بعض المحللين «لم يفاجأوا» بالإعلان الدستوري والتعديلات غير الديموقراطية التي أجراها الرئيس محمد مرسي وقالوا إن «نهج الإخوان المسلمين لم يكن يوماً ديموقراطياً»، والبعض الآخر أبدى استغراباً من خطوة الرئيس المصري التي جاءت مباشرة بعد الانجاز الذي حققه في تهدئة عدوان غزة... معظم الصحافيين الاميركيين انتقدوا ردة فعل واشنطن التي كانت تشبه الى حد بعيد ردود الفعل المموّهة والعمومية التي كانت تطلقها الادارة الاميركية تجاه تجاوزات الرئيس المخلوع حسني مبارك.

«عار على من اعتقد يوماً أن محمد مرسي معتدل»، تحت هذا العنوان كتب أحد محللي «معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى»، إريك تراغر، في مجلة «ذي نيو ريبابليك». وقال «لا يجب أن يفاجأ أحد من إحكام مرسي يده على كامل السلطة من خلال الاعلان الدستوري الذي سبقته تدابير مشابهة اخرى منذ تسلمه الرئاسة». تراغر يرى أن واشنطن «أُخذت على حين غرّة، إذ إن تصرفات مرسي الاخيرة تناقض وصف الادارة الاميركية لجماعة الاخوان المسلمين بأنها حزب ديموقراطي». «أضف روابط الثقة التي نشأت أخيراً بين مرسي وباراك أوباما بعد اتفاق التهدئة في غزة»، يضيف تراغر. الصحافي يصف البيان الذي صدر عن وزارة الخارجية الاميركية حول أحداث مصر، والذي دعا «جميع المصريين الى العمل على حل خلافاتهم بالطرق الديموقراطية والحوار» بـ«المرتبكة». ويقول إن هذا كان متوقعاً من قبل واشنطن. تراغر يسرد في مقاله الأسباب التي تبيّن أن «الاخوان» ليسوا ديموقراطيين كما تعتقد واشنطن، ويحثها على فكرة أن «الحوار الديموقراطي مع الاخوان هو أمر مستحيل». ويلفت تراغر إلى أن مرسي «ذهب الى التصادم بدل البحث عن تسوية عند أولى التظاهرات التي خرجت ضده». ويشير الى أن أبرز المدافعين الأميركيين سياسياً عن الاخوان المسلمين باتوا يطالبون واشنطن باستخدام عصا المساعدات المالية لكي يتراجع مرسي عن قراراته.
وحول ردة فعل واشنطن بالذات، كتب زاك غولد في مجلة «ذي ناشيونال إنترست» منتقداً «عدم تسمية بيان الخارجية الاميركية مرسي بالاسم وعدم توجيه اللوم الى الرئاسة المصرية بشكل مباشر». لذا، دعا غولد الادارة الاميركية الى عدم الصمت وعدم المراوغة حيال خطوات الرئاسة المصرية «التي لا تتوافق مع الديموقراطية».
من جهته سأل إش.إي. هليير من «معهد سابان لسياسة الشرق الاوسط»، «هل انتهت ثورة ٢٥ يناير في مصر؟». حاول هيليير الاجابة عن هذا السؤال بتخفيف وطأة ما ارتكبه مرسي أخيراً، فقال «إن ما فعله الرئيس المصري ليس تغييراً في قوانين اللعبة، بل اختراع قوانين في ظل غيابها». هليير يشير أيضاً الى الانقسام السياسي الحاصل في البلد إذ «لا الرئيس مرسي يستطيع أن يقول إنه يملك أكثرية الشارع ولا المعارضة تستطيع قول ذلك أيضاً، لأن غالبية المصريين هم فعلياً الذين يريدون الاستقرار والهدوء في البلد».
«إن قرار مرسي الأخير عزّز الشكوك بأنه أشبه بالطاغية الذي حلّ محلّه من الرئيس الديموقراطي الذي يتوق اليه المصريون»، تقول افتتاحية صحيفة «ذي نيويورك تايمز». وتضيف «مرسي يستحق الإشادة بما قام به للتوصل الى تهدئة في غزة صحيح، لكن واشنطن لا يجب أن تتردد بإدانته عندما يقوم بسحق الديموقراطية في بلده».
روسياً، علّقت مارينا سابرونوفا، في صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا»، على الأحداث المصرية بالقول إن «ما يحدث في مصر ليس وليد الصدفة، بل كان هناك الكثير من المؤشرات على قرب انفجار الأوضاع». سابرونوفا تضيف إن «الأمور، لم تقف عند حد الجمود في مصر وعدم تحقيق الديموقراطية، بل سارت نحو إعادة إنتاج النظام القديم». لذا، ترى الصحافية الروسية أن «من المرجح أن يبحث الرئيس المصري عن حل وسط، لأن الذهاب إلى مواجهة مفتوحة مع نصف المجتمع، ومع السلطة القضائية، يمكن أن يؤدي الى ما لا تحمد عقباه، بالنسبة لمستقبله السياسي، وبالنسبة لأمن البلد واستقراره». كما تشير الى أنه «يجب على كافة أطراف المعارضة أن ترص صفوفها لتحقيق أكبر قدر ممكن من تطلعاتها كونها لن تستطيع إزاحة الرئيس عن السلطة لأن الإسلاميين لن يتركوه فريسة سهلة لها».
أما الكاتب التركي سميح إيديز، في «حريات دايلي نيوز» التركية، فرأى في خطوات مرسي الاخيرة «إنذاراً لتركيا». إيديز يسأل عن السبب الذي دفع مرسي لـ «تشويه صورته دولياً باعتماد خطوات ديكتاتورية بعد النجاح الذي حققه في الوساطة بين حماس وإسرائيل». ويجيب «إنه مهما كان السبب، فإن ما فعله مرسي يؤكد أنه لا يزال أمام الربيع العربي مسافات تفصله عن تفتّح الديموقراطية الحقة في المنطقة». ولتثبيت نظريته، يشير كاتب المقال الى أن إسلاميي مصر سينزلون بكثافة الى الشوارع لتأييد قرارات مرسي، كما يفعل حزب العدالة والتنمية في تركيا. لكن، يردف إيديز، «أن الاعتماد على الحشد والأرقام الضخمة يشير الى أن الإسلاميين لم يفهموا بعد معنى الديموقراطية الحقيقية».
لماذا تشكل خطوات مرسي إنذاراً لتركيا اذاً؟ يشرح الكاتب أن ما قام به مرسي أخيراً «يجب أن ينبّه الأتراك الى ما يجول حقيقة في النوايا الدفينة لرجب طيب أردوغان ونزعاته الديكتاتورية، وخصوصاً أنه يتطلع اليوم الى شغل منصب الرئاسة».