قرر نادي القضاة ورؤساء أندية القضاة في الأقاليم أمس مقاطعة الإشراف على الاستفتاء على مشروع الدستور.
وقال رئيس نادي قضاة البحيرة، المستشار عبد الرحيم يوسف، خلال المؤتمر الذي عقد عقب الاجتماع، إن قرار المقاطعة يرجع إلى عدم استجابة الرئيس محمد مرسي لمطالب القضاة بإلغاء الإعلان الدستوري. ومن بين الأسباب الإضافية التي ذكرها «الخشية من عدم التأمين الكافي للجان الانتخابية خلال الاستفتاء على الدستور»، ولا سيما بعد ما حدث أمام المحكمة الدستورية من محاصرتها ومنع القضاة من دخولها.
وبهذا القرار يكون الصراع بين القضاة والرئيس محمد مرسي وجماعته قد دخل منحىً جديداً، ولا سيما بعدما استطاع الأخير حشد أنصاره ومؤيديه لإلزام المحكمة الدستورية العليا بعدم التصدي للإعلان الدستوري الأخير. ولم يتبقّ أمام الرئيس وجماعته إلا معركة أخيرة تتعلق بإمرار دستور الإخوان عن طريق الاستفتاء. فقضاة المحكمة الدستورية وجدوا أنفسهم أمس محاصرين بحشود من أنصار مرسي الذين طوّقوا مبنى المحكمة ومنعوهم من الوصول إليه. أمام هذا الوضع، وجّه القضاة كلمة إلى الشعب ليطلعوه على كيفية ترصّد النظام لهم وإجبارهم على ضرورة التوقف عن أداء عملهم. ومما قاله القضاة في بيانهم «لم يعد أمامنا اختيار إلا أن نعلن لشعب مصر العظيم أننا لا نستطيع مباشرة مهمتنا المقدسة في ظل هذه الأجواء المشحونة بالغل والحقد والرغبة في الانتقام واصطناع الخصومات الوهمية، ومن ثم نعلن تعليق جلسات المحكمة إلى أجل نقدر فيه على مواصلة رسالتنا والفصل في الدعاوى المطروحة على المحكمة بغير أية ضغوط نفسية ومادية نتعرض لها».
قضاة المحكمة وصفوا ما تعرضوا له، مشيرين إلى أنه «عندما بدأ توافد قضاة المحكمة في الصباح الباكر لحضور جلستهم، ولدى اقترابهم من مبناها، تبين لهم أن حشداً من البشر يطوقون المحكمة من كل جانب، ويوصدون مداخل الطرق إلى أبوابها، ويتسلقون أسوارها، ويرددون الهتافات والشعارات التي تندد بقضاتها، وتحرض الشعب ضدهم، ما حال دون دخول من وصل من القضاة، نظراً إلى ما تهددهم من أذى وخطر على سلامتهم، في ظل حالة أمنية لا تبعث على الارتياح». الحالة الأمنية التي يتحمّل مسؤوليتها مرسي باعتباره رئيس السلطة التنفيذية، ومن بعده رئيس الحكومة هشام قنديل إلى جانب وزارة الداخلية، تنصلت منها الأخيرة. وردت الوزارة على بيان الدستورية ببيان آخر، أكدت فيه أن «قوات الأمن التي تتولى حماية مقر المحكمة تحكم سيطرتها على المداخل والمخارج الخاصة بالمبنى لتأمين دخول القضاة وجميع العاملين في المحكمة، وهو ما مكّن من دخول العاملين في المحكمة وبعض المستشارين والمحامين منذ الصباح لممارسة عملهم». ولم تنس أن تؤكد الداخلية سلمية تظاهر الإسلاميين أمام المحكمة، وهو ما اعتبره كثير من القضاة «يوماً حالك السواد في سجل القضاء المصري، لم يكتف فيه الرئيس محمد مرسي بإصدار قرارات غير شرعية تغل أيدي القضاة عن ممارسة دورهم، بل بعث إليهم مؤيديه وأنصاره ليمنعوهم بالقوة عن أداء عملهم ومجرد اعتلاء منصة العدالة».
المستشار محمود ذكي، نائب رئيس مجلس الدولة، أوضح أن جلسة المحكمة الدستورية التي منع مستشاروها من عقدها أمس، لم تكن جلسة أحكام لدعاوى حل مجلس الشورى والجمعية التأسيسية، كما تردّد القوى الإسلامية، بل كانت مجرد جلسة إجرائية تم الترويج لها بحجة تبرير قرارات الرئيس المنعدمة قانوناً. وأضاف «أهم ما كان سيجري، أن نظر المحكمة للدعاوى كان سيكون بمثابة اعتراف ضمني منها بإسقاط الإعلان الدستوري الأخير لمرسي». ولفت إلى أن ما حدث أمام المحكمة الدستورية العليا يعدّ جرائم جنائية «تتمثل في منع موظف عام من تأدية وظيفته، التعدي على السلطة القضائية، التعدي على هيبة القضاة، إنكار العدالة». ورأى أن الموجودين أمام الدستورية هم مضللون ويجب مقاضاة محرّضيهم، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية الذي وجّه كلمات صريحة في أكثر من خطاب له محرّضة على قضاة المحكمة الدستورية العليا. وشدد على أن مجرد الضغط على القاضي بالرأي العام هو جريمة يعاقب عليها القانون. وأشار إلى أن قضاة المحكمة الدستورية العليا يستطيعون أن يقاضوا مرسي أمام محكمة العدل الدولية بتهمة تسبّبه في انهيار السلطة القضائية والتعدّي على سيادة القانون، إلى جانب مخالفته للاتفاقيات الدولية التي تؤكد سيادة القانون. تعليق المحكمة الدستورية العليا لعملها يعني أنه لا سبيل لمواجهة الإعلان الدستوري الأخير لمرسي إلا عن طريق محكمة القضاء الإداري التي من المقرر أن تنظر غداً في الدعاوى المطالبة بإلغاء الإعلان الدستوري. لكن حسب مصادر قضائية في المحكمة، من المقرر أن يؤجّل النظر في تلك الدعاوى إلى ما بعد 15 كانون الثاني، الموعد المحدد لعقد الاستفتاء على الدستور. وهو ما يعني أن إمكانية تصدي القضاء للإعلان الدستوري الأخير لمرسي أصبح منعدماً، بعد نجاح الإسلاميين في الضغط على قضاة الدستورية العليا بكافة الطرق. فرئيس حزب الحرية والعدالة، الناطق بلسان الجماعة، محمد سعد الكتانتي، اكتفى بالتعليق على الأحداث التي شهدها مقر المحكمة الدستورية العليا بتوجيه نداء إلى المتظاهرين حول مبنى المحكمة الدستورية بالالتزام بقواعد التظاهر السلمي التي يحددها القانون. وأشار إلى أن الحزب يرفض استخدام العنف في التعبير عن الرأي.
في ظل هذا الوضع، يدخل الصراع بين القضاء والرئيس منحىً جديداً يتركز على مدى إمكانية إمرار مسوّدة الدستور التي أعدّتها الجمعية ذات الأغلبية الإسلامية، في ظل وجوب إشراف القضاة على الاستفتاء. وتحسباً لأي مقاطعة من القضاة، أكد وزير العدل أحمد مكي ووزير الدولة للشؤون القانونية والنيابية محمد محسوب أنه «في حال امتناع القضاة عن الإشراف على الاستفتاء، هناك هيئات قضائية بديلة سوف تتولى هذه المهمة»، وهو مارد عليه قضاة لـ«الأخبار»، مؤكدين أن الأمر يتوقف على مدى استطاعة القضاة المضي قدماً في مواجهة الرئيس وجماعته وحكومته. فالرئيس، بموجب الإعلان الدستوري الأخير، لديه صلاحيات لا حدود لها، تمكّنه من إجراء تعديل تشريعي يحرم القضاة من الإشراف على الانتخابات بشكل عام. وهو ما يتعارض مع مصالح المواطنين قبل القضاة الذين شددوا على أن الاستفتاء لن يكون على مسودة دستور الإخوان، بل على شرعية الجماعة ورئيسها.