عاد موضوع الأسلحة الكيميائية السورية إلى الساحة الإعلامية من جديد، إثر تصريح أميركي يحذّر دمشق من استخدام هذه الأسلحة، ما أدى إلى صدور ردّ رسميّ سوري. وأكدت وزارة الخارجية والمغتربين السورية أنّ دمشق لن تستخدم أسلحة كيميائية «إن وجدت» ضدّ شعبها تحت أيّ ظرف كان. وقال مصدر في الوزارة تعقيباً على تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية، التي حذّرت فيها سوريا من احتمال استخدام الأسلحة الكيميائية، إنّ «الوزارة توضح أنّ سوريا أكدت مراراً وتكراراً للجانب الأميركي مباشرة وعبر الأصدقاء الروس، وكذلك الأمين العام للأمم المتحدة أنّها لن تستخدم مثل هذه الأسلحة إن وجدت ضد شعبها تحت أي ظرف كان». وأضاف المصدر أنّ سوريا «تدافع وتكافح مع شعبها ضدّ الإرهاب المرتبط بالقاعدة، الذي تدعمه دول معروفة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة نفسها». وأعرب المصدر عن استهجان الوزارة «إثارة هذا الموضوع من قبل الإدارة الأميركية بشكل مباشر وغير مباشر، سواء معنا منذ بضعة أشهر، أو مع الأصدقاء في روسيا الاتحادية، وذلك بصورة تدعو إلى الريبة في نياتها، وخصوصاً أنّ سجلّ الولايات المتحدة في فبركة مثل هذه المواضيع معروف ومكشوف، ليس آخره مزاعمها المتعلقة بوجود أسلحة دمار شامل في العراق، واستخدامها لهذه المزاعم كذريعة لغزو العراق». وتابع المصدر أنّ «سوريا تدعو الولايات المتحدة التي كانت أول دولة تستخدم السلاح النووي في التاريخ، إلى الكفّ عن فبركة مثل هذه الأمور التي تهدف في أساسها إلى تضليل الرأي العام الأميركي والعالمي، وتشتيت الانتباه عن تورطها في الشأن السوري لجهة ما تقدمه حالياً بنحو سافر من دعم مالي ولوجستي وسياسي للمجموعات الإرهابية».
وكانت وزيرة الخارجية الأميركية قد وجّهت، أثناء لقائها نظيرها التشيكي كارل شوارزنبرغ، في العاصمة التشيكية براغ، «تحذيراً شديداً» إلى النظام السوري بشأن احتمال استخدام أسلحة كيميائية ضد شعبه.
وأكدت كلينتون «أن (استخدام الكيميائي) خطّ أحمر بالنسبة إلى الولايات المتحدة». وأضافت: «مرة جديدة نوجّه تحذيراً شديداً جداً إلى نظام الأسد بأنّ سلوكه مشين. أعماله ضد شعبه مفجعة».
وقالت كلينتون: «لن أدخل في التفاصيل أو أتحدّث عن أيّ اجراءات محدّدة قد نتخذها في حال بروز اثباتات ذات صدقية على استخدام نظام الأسد أسلحة كيميائية ضدّ شعبه». وأضافت: «يكفي القول إنّنا سنتحرك بالتأكيد في حال حدوث هذا الأمر». وتابعت: «لا شكّ في أنّ هناك خطّاً يفصل بين الفظائع التي ارتكبوها ضد شعبهم واحتمال استخدام أسلحة كيميائية تدينه الأسرة الدولية بنحو واسع».
وجاءت تحذيرات كلينتون والتي تبعها تحذير مماثل من البيت الأبيض بالتزامن مع تأكيد مسؤول أميركي طلب عدم الكشف عن هويته لوكالة «فرانس برس»، أن «النظام السوري يقوم بتجميع المكونات الكيميائية الضرورية لتجهيز الأسلحة الكيميائية بغاز السارين على الأرجح».
وأضاف أن «عدداً من المؤشرات يحملنا على الاعتقاد انهم يقومون بتجميع المكونات الكيميائية».
