كشفت مصادر مطلعة أنّ الوفد البريطاني الذي زار لبنان، مطلع الشهر الحالي، قام خلال لقاءاته بمسؤولين لبنانيين، بجسّ نبض امكان أن يشارك لبنان في تطبيقات خطة سيعلَن عنها بدايات العام المقبل، تتعلق بفرض حظر جوي مدني دولي على سوريا. وفي المعلومات أنّ الوفد، الذي ضمّ ضباطاً من الاستخبارات البريطانية، كشف لمسؤولين في لبنان، عن أنّ هذا الاجراء، يمثل خطوة متقدمة في مسيرة فرض العقوبات الدولية من خارج مجلس الأمن ضد سوريا، وأنّ التوافق عليه جرى بين دول من أصدقاء الشعب السوري خلال اجتماع المعارضة السورية الأخير في الدوحة، والهدف منه تعجيل اسقاط الرئيس بشار الأسد، وفق مدى زمني متوقع، هو ستة أشهر. وكانت شخصية سياسية لبنانية قد نقلت، هذا الاسبوع، عن رئيس الحكومة القطرية الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، قوله إنّ فترة الستة أشهر جرى تداولها في كواليس اجتماع الدوحة، كسقف زمني متوقع لاسقاط الأسد. وعلمت «الأخبار» أنّ الوفد البريطاني أكد لبعض محادثيه من المسؤولين اللبنانيين، أنّ مجيئهم إلى لبنان يأتي ضمن جولة تقوم بها شخصيات مشتركة من وزارة الخارجية والاستخبارات البريطانية، على دول الجوار السوري، لاقناعها بتقديم تعهّد مسبق بأنها ستلتزم بموجبات قرار دولي سيعلن قريباً، ينصّ على فرض حصار مدني جوي على سوريا.
وبحسب المعلومات المستقاة من تسريبات منسوبة لأعضاء الوفد البريطاني، فإنّ لندن تقود نيابة عن دول «أصدقاء الشعب السوري»، متابعة ملف إعداد هذه الخطوة وانجاحها، بوصفها إحدى الحلقات المتقدمة في مسار فرض الضغوط على النظام السوري لتعجيل اسقاطه. وتريد بريطانيا، طبقاً لكلام وفدها، ضمان عدم فشل تنفيذ هذا القرار بعد اعلانه، وذلك من خلال الحصول مسبقاً على موافقة دول جوار سوريا بأنها ستلتزم به، لحظة خروجه إلى النور. وبمقتضاه، سيكون على دول جوار سوريا، الالتزام بأمرين اثنين أساسيين، الأول، عدم السماح لأيّ طائرة تقلع من مطار دمشق أو تتوجّه للهبوط فيه من عبور أجوائها (أيّ دول جوار سوريا). وهذا يعني، عملياً، أنّ على هذه الدول إقفال أجوائها السيادية بوجه حركة الطيران المدني من سوريا وإليها.
الأمر الثاني هو امتناع مطارات دول جوار سوريا، عن استقبال أيّ طائرة آتية من مطار دمشق أو أيّ طائرة ستقلع منها إلى مطار دمشق، سواء برحلة مباشرة أو حتى غير مباشرة. وفي الحالة الأخيرة، يتعيّن على سلطات الملاحة في دول جوار سوريا، ضمان صرامة تنفيذ الحظر من خلال إعلانها حرمان أيّة شركة سفر جوي، تستخدم مطاراتها، على نحو غير مباشر، للوصول إلى مطار دمشق عبر بلد ثالث، من استخدام مطاراتها في المستقبل. وتفيد المعلومات بأنّه لغاية الآن، فإن كلّاً من لبنان والعراق، من بين دول جوار سوريا، رفض الالتزام بالمقترح البريطاني. وذلك لا يعني أنّ لندن لن تعاود المحاولة مرة ثانية وثالثة معهما، بغية حملهما على تعديل موقفهما، بدليل أنّ الاستخبارات البريطانية استحدثت، أخيراً، مكتباً لها في العاصمة الأردنية عمان، غايته متابعة هذا الملف وانجازه، إضافةً إلى مهمة مواكبة قريبة للوضع السوري في هذه المرحلة الحاسمة.

