بعد ترقب طويل لكلمة الرئيس المصري محمد مرسي، وتسريبات عن نيته التراجع عن الإعلان الدستوري لاحتواء الازمة في البلاد، خرج مرسي بخطاب مسجّل استفز خلاله المعارضة، وأعلن تمسّكه بالإعلان والاستفتاء، داعياً في الوقت نفسه إلى حوار مع المعارضة السبت في قصر الرئاسة، وسط تساؤلات عن هوية المشاركين فيه. وأكد الرئيس المصري، في بداية خطابه، أنه متمسك بالاعلان الدستوري، لكنه اوضح انه يهدف الى تحصين قراراته التي تختص فقط بـ«اعمال السيادة». واضاف ان الذي يحدد «اعمال السيادة هو القضاء المصري».
واعلن مرسي انه على استعداد لالغاء المادة السادسة في الاعلان الدستوري. وقال «اذا كانت هذه المادة تمثل قلقاً لأحد فانني غير مصر عليها، لست مصراً على بقائها اذا انتهى الحوار مع القوى السياسية الى ذلك». ودعا الأحزاب السياسية وشخصيات أخرى لاجتماع غداً السبت لحوار وطني لوضع خريطة طريق سياسية لما بعد الاستفتاء على دستور جديد. وقال «دعوة للحوار الشامل المنتج أوجهها لكل الرموز والقوى السياسية والأحزاب لنجتمع معا يوم السبت القادم».
وإضافة الى وضع خريطة طريق، قال مرسي إن الاجتماع سيبحث استكمال مجلس الشورى بعد حل مجلس الشعب في حزيران وقانون الانتخابات وقضايا أخرى. لكنه أكد في الوقت نفسه أن خطط تنظيم الاستفتاء المقرر في 15 كانون الأول كما هي.
الرد على دعوة مرسي من قبل القوى السياسية لم تأت مباشرة، إذ أعلن المتحدث باسم جبهة الإنقاذ، التي تشكلت بعد الإعلان الدستوري، أن الجبهة تدرس الدعوة، غير أن المتظاهرين خارج قصر الاتحادية عبروا عن غضبهم من كلمة الرئيس. وهتف متظاهرون عند قصر الرئاسة المصري «قاتل.. قاتل» و«الشعب يريد إسقاط النظام» ورفعوا أحذية، فيما قام آخرون بإحراق مقر حزب «الحرية والعدالة»، الجناح السياسي لـ«الإخوان» في منطقة المقطم.
وجاءت كلمة مرسي بعد ضغوط متعددة الأطراف عليه بعدما وصل الاحتقان في الشارع إلى ذروته. وطالب مجمع البحوث الاسلامية في الازهر وهو أعلى سلطة فيه، الرئيس المصري بـ«تجميد الاعلان الدستوري» و«الدعوة لحوار وطني فوراً» تشارك فيه كل القوى الوطنية دون استثناء ودون شروط مسبقة».
من جهته، أدان رئيس حزب مصر القوية، عبد المنعم أبوالفتوح، ما حدث، أول من أمس أمام قصر الاتحادية، مؤكداً أن الدولة مسؤولة عما حدث. لكنه أشار إلى أنه ضد إسقاط مرسي لأنه جاء بالأغلبية. وحذر من أي محاولة للانقلاب على الشرعية من أي طرف حتى ولو كان المجلس العسكري أو غيره. كما حذر من أي تدخل أجنبي، مشدداً على أن أميركا لن تحكم مصر، وأن على من يجلس معها الرجوع فوراً. وفيما نبه إلى أنه «لن يحمي الرئيس غير الشعب المصري الذي انتخبه»، حذر من تحويل المعركة السياسية إلى معركة دينية. وجاءت هذه التحذيرات بعد مواجهات دامية جرت بين أنصار ومعارضي الرئيس المصري. ففي اسوأ اعمال عنف تقع في البلاد منذ انتخاب مرسي رئيساً في حزيران، ارتفع عدد قتلى اشتباكات أول من أمس إلى 7، قالت جماعة الإخوان إن ستة منهم من أعضائها، بينما أصيب ما يقرب من 600 آخرين بجروح، وهو ما دفع قيادة الحرس الجمهوري لإخلاء محيط مقر الرئاسة.
واتخذ القرار في أعقاب اجتماع عقده الرئيس المصري مع رئيس الوزراء هشام قنديل بحضور عدد من المسؤولين، من بينهم وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، وزير الداخلية اللواء أحمد جمال الدين، رئيس الاستخبارات العامة رأفت شحاته وقائد الحرس الجمهورية اللواء محمد زكي.
لكن قائد قوات الحرس الجمهوري، حرص في تصريح بثته وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية، على التأكيد أن «القوات المسلحة وعلى رأسها قوات الحرس الجمهوري، لن تكون أداة لقمع المتظاهرين، كما أنه لن يتم استخدام أي من أدوات القوة ضد أفراد الشعب المصري». وبرر «تواجد قوات الحرس الجمهوري في محيط قصر الرئاسة، بأنه يهدف الى الفصل بين المؤيدين والمعارضين للرئيس والحليولة دون حدوث اصابات جديدة».
ولم يحل قرار اخلاء محيط قصر الاتحادية دون انطلاق 3 مسيرات ضمت بضعة آلاف إلى محيطه. ورفع المشاركون لافتات مكتوبا عليها: «لا للديكتاتوري»، ورددوا هتافات منها «قالوا حرية وقالوا عدالة شفنا سفالة وشفنا ندالة».
وفيما مرت التظاهرات بسلام من دون احتكاكات مع أنصار جماعة الإخوان المسلمين الذين انسحبوا من محيط القصر، اندلعت اشتباكات عنيفة بين عدد كبير من المنتمين للجماعة وبين معارضين لهم في مدينة شبين الكوم في المنوفية. وأسفرت عن وقوع عدد من المصابين نتيجة الرشق المتبادل بالحجارة إلى جانب إصابات أخرى باختناقات جراء إطلاق عناصر الأمن الغاز المسيل للدموع بكثافة لتفريق الجانبين من أمام مقر الجماعة بعد محاولات لاقتحامه.
كذلك وقعت أمس اشتباكات بين العشرات من المتظاهرين وشباب من حزب الحرية والعدالة أمام مقر الحزب في مدينة الزقازيق في محافظة الشرقية، فيما قامت قوات الأمن بإجلاء أسرة مرسي من منزلها في منطقة القومية بمدينة الزقازيق، وذلك بعد محاولة محتجين اقتحام المنزل.
في غضون ذلك، استمر التفكك في الفريق الرئاسي التابع لمرسي، بعدما أعلن مستشار الرئيس المصري، نائب رئيس حزب «الحرية والعدالة» الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، رفيق حبيب، استقالته من جميع مناصبه واعتزاله الحياة السياسية، وذلك بعد يوم من الاعلان عن استقالة جميع أعضاء الهيئة الاستشارية البالغ عددهم 17 مستشاراً.
وانعكس التوتر الأمني على البورصة المصرية التي تكبدت خسائر كبيرة أمس. وخسرت الأسهم المصرية حوالي 11 مليار جنيه (1.79 مليار دولار) من قيمتها السوقية وهوى مؤشرها الرئيسي نحو خمسة في المئة، فيما انخفض الجنيه إلى أدنى مستوياته.
وفي ردود الفعل الدولية على ما تشهده مصر، دعا الاتحاد الاوروبي وبريطانيا الى ضبط النفس، فيما دعت الولايات المتحدة الى الحوار. من جهتها، دعت المفوضة السامية لحقوق الانسان فاي لأمم المتحدة، نافي بيلاي، الحكومة المصرية إلى حماية المحتجين بالطرق السلمية. وشددت على ضرورة أن يلاحق قضائياً أي شخص حرض على العنف بما في ذلك السياسيون.