عدن | نجح الحراك الجنوبي في إقامة مهرجان ضخم، هو الأكبر في تاريخ الجنوب، لمناسبة إحياء الذكرى الخامسة والأربعين للاستقلال عن الاحتلال البريطاني في الجنوب. وحرص الحراك على أن يحشد أكبر عدد ممكن من الجماهير في محافظة عدن، التي كانت عاصمة اليمن الجنوبي قبل الوحدة في محاولة لإيصال أكثر من رسالة، وخصوصاً قبل مؤتمر الحوار الوطني الذي يرفضه الحراك، وقبل أن يرفع المبعوث الأممي جمال بن عمر تقريره الجديد إلى مجلس الأمن. ولعل أبرز الرسائل وجهت إلى القوى السياسية في صنعاء، ومفادها أن من يمثل شعب الجنوب هو الحراك الجنوبي فقط، لا الكيانات التي تحاول بعض القوى في صنعاء تفريخها في الجنوب للمشاركة في مؤتمر الحوار باسم الحراك. وكان أنصار الحراك قد بدأوا بالتوافد إلى محافظة عدن منذُ أول من أمس، حيث أقيمت أمسية فنية ساهرة في ساحة الشهداء في المنصورة. أما أمس، فبدأت الجماهير تتوجه مشياً على الأقدام من مدينة المنصورة وحتى مدينة المعلا (ما يقارب 15 كيلومتراً) لإقامة صلاة الجمعة في الشارع الرئيسي في مدينة المعلا، والصلاة على جثمان فيروز اليافعي، التي قتلت على أيدي الأمن المركزي قبل أكثر من شهر. المسيرة نفسها اتجهت من جديد إلى مدينة المنصورة لإقامة المهرجان المركزي، حيث احتشد الآلاف من مختلف المحافظات الجنوبية، مرددين شعارات تدعو إلى فك الارتباط. ومن أبرز الشعارات التي رفعها المتظاهرون: «يا بن عمر يا زياني هذا الاستقلال الثاني»، في إشارة إلى قرب الخلاص ممّا يسمونه «الاحتلال الشمالي». كذلك رفعت أعلام دولة الجنوب السابقة بكثافة لأول مرة في محافظة عدن، حيث أتى المهرجان في ظل توحد معظم قيادات الحراك خلف التحرير والاستقلال بعد رفع قيادات مؤتمر القاهرة لسقف مطالبهم من الفدرالية إلى التحرر والاستقلال.
واللافت أن قوات الأمن المركزي والجيش لم تحضر بكثافة، وحتى النقاط الأمنية لم تعترض الجماهير القادمة من المحافظات الجنوبية، على عكس ما كان يحصل سابقاً، حيث كانت تُمنع إقامة المهرجانات والفعاليات التابعة للحراك. وكانت الجماهير الجنوبية تُمنَع من خارج عدن من الدخول إليها، فضلاً عن منع رفع الإعلام الجنوبية؛ إذ كانت هذه الخطوة تعد جريمة في عهد الرئيس السابق علي صالح.
هذه الحماسة المنقطعة النظير عبّر عنها الشاب إياد، الذي كان يمشي على قدميه من المنصورة إلى المعلا حاملاً علم الجنوب، مؤكداً أن الواجب يحتم علينا المشاركة في هذا المهرجان، على أمل أن يكون الاستقلال الثاني قريباً. وأضاف: «نريد أن نوصل رسالة لعل وعسى أن يفهم العالم ما نريد. صحيح أنه لا يوجد تعتيم إعلامي، لكن إصرارنا وعزيمتنا سيكسران هذا التعتيم، وسيأتي اليوم الذي تأتي فيه هذه القنوات تقدم اعتذارها لشعب الجنوب». أما عبد الفتاح السقلدي، من المركز الإعلامي في خور مكسر، فرأى أن «الشعب الجنوبي خرج عن بكرة أبيه بحشد جماهيري كبير ليوجه رسالة إلى الداخل والخارج، مفادها أن هذا الشعب عرف طريق الحرية، ولا يمكن أن يتراجع عن حقوقه قيد أنملة مهما كلف الثمن».
من جهته، أكد الناشط الشبابي بسام جمال أن المهرجان الحاشد هو بمثابة إعلان الاستقلال الثاني. ورأى أن «هذه الحشود حضرت من مختلف مناطق الجنوب لتوصل رسالة إلى رعاة المبادرة الخليجية والمجتمع الدولي، أن شعب الجنوب يقرر مصيره علناً، وفي مهرجان مفتوح». وأضاف: «هذه المسيرة تؤكد رفضها لما يسمى الحوار الوطني الذي يستند إلى المبادرة الخليجية التي تجاهلت القضية الجنوبية»، معرباً عن توقعه أن «تؤثر هذه الجماهير على تقرير جمال بن عمر الذي سيقدمه لمجلس الأمن». أما عزيز العيدروس، فقال إن مهرجان اليوم، يمثل مرحلة كاملة من تاريخ الجنوب، حيث برهن الشعب الجنوبي على أنه عظيم يستحق الحرية. وأضاف: «اليوم أثبت الجنوبيون ماذا يريدون وعلى العالم احترام رغباتهم».
هذه الحماسة انسحبت أيضاً على المكلا، ثانية كبرى مدن الجنوب، التي شهدت مهرجاناً كبيراً لأنصار الحراك حضره الآلاف. وندد المشاركون بالحوار الوطني المزمع إجراؤه، مرددين شعار «لا تفاوض لا حوار نحن أصحاب القرار».
على المقلب الآخر، نظم حزب الإصلاح مهرجاناً جماهيرياً في عدن، في محاولة منه للرد على الحراك وإيصال رسالة مفادها أن حزب الإصلاح لا يزال قوياً. واحتشد المئات من أنصاره في ساحة التغيير في مدينة كريتر في عدن ورفعوا أعلام اليمن ورددوا الشعارات الوحدوية.
وفي السياق (يو بي آي)، دعا الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قوى الحراك الجنوبي وكل القيادات الجنوبية، المعارضة الموجودة داخل اليمن وخارجه إلى المشاركة في مؤتمر الحوار «ليطرحوا كل ما لديهم بلا حدود أو خطوط حمراء»، وحتى يتوصل الجميع إلى حلول مرضية ومتفق عليها». وشدد على أن «مؤتمر الحوار الوطني الشامل سيمثل أول فرصة حقيقية لمناقشة وتقويم مسيرة الوحدة اليمنية وما رافقها من عثرات وسلبيات، وسيهيئ الفرصة التامة للتوصل إلى الحل العادل والمنصف الذي يرضاه الجميع للقضية الجنوبية».