الأردن يلتزم

تؤكد المعلومات أنّ مكتب الاستخبارات البريطانية المستحدث في الأردن، مصمَّم له أن يؤدي دوراً مهماً في متابعة تنفيذ جملة إجراءات أقرّت على هامش اجتماع الدوحة، ذات صلة بتشديد هجمات المعارضة المسلحة على المدن السورية الرئيسة، وأيضاً، الاشراف على دقّة التزام دول جوار سوريا بتنفيذ قرار الحظر الجوي المدني بعد اتخاذه. وبحسب هذه المعلومات، فإنّه خلال الشهرين الماضيين واجهت عمان حملة ضغوط غربية وخليجية عربية غير مسبوقة، من أجل تعديل قرارها بتقنين استخدام أراضيها من قبل المعارضة السورية لإدخال السلاح والعناصر إلى الداخل السوري. وكان الأردن، طوال الفترة الماضية، قد حرص بتوصية من مؤسستي الجيش والاستخبارات، على تقنين منسوب إسهامه في الجهد الدولي والعربي الميداني لاسقاط النظام. ويقف خلف هذا السلوك، تخوّف المؤسسة الأمنية الأردنية، من أن تعاظم قوة الاسلام السياسي، وخصوصاًَ الاخوان المسلمين في سوريا، سيكون له تبعات مماثلة داخل الأردن.
ونقلت مصادر دبلوماسية إلى «الأخبار» وقائع ضغوط ومفاوضات جرت خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة بين بريطانيا والسعودية، ومع الملك الاردني عبد الله بن حسين من جهة ثانية، لثنيه عن موقفه تجاه الحدث السوري، وانتهت برضوخه لمطلبهما. وكشفت هذه المصادر عن أنّ عمان أبلغت كلاً من بريطانيا والسعودية أنّها تخشى على أمنها الداخلي، فيما لو استجابت لطلبهما انشاء مخيّمات إضافية للنازحين وللمعارضة السورية فوق أراضيها. وتذرّع الملك الأردني، آنذاك، بأنّ استخباراته لديها معلومات بأنّ الأمن السوري سيدسّ بين النازحين والمعارضين خلايا نائمة تابعة له، لتقوم بتنفيذ عمليات تصفية داخل الأردن ضد معارضين، ولنقل الفوضى من سوريا إلى الأردن لتخفيف الضغط عن النظام. كذلك رفض الأردن، لاحقاً، طلباً آخر من الجهات عينها، لفتح مراكز تدريب وجمع سلاح للمعارضة السورية، بإشراف الأخيرة، فوق أراضيه. ومقابل هذا الرفض، واجه الأردن خلال الأسابيع الماضية الأخيرة، حملة ضغوط غير مسبوقة، سواءٌ لجهة نوعية مضمونها ولجهة الدول التي قامت بها. فلقد أبلغ الأردن أخيراً، عبر القنوات الرسمية، غضب كل من دولتي الكويت والإمارات، بسبب توافر معلومات لديهما عن أن الاستخبارات الأردنية ترعى خلايا تخريبية في أراضيهما. وأرسل الملك، إثر تلقيه هذه الشكاوى، نهاية الشهر الماضي، وفداً من وزارة الخارجية والاستخبارات الأردنية إلى الدولتين لدحض الأمر، لكنّ الوفد فوجئ بتشبث الدولتين عند اتهاماتهما، ما جعل الملك يستنتج بأنّ ما يحصل هو حرب ضغوط لإرغامه على الانخراط لوجستياً بأجندة دعم الحملة العربية والغربية لاسقاط الأسد. وتأكد لملك الأردن ذلك أكثر، بعدما رفعت بريطانيا غطاءها عن التوازن الداخلي الذي كانت قد أمنته له، لضمان بقاء ملكه، وقوامه جعل السلفيين الأردنيين يستمرّون في التحالف معه بوجه معارضة الإخوان.وأدّى انسحاب كلّ من بريطانيا والسعودية، من استمرارهما في دعم هذا التوازن، إلى نشوء جبهة اسلامية ضدّه. وهو أمر سيظلّ مستمراً كورقة ابتزاز، لضمان توجهه نحو دعم جهود اسقاط النظام السوري، وخصوصاًَ في هذه المرحلة التي يعتبرها دول «أصدقاء الشعب السوري» بأنها حاسمة.