البداوي | «الله يثبت المصالحة، ويصلح قادتنا». هذا التمني يبدو أنه أصبح أقصى آمال النازحين الفلسطينيين في مخيمات لبنان. وعبارة صاحب «مكتبة السيد» في مخيم البداوي، تلخص موقف المخيم من المصالحة الجارية بين حركتي حماس وفتح. ويضيف الرجل كمن يريد التملص من الخوض في مناقشة محرجة، مشيراً الى زائر أكبر منه سناً دخل المكتبة «على كل حال، الحاج أبو وسام أعرف مني»، وخصوصاً أنه من توجه سياسي مختلف. لكنه قبل تسليم دفة الكلام أضاف جملة هامة أخيرة «المهم مش لازم نجي من تحت لأننا أصحاب حق». تتضح الصورة أكثر، ليبدو معها أن صاحب المكتبة أقرب إلى حركة حماس، وبالمقابل فإن الزائر من حركة فتح. حاول أبو وسام بدوره أن ينسحب، لكن ملاحقة أعين الحاضرين له لم تعطه الفرصة لذلك. فهو فتحاوي عتيق، وابنه إعلامي في السفارة الفلسطينية. يعتبر أبو وسام أن «كل فلسطيني يريد فلسطين كاملة».
وحتى الذي «وافق على أوسلو يريد كل فلسطين، والبارحة أبو مازن غيّر رأيّه وقال إنه مع المقاومة بكل أشكالها»، لكن «قدام من أيدوه في إعلان فلسطين عضو مراقب في الأمم المتحدة لازم يشتغل سياسة». ولدى سؤاله عن التباين الفلسطيني بين العمل العسكري والعمل الدبلوماسي، يجتهد في تحويل التباين إلى خلاف فكري، بتشديده على أن فلسطين هي للجميع (مسلمين ومسيحيين)، مسترجعاً كلام الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي قال «سيرفع شبل من أشبالنا، أو زهرة من زهراتنا، علم فلسطين فوق كنائس القدس ومآذن القدس». وقبل أن يهمّ بإنهاء كلامه يدخل صديق له ينتمي إلى الجبهة الشعبية _ القيادة العامة، فيعتبر دخوله مناسبة لتأكيد صداقته مع الجميع من مختلف التوجهات السياسية.
في الواقع، يشهد المخيم مستويين من الاصطفاف السياسي. المستوى التنظيمي يتمثل في ثنائية فتح _ حماس من جهة، ومن مجموعة من التنظيمات المتحالفة مع كلتيهما. يصف العارفون بالمخيم أن حركة فتح، أو بالأحرى السلطة الفلسطينية، هي الأقدر على التوظيف، حيث يوجد في المخيم مئات الموظفين يقبضون معاشات شهرية من رام الله. أما حركة حماس، فهي تمارس نفوذاً واسعاً من خلال المساجد ومن خلال المساعدات العينية والتربوية التي تقدمها لأبناء المخيم. أما على المستوى الاجتماعي، فالجميع يحرص على عدم استفزاز المقربين من هذا الطرف أو ذاك، لإدراكهم أن لكل من الفريقين مرجعية يلتزمان بها، وأن قصارى جهد كل فريق يتوقف عند حدود تبليغ مرجعيته بأنه ملتزم بتوجهاتها، كي ينال رضاها لا أكثر ولا أقل. والغائب الأكبر على المستويين التنظيمي والشعبي هو العمل السياسي، وهذا ما يبرر التهرب من التصريحات الإعلامية المباشرة، والميل إلى الدردشة مع التمني الدائم بعدم ذكر الأسماء خلال إجراء المقابلات.
في الاحتفال بالذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الذي تمّ إحياؤه في مخيم البداوي بعيد الانتصار العسكري في غزة والانتصار الدبلوماسي في الأمم المتحدة، وبعد إشادته بانتصار غزة، عرج أحد قادة الجبهة أبو جابر، بشكل غير مباشر، على عملية اختزال النضال الفلسطيني بين فتح وحماس، ذاكراً أعداد الشهداء من الجبهة وغيرها، ومشيراً إلى استشهاد الأمين العام للجبهة أبو علي مصطفى واعتقال الأمين العام التالي أحمد سعدات، ومؤكداً دور الجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي في المواجهات الأخيرة وفي تحقيق الانتصار، ليخلص إلى أن الانقسام الفلسطيني «يضيق مع اتساع المعركة الأساسية مع العدو»، ويتّسع عندما «نتهارش مع بعضنا ونجتهد في أشكال التفاوض».