في السياق، ذكر موقع مجلة «أتلانتيك» الأميركية أنّ إسرائيل طلبت من الأردن مرتين، خلال الأشهر الأخيرة، ضوءاً أخضر لمهاجمة المنشآت الكيميائية السورية، لكن طلبها قوبل بالرفض، بذريعة أنّ الظروف لم تنضج بعد. وجاء في التقرير، الذي أعدّه جيفري غولدبرغ ونشره الموقع أمس، أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أرسل مبعوثين من الموساد إلى عمان مرتين لتنسيق مهاجمة المنشآت الكيميائية السورية مع القيادة الأردنية، والحصول على موافقتها لتنفيذ الهجوم. وبحسب التقرير فإن الأردنيين رفضوا الطلب الإسرائيلي، ولم يأذنوا لتل أبيب بمباشرة المهمة. ونقل الصحافي الأميركي عن مصادر استخبارية أميركية قولها إنّ الرسالة الأردنية كانت أنّ الظروف لم تنضج للقيام بخطوة. وذكر غولدبرغ أنّ أحد المسؤولين الكبار الذين تحدث معهم، أوضح أنّ التوجه الإسرائيلي إلى عمّان سببه الخشية من تداعيات الهجوم على الأردن، حيث إنّ «عدداً من المواقع موجودة على مقربة من الحدود الأردنية، والأردنيون حذرون جداً من إغضاب النظام السوري، ويفترضون أنّ السوريين سيشتبهون بمشاركة أردنية في الهجوم الإسرائيلي». وأشار غولدبرغ إلى أنّ، بحسب مصادر استخبارية، طائرات أميركية وإسرائيلية من دون طيار تتابع عن كثب المخزون الكيميائي السوري.
وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد ذكرت، أول من أمس، أنّ مصادر استخبارية غربية تتحدث عن معطيات جديدة عن نشاط في المواقع السورية، التي يخزن النظام فيها الأسلحة الكيميائية. ووفقاً لهذه المصادر، من غير الواضح إذا ما كان الرئيس بشار الأسد يعتزم استخدام هذه السلاح في محاولة أخيرة لإنقاذ نظامه، أو أنّه يريد فقط إرسال تحذير للدول الغربية من التداعيات إن قرّروا زيادة دعمهم العسكرية واللوجستي للمعارضة المسلحة.
ونقلت الصحيفة عن مصدر أميركي رفيع قوله: «من نواحٍ كثيرة يشبه الأمر ما كانوا يفعلونه في الماضي، إلا أنّ أموراً محدّدة يقومون بها الآن تشير إلى أنّهم يعتزمون استخدام الأسلحة الكيميائية؛ فالأمر لا يتعلق فقط بنقل مواد، وهناك أنواع أخرى من النشاط». وأشار المصدر نفسه إلى أنّه حتى الآن لم تتخذ خطوات واضحة باتجاه استخدام أسلحة كيميائية مثل الإعداد لإطلاقها من بطاريات مدفعية، أو إلقائها من الطائرات.
من جهتها، ذكرت صحيفة «غارديان» البريطانية أنّ الطلب الذي تقدمت به تركيا إلى الناتو لنشر بطاريات صواريخ «باتريوت» على الحدود مع سوريا جاء في أعقاب معلومات استخبارية، مفادها أنّ النظام السوري يدرس إمكان إطلاق صواريخ تحمل رؤوساً كيميائية باتجاه تركيا في «أوضاع محددة». ونقلت الصحيفة عن مصادر تركية قولها إنّها تمتلك أدلة موثوقة على أنّه إن لم تنجح الغارات الجوية، التي ينفذها الجيش السوري ضد مقارّ المعارضة، فإن النظام قد يستخدم صواريخ غير تقليدية من نوع سكود كملاذ أخير. ويسود التقدير في أنقرة بأن المناطق التي ستقصف بهذا السلاح هي تلك التي يسيطر عليها المتمردون داخل سوريا، إلّا أنّ هناك خشية من أن يجتاز القصف الحدود، كما حصل في حالات سابقة.
وقال مصدر تركي رفيع المستوى للصحيفة: «يوجد في أيدينا معلومات استخبارية من مصادر مختلفة تفيد بأن سوريا ستستخدم صواريخ بالستية وأسلحة كيميائية».
(الأخبار، أ ف ب، يو بي آي)