لا يبدو أن مشكلة الطائرة الروسية التي سقطت في سيناء، قبل أسبوعين، ستكون مشكلة شرم الشيخ فقط، التي كتب عن انهيار السياحة فيها ما كتب، بل ستصير مشكلة تتعلق بمصر كلها، أكان ذلك في الجانب السياحي المرتبط باقتصاد البلاد بصورة رئيسية، أم بإجراءات أخرى تتعلق بالرحلات المغادرة من مصر إلى بلدان أخرى. ويوم أمس، زاد على القرارات الروسية جرعة أخرى تمثل تصعيداً في القلق الأمني من مصر، بعدما منعت سلطات الطيران الروسية شركة «مصر للطيران» من تسيير رحلات إلى روسيا، استناداً إلى تعليمات «الوكالة الفدرالية الروسية المكلفة النقل الجوي».
وسيطبق هذا القرار بدءاً من اليوم السبت دون أن توضح المصادر الروسية الأسباب الموجبة لذلك، بعد قرار آخر بمنع سفر الطائرات الروسية إلى مصر كلها، إلا لإجلاء من بقي من السياح الروس فيها، في وقت أعلن فيه وزير الطيران المدني المصري، حسام كمال، أن «السلطات الروسية لم تبلغ الجانب المصري رسمياً حتى الآن» بقرارها.
ومنذ قرار وقف الرحلات الروسية الذي سيستمر «أشهراً عدة على الأقل»، مما صرح رئيس الإدارة الرئاسية الروسية سيرغي ايفانوف، تجلي روسيا مواطنيها من منتجع شرم الشيخ المقدر عددهم بثمانين ألفاً، تقدر مصادر أنه اقترب الإجلاء من نصف العدد.

القاهرة لم تقبل مشاركة أميركية مفتوحة في
التحقيق الجاري

في غضون ذلك، أعلنت «ايروفلوت» وهي أول شركة طيران روسية ترسل مع شركات روسية أخرى طائرات فارغة إلى مصر لإعادة السياح الروس، أمس، أنها ستعلق تماماً رحلاتها إلى هذا البلد اعتباراً من مطلع كانون الأول المقبل. وقالت الشركة في بيان، إن «ايروفلوت ستعلق رحلاتها بين موسكو والمدن المصرية حتى نهاية العمل بالتوقيت الشتوي»، أي حتى 27 آذار 2016.
في المقابل، قال مصدر مصري مطلع لـ«الأخبار»، إن «الإجراءات الروسية بمنع الرحلات المباشرة بين القاهرة وموسكو أمر مثير للقلق، ويؤثر في مختلف علاقات التعاون بين البلدين خلال المدة المقبلة، خاصة في مجال الاستثمارات المتبادلة التي شهدت انتعاشة كبيرة خلال آخر عامين»، مرجحاً أن تكون هناك «إجراءات مصرية للرد على القرار الروسي ما لم يلغ بأقرب وقت».
وأضاف المصدر: «الرئيس عبد الفتاح السيسي سيتواصل مع نظيره الروسي للاطلاع على أسباب وحيثيات القرار التي صدرت بعد يوم واحد من إرسال القاهرة تفاصيل الإجراءات المتبعة لتأمين الرحلات في مطاراتها إلى وزارة الطيران الروسية عبر سفاراتها بالقاهرة، استجابة لطلب مسبق»، مؤكداً أن كل ما طلبه الجانب الروسي منذ حادثة الطائرة نُفِّذ في «أوقات قياسية». لكن لم ينكر أن القرار الروسي قد يكون مرتبطاً باكتشاف موسكو وجود رحلات سفر إلى مصر برغم إجراءات التحذير الرسمية و«شعور السائحين الروس بالأمان»، مشدداً على أن تبعات القرار ستكون كارثية على السياحة الروسية الوافدة إلى القاهرة و«الرافضة لقرار السلطات الروسية بمنع سفرهم إلى مصر».
في هذا الوقت، لا يبدو أن مسار التحقيق يحقق إنجازاً إلا في الحاجة إلى وقت أكثر. فبرغم وجود خبراء من نحو خمس دول، من المقرر أن ترسل القاهرة آخر سبع ثوان من تسجيلات الصندوق الأسود للطائرة A321 إلى الخارج لتحليلها عبر أجهزة غير متوافرة في مصر. ونقل عن الوزير كمال قوله إنه سيجري تحليل الصوت الذي سجله الصندوق الأسود في الطائرة «عبر أجهزة معينة».
ومع أنه لم يوضح إلى أي بلد سترسل نسخة من التسجيل لتحليله ومعرفة أسباب تحطم الطائرة، فإنه قال إن هذه الأجهزة «غير متوافرة في معظم دول العالم، وسينقل آخر سبع ثوان من تسجيلات الصندوق الأسود إلى إحدى الدول المصنعة للطائرات التي توجد فيها هذه الأجهزة. لكن الشريط الأصلي لن ينقل إلى الخارج». ومن المعلوم أن طائرات «إيرباص» تصنع في ألمانيا بتصميم فرنسي، وتصنع محركاتها في الولايات المتحدة.
كذلك لمّح الوزير إلى أن من بين الأسباب المحتملة إمكانية وجود «عطل فني أو عمل تخريبي أو وجود شيء داخل الطائرة بين أمتعة الركاب وُضع بحسن نية مثل أسطوانات الأوكسجين الخاصة بالغطس، أو بطاريات السيارات، لأن وجود مثل هذه الأشياء المضغوطة يمكن أن يتأثر بفرق الضغط الذي قد يؤدي إلى حدوث انفجار». وأضاف: «الأمر يبدو كأنه مؤامرة موجهة ضد مصر لأهداف أخرى غير وقوع حادث أو سلامة ركاب».
وفي وقت لاحق، قال كمال إن بلاده تقبل مشاركة «المجلس الوطني الأميركي لسلامة النقل» في التحقيق في حادث تحطم الطائرة، وذلك بعد يوم من قول وكالات أميركية (المجلس الوطني ومكتب التحقيقات الاتحادي «إف بي آي») إنها لم تتلق رداً على طلبات للمشاركة تقدمت بها إلى القاهرة التي ترأس التحقيق. وأضاف الوزير: «محرك الطائرة الروسية التي سقطت من طراز برات آند ويتني وهي شركة أميركية ومن حق الجانب الأميركي المشاركة... إذا طُلب ذلك. وهذا يتعلق بالشق الفني في الحادث»، مستدركاً: «إذا طلب (الجانب الأميركي) المشاركة بوفد من مكتب التحقيقات، فإن طلبهم لن نوافق عليه لأنهم ليس لهم الحق في ذلك».