غزة| رام الله | انتصرت المقاومة في غزّة، وانتصرت القيادة الفلسطينية في الأمم المتحدة، لكن ذلك ليس كافياً إن لم يكتمل بالمصالحة؛ الكلمة السحرية التي شقت طريقها من «مكة إلى القاهرة مروراً بالدوحة»، لكنها لم تصمد كثيراً، وهو الأمر الذي يعطي إشارات سلبية إلى جدّية النيات والتنفيذ من طرفي الوطن في رام الله وغزة هاشم. لكن كيف ينظر المحللون والمواطنون الى دعوات المصالحة وأفقها في كل من الضفة الغربية وغزة؟ الغالبية غير متفائلة بإنجاز المصالحة الموعودة رغم كل الأجواء الإيجابية التي يشيعها القادة، الحمساويون والفتحاويون، أخيراً. في الضفة الغربية، يقول المحلل السياسي محمد هواش إن «الرغبة في المصالحة جدّية والحلم بعيد، والسياسيون لا يقامرون، كما أن العقبات جدية أيضاً». ويضيف أن «حركة حماس ومن يدور في فلك الإسلام السياسي، بشقيه الإخواني والإيراني، لا يريدون لمشروع التسوية المتعثر والمجمّد أن يتقدّم خطوة الى الأمام قبل إنجاز تسويات إقليمية، ويستثمرون كثيراً في هذا الإطار، ولا يريدون أن يقدموا لهذا المشروع ما يدعم فتح آفاق له الآن، ويريدون الهيمنة على القرار الفلسطيني لا المشاركة فيه، وهذه نقطة افتراق كبيرة ومفصلية». ويعتقد أن «كل من يقترب من فكرة الدخول للمشاركة لا للسيطرة داخل تيار الإسلام السياسي تضعف مكانته، ومثال على ذلك خالد مشعل». وخلص الى أن «هناك عقبات أخرى داخل كل فريق من نوع وجود فئة استفادت من الانقسام ولا تريد أن ينتهي، بينهم تجار سلع واحتكارات وتجار سلاح».
أما المحلل السياسي مأمون شحادة، من بيت لحم، فرأى «أنّ التصارع الفلسطيني _ الفلسطيني هو ذاته لم يتغير، لا قبل الحرب الأخيرة على غزّة ولا بعدها؛ فالمصالح الحزبية والتأثيرات الخارجية لا تزال موجودة، وهي تُمارس الآن بشكل أكثر حدّة من السابق». ويعرب عن اعتقاده بأنّّ «الوضع الفلسطيني سيزداد سوءاً، بسبب السياسة المطبقة على أرض الواقع».
المحلل السياسي زعل أبو رقطي كان له رأي آخر، وقال لـ«الأخبار»: «طبعاً بعدما أُنجز من صمود في غزّة وانتصار في الأمم المتحدة وتوافق على الخطوط السياسية بين كل القوى الفلسطينية، لم يعد هناك ما يمنع تحقيق المصالحة». وتوقع أن «تتم المصالحة الشكلية بين الأطراف دون توحيد الأجهزة والمؤسسات بشكل جدي، وتبقى غرة كما هي. ثم تعود الخلافات كما كانت».
لكن المواطن عاطف دغلس من نابلس رأى أن «المصالحة باتت بعيدة جداً، لأن هنالك غياباً حقيقياً لقواعدها في الضفة وغزة». وأضاف «كلا الطرفين بات يدير المرحلة ويدير الصراع»، وبالتالي فإن «كل طرف له مصالحه الخاصة، ويريد الحفاظ عليها».
وتحدث دغلس عن العقبات، وقال إن «فتح والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية لا يمكنهما على الاطلاق وقف التنسيق الامني ووقف ملاحقة عناصر «حماس» واجتثاث الحركة، بحكم أن ذلك هو رغبة إسرائيلية أميركية مشتركة، بل هو اتفاقيات مبرمة أصلاً». أما في قطاع غزة، يتابع دغلس، فإن «حماس، خلال الأعوام الماضية، أعوام الانقسام، بنت لنفسها قواعد متينة استندت إلى المقاومة بكل أشكالها، إضافة إلى رفض التنسيق مع الاحتلال أو التفاوض معه، كما بنت لنفسها كوادر من الحركة وأدخلتهم داخل مؤسسات، وخاصة العسكرية منها، وإن كانت المصالحة ستعمل على اجتثاث هؤلاء الاشخاص من أماكنهم فلن ترضى حماس بذلك بكل تأكيد».
كما في الضفة الغربية كذلك في قطاع غزّة، فإن الأهالي لا يعوّلون كثيراً على التصريحات الأخيرة حول المصالحة، ويعتبرونها مجرد كلام ليس أكثر، مع أن الأمل يحذوهم أن تكتمل فرحة انتصارهم في غزة والأمم المتحدة بتحقيق المصالحة.
ويقول المحلل السياسي أكرم عطا الله، إنه متفاءل، لكن بحذر، وخصوصاً بعد الاتفاقات التي تم التوقيع عليها بين الحركتين، والتي لم يتحقق منها سوى تصريحات إعلامية لم تنفذ على أرض الواقع، مشيراً إلى أنّ التصريحات المتفائلة التي سمعها الفلسطينيون أكثر من مرّة كانت اتهامات متبادلة.
ويشير إلى وجود جهات ممانعة لإتمام تلك المصالحة، وأنها «قوية جداً ولا يمكن الاستهانة بها، نظراً إلى تغلغلها في القضية الفلسطينية، وكان لقاء الدوحة أكبر دليل على ذلك، نظراً إلى وجود أطراف فلسطينية لا تريد أن تتم المصالحة لأنها تضر بمصالحها الخاصة».
ويشير عطا الله إلى أنها لحظة عاطفية يمر بها الفلسطينيون، خاصة بعد إنجازين كبيرين، لكنه يخشى «من تبديد تلك اللحظة حين ينتبه أصحاب الممانعات إلى مصالحهم الخاصة التي تتعارض مع إتمام مصالحة ينتظرها الفلسطينيون».
ويعوّل عطا الله على الدور المهم للمواطنين عند نزولهم إلى الشارع. ويتفق المحلل السياسي مصطفى الصواف، المقرّب من حركة «حماس»، مع عطا الله على أهمية دور الشارع الفلسطيني في الضغط على أطراف الانقسام من أجل تنفيذ مصالحة وطنية حقيقية تأتي للشعب الفلسطيني بالخير، ليكتمل المشروع الوطني، مشيراً إلى أن «الشعب الفلسطيني باله طويل ولكن لن ينتظر كثيراً».
غير أنه لا يتفاءل كثيراً بإتمام المصالحة، محمّلاً السلطة الوطنية برئاسة عباس المسؤولية، ومعتبراً أنها لم تقدم أي إجراءات حقيقية تدل على نيتها في إتمام المصالحة. ويقول «السلطة الفلسطينية لم تتخذ خطوات حقيقية في اتجاه المصالحة وتحضير النية المجتمعية والسياسية لذلك»، مشيراً إلى أن «حماس» هي التي «بادرت حتى الآن إلى خلق الأجواء المناسبة لذلك، من خلال السماح لكوادر «فتح» بالعودة إلى غزة والعفو عنهم».