي كلها تثير جدلاً ربما لا يقلّ عن الضخب الذي أثارته التعديلات على قانون الضرائب على المبيعات، لكن ضمن أوساط قد تكون صاحبة صوت خافت في الإعلام، من قبيل الباعة المتجولين الذين يشكلون نسبة لا يستهان بها من سوق العمل المصري، ضمن نحو أربعين في المئة من نسبة الاقتصاد غير الرسمي. فشملت هذه القرارات تعديلاً على قانون الباعة المتجولين «لم يتضمن أكثر من مادة وحيدة نصت على تغليظ العقوبات على مخالفات الباعة الجوالين الذين يعملون بلا ترخيص أو يسببون تعطيل المرور في الشوارع والميادين، بزيادة مدة الحبس المقررة من مدة لا تتجاوز شهراً وغرامة لا تزيد على خمسة جنيهات إلى الحبس لمدة ثلاثة أشهر أو غرامة قدرها ألف جنيه». وشددت المادة ذاتها العقوبة في حالة العودة إلى ارتكاب المخالفات نفسها من الحبس لمدة ثلاثة أشهر أو غرامة قدرها ألف جنيه إلى الحبس ستة أشهر أو غرامة تبلغ خمسة آلاف جنيه مع مصادرة البضاعة المضبوطة، وفقاً لبيان صادر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
ونبّه البيان إلى «أن قصر معالجة قضية الباعة الجوالين على الجانب الأمني والجنائي هو استمرار لنفس نهج تهميش الفقراء وتجريم أنشطتهم الاقتصادية الهادفة إلى تأمين الرزق لهم ولأطفالهم». وأوضح أنه «مع التسليم بضرورة تنظيم وضبط نشاط الباعة الجوالين حتى لا يؤدي إلى إعاقة حركة المرور في الشوارع والطرقات، فإن هذا التنظيم لا يعني بحال من الأحوال تجريم نشاطهم، وإطلاق يد الشرطة في مطاردتهم وحرمانهم حريتهم بحبسهم، ومصادرة أرزاقهم الهزيلة أصلاً من خلال الاستيلاء على بضائعهم وتشريد أسرهم».