بعد أسبوع من حشد القوى والحركات السياسية المناهضة للإعلان الدستوري وللجمعية التأسيسية لأنصارها، تخللها تنظيم 3 مليونيات، جاء رد الإسلاميين حاسماً على ثلاث جبهات. الرد الأول جاء في معركة الميادين والحشد العددي. واستطاع الإسلاميون حشد مئات الآلاف في المليونية التي دعوا إليها أول من أمس أمام جامعة القاهرة. وغصت الشوارع المحيطة بالجامعة بالمتظاهرين. وامتدت صفوفهم حتى منطقة الدقي وميدان الجيزة في مشهد أراد حزب الحرية والعدالة إظهار ضخامته، فاستأجر طائرة هليكوبتر لتصويره من الجو.
كذلك، ذهب أعضاء 7 محافظات للتظاهر في أسيوط جنوب مصر. ولم يمنع ذهاب الحشود إلى القاهرة من تحقيق حشد بالآلاف في محافظات أخرى كالإسكندرية بدعوة من أعضاء الجماعة الإسلامية وعدد من أعضاء الجماعات الجهادية والإسلاميين والسلفيين المستقلين ومؤيدي مرسي.
وقد جاء هذا الرد بعدما استشعر الإسلاميون ومن يؤيدون مواقفهم في الوقت الحالي، بأن معارضيهم رفعوا سلاح الحشود أكثر من مرة للدلالة على وجود رفض شعبي لسياسات مؤسسة الرئاسة التي يقبع على رأسها شخصية إسلامية. هذا الأمر جعل الإسلاميين يشعرون بخطر السكوت على تصويرهم بأنهم أقلية.
ونجح مرسي في استغلال هذا الحشد لتأمين الغطاء الشعبي لموعد الاستفتاء الذي حدده في الخامس عشر من الشهر الحالي. فبينما كانت كل التسريبات والمؤشرات تؤكد أن مرسي سيحدد أول من أمس موعد الاستفتاء على مشروع الدستور، كان لا بد من غطاء شعبي لمواجهة الضغوط المتعددة التي يتعرض لها، وخصوصاً أنه خسر بعض حلفاء الأمس في الانتخابات الرئاسية. هذه الخسارة كانت تعني أن الغطاء السياسي بات شبه مرفوع عنه، أو عند الحد الأدنى ليس كافياً للاستمرار في المعركة. ولذلك، جاء إعلان موعد الاستفتاء على الدستور متزامناً مع احتشاد مؤيديه في الشارع، في أعقاب تسليم المستشار حسام الغرياني، رئيس الجمعية التأسيسية، مرسي النسخة النهائية لمسودة الدستور، بشكل رسمي في اجتماع الجمعية ورموز الدولة الرسمية.
أما الرد الثالث، فجاء في صيغة قدرة مرسي على تصوير الأمر على أنه لا استقرار إلا عبر خريطة الطريق التي وضعها، والتي يمشي فيها بثقة ودأب. ويخوض فيها معارك تكتيكية تعتمد على مبدأ «لكل حادثة حديث». وهي الفكرة التي قالها في خطابه أول من أمس، تعليقاً على تهديد الكثير من القضاة بعدم الإشراف على الاستفتاء.
ويرى البعض أن هذا الوضع دفع المتفرجين، أو ما يعرف باسم «حزب الكنبة»، الى الاصطفاف في جزء كبير منه خلف مرسي وتأييد قراراته، كنوع من الخروج من الوضع الحالي، والعودة إلى الاستقرار كما صوّر لهم الرئيس.
لكن على الرغم من هذه الردود الحاسمة في شكلها الخارجي، إلا أن الضغوط من الجانب الآخر، ولا سيما من شباب الحركات الثورية وآلاف المعتصمين في ميدان التحرير ومعهم القوى العلمانية والكنيسة لا تزال مستمرة.
لكن هذه القوى أيقنت أن مجرد الضغط من خلال التظاهر نصف الأسبوعي أو الاعتصام بات لا يجدي نفعاً بمفرده، ولذلك خرج عدد من السيناريوهات المؤجلة لدراسة إمكان استخدامها. أول هذه السيناريوهات كان الدعوة إلى عصيان مدني غداً ورفع شعار «العصيان المدني سلاح، في أيدي العامل والفلاح». وهو ما بدأت حركات كثيرة بالتحرك على الأرض للدعوة له عبر الملصقات ومجموعات طرق الأبواب في المقاهي والتجمعات المهنية، مثلما فعل «ائتلاف ثوار جامعة الإسكندرية» وغيرهم، وذلك في محاولة لإحداث نوع من الشلل الإداري والإنتاجي في الدولة لإجبار مرسي على التراجع. وبالتزامن، ستقوم صحف خاصة وحزبية بالاحتجاب احتجاجاً في اليوم نفسه.
أما السيناريو الثاني، فيتمثل في محاصرة قصر الاتحادية ومباني المحافظات ومبانٍ رسمية حكومية، كآلية للتصعيد مشابهة لما جرى في يوم تنحّي حسني مبارك. ويهدف هذا السيناريو إلى وضع مؤسسات القوة، ولا سيما الجيش في موضع صعب يجبرها على تخلّيها عن حيادها أو عدم الاكتفاء بالمشاهدة. كما أن هذا الوضع يحرج هذه المؤسسات سياسياً في حال تصاعد حدة المواجهات.
أما السيناريوهان الأخيران، فلا تزال هناك دراسة للمفاضلة بين أحدهما. الأول يرى ضرورة مقاطعة الاستفتاء لنزع الشرعية عنه. ويفضل كثيرون هذا السيناريو على اعتبار أنه يسمح بآليات احتجاج أخرى، استناداً إلى عدم الاعتراف بهذا الدستور، ولا سيما مع تهديد قطاع من القضاة بعدم الإشراف عليه. أما السيناريو الآخر، فيميل إلى المشاركة في الاستفتاء والدعوة إلى التصويت بـ«لا» عليه في محاولة لإسقاطه. وهو السيناريو الذي لا يرجحه كثيرون بعد الاستعراض العددي الذي تم أول أمس من قبل الإسلاميين.
ويتوازى مع هذه السيناريوهات، الشق القانوني الذي يستدعي القضاء إلى المشهد في صورة أخرى غير صورة المقاطعة. إذ أقام المرشح السابق للرئاسة أبو العز الحريري، أمس، دعوى قضائية عاجلة ضد الرئيس محمد مرسي بصفته الرئاسية لإلغاء قراره بالإعلان عن الاستفتاء على مشروع الدستور، فضلاً عن دعويين أخريين لإلغاء الإعلان الدستوري الصادر في 11 آب و22 تشرين الثاني.
وفي ظل هذا الوضع، فإن التقدم أو الانتصار في هذه الجولة للإسلاميين لا يعني نهاية المطاف. فالقوى الأخرى مصممة على المواجهة حتى النهاية، بينما لم يحسم القضاء موقفه، ويصمت الجيش، بما يعني أن السيناريوهات لا تزال كلها مفتوحة. ويبقى كما قال مرسي «لكل حادثة حديث».