قرّرت وزارة الداخلية البحرينية، أمس، سحب الجنسية من 31 معارضاً، غالبيتهم يقيمون في الداخل، بحجة «الإضرار بأمن الدولة»، علماً بأن معظمهم لم يخضع للمحاكمة، أو جرت إدانته. ووفقاً للدستور البحريني، فإن القرار يعتبر باطلاً لكونه لم يتوافر فيه شرط إصداره وهو حصول الخيانة العظمى، وهو ما يجب إثباته بعد المحاكمة، وإصداره من قبل الملك، وفق ما أكد المحامي محمد التاجر لـ«الأخبار».
وعند التمعن في الأشخاص الذين تناولهم القرار، يتبين أنه لا يوجد عامل مشترك بينهم سوى أنهم معارضون للسلطة، فلا هم جميعاً ممن يعدّون معارضين متطرفين أو من أصحاب السوابق أو ممن جرت محاكمته أو صدرت بحقه أحكام قاسية؛ فبينهم معارضو المنفى، الذين لا تعترف السلطة بشرعية حركاتهم، ومعارضو الداخل من جمعية «الوفاق» البحرينية التي تعتمد على السلمية ونبذ العنف في تحركها، وبينهم أيضاً شخصيتان دينيتان. لكن يُلاحظ أن هناك نسبة كبيرة بينهم (أكثر من 16 شخصاً بحسب ما استعرضهم أحد المعارضين مع «الأخبار») من ذوي الأصول الإيرانية. وبما أنّ الداخلية حسمت في قرارها أن السبب يتعلق بالإخلال بأمن الدولة، فان الأصل الإيراني لم يكن سبباً لسحب الجنسية. وبناء عليه، فإن القرار يعتبر سياسياً بامتياز، «وينمّ عن عقلية فوقية للحاكم بالبحرين، الذي يظنّ أن المواطنة منحة من قبله يمنّ بها على سكان البلد وفق رغباته وأهوائه الشخصية»، هذا ما أكّده معارضون انتُزعت منهم الجنيسة لـ«الأخبار».
وفي شرح الآثار القانونية للقرار، أكد المحامي محمد التاجر، في اتصال مع «الأخبار»، أنّ من في الخارج ليس عليهم قلق، إنهم إما حاصلون على اللجوء السياسي، أو على جنسية البلد المقيمين فيه أو جنسية أخرى، لكن الكارثة تقع على الأفراد المقيمين في البحرين، والذين لم يغادروا يوماً بلدهم، وليس لديهم جنسية أخرى، مشيراً الى أن القرار لا ينال منهم فقط، بل يطال أيضاً أولادهم القاصرين، أي دون الـ 21 عاماً، وفق القانون البحريني. وقال إن هؤلاء سيُحرمون من كل حقوق المواطنة من التعليم والصحة، وكل مترتباتها، وأنه يستحيل العيش بدون جنسية، اضافة الى أن ذلك مخالف للمواثيق الحقوقية الدولية. وعن المعيار الذي لجأت اليه السلطة لاختيار هذه العينة من المعارضين، قال التاجر إنه لا يوجد معيار دقيق وواضح. مبررات الداخلية كانت «الإضرار بالأمن الوطني»، مشيراً الى أن بعضهم ليس له أي نشاط سياسي أو عليه أي دعاوى. لكنه قال إن القرار استهدف البعض من ذوي الأصول الإيرانية، مذكراً بأن النائب السابق، جواد فيروز، على سبيل المثال، اتهم بالتجمهر قبل أن يفرج عنه بسرعة قياسية، أما أخوه، النائب السابق أيضاً جلال (كلاهما في جمعية «الوفاق»)، لم توجه له أي تهمة. وخلص الى أن العينة التي اختيرت عشوائية، والهدف هو التصعيد السياسي والأمني.
وقال التاجر إن ما يجري يصب في إطار الحلول الأمنية التي تعتمدها السلطة، وهو لا شك مقدمة لحملة أمنية مقبلة، غامزاً من أن السلطة تستغل انشغال العالم بالأزمة السورية والانتخابات الأميركية لافتعال الحوادث الأمنية التي تبرّر التصعيد بقصد إنهاء الأزمة وفق شروطها ومصالحها، قاصداً بذلك التفجيرات الأخيرة التي شهدتها المنامة وراح ضحيتها عاملان آسيويان. وأضاف «أنا شخصياً رئيس منظمة حقوقية، عملنا هو أن نكشف هذه الحوادث، لماذا لا تدعنا السلطة نعاين مكان وقوع التفجيرات؟ هل يعقل أنه لا يوجد في المنطقة أثر له؟». ولم يستبعد أن يكون التصعيد مرتبطاً بما يجري في الكويت، إذ إنّ السلطة اتبعت السياق نفسه الذي اتبعته السلطة في الكويت لإجهاض تحركات المعارضة.
من جهته، رأى النائب السابق في جمعية «الوفاق»، سيد هادي الموسوي، أن المفارقة هي أن هذا القرار لم يصدر بناء على أحكام قضائية، متسائلاً كيف يمكن أن يحصل ذلك؟ وقال إن الذي يجري هو أن السلطة تريد أن تستعجل الأمور وأن تحدث حالة من الهلع بغرض تكميم الأفواه. ورأى أن السلطة تعبر بقرارها هذا عن فشلها في إخراس المعارضة. وقال إن الشارع البحريني المعارض تحمل ما هو أسوأ وأشد إيلاماً من قرار سحب الجنسية «لقد قتل وسجن ونكل به الى أقصى حدود».
وعن تحرّك الجمعية إزاء القرار، قال الموسوي إن ردّ الفعل القانوني يجب أن يأتي من الأفراد، اذ نص القرار: على المعترض أن يلجأ الى القانون، لذلك هذا وقف على الأفراد الذين طالهم القرار.
ومن المعارضين في الخارج الذين نالهم القرار، علي مشيمع، الذي قال لـ«الأخبار» إن السلطة تريد أن تقول في قرارها هذا «أنا الوطن وأنا القانون»، متسائلاً كيف يمكنها أن تسحب جنسية من مواطنين بناء على رغباتهم ومن دون أي إدانة أو محاكمة قانونية. وأشار الى أن ذلك يأتي في ظل حملة أمنية مستعرة، مع زيادة التضييق على المعتقلين وتعريض صحة الشيخ حسن مشيمع المعتقل للخطر، وشن حملة مداهمات واسعة للقرى، مشيراً الى أنه قبل أيام داهمت القوى الأمنية بلدات دراز وبني جمرة وسترة بمرافقة المروحيات. وقال إن التصعيد مرتبط بما يجري أيضاً في الكويت والخليج عامة، ويهدف الى بعث رسالة تتعلق بالأمن القومي الخليجي.
وأصدرت وزارة الداخلية بياناً جاء فيه: «استناداً الى نص البند (ج) من المادة رقم (10) من قانون الجنسية والتي تجيز إسقاط الجنسية عمن يتمتع بها إذا تسبب في الإضرار بأمن الدولة، فقد تم إسقاط الجنسية عن» 31 شخصاً، بينهم سعيد الشهابي وعلي مشيمع، وعبد الرؤوف الشايب، المقيمون في لندن، اضافة الى آخرين، بينهم نائبان سابقان عن جمعية «الوفاق» ورجال دين.