حلب | لم ينته التوتر بين مسلحي الجيش الحر ومسلحي الحماية الشعبية الكردية التي استعادت السيطرة على حي الأشرفية في حلب بعدما امتدت الاشتباكات إلى مناطق حدودية سورية – تركية. قرية قسطل جندو، قرب أعزاز، شهدت هجمات من لواء عاصفة الشمال، الذي يقوده عمار داديخي الملقب بأبي إبراهيم. وارتفعت وتيرة الاشتباكات مجدداً نتيجة الأخبار المسربة، التي لم تؤكّد، عن تصفية الناشطة الكردية في صفوف قوات الحماية الشعبية شاهة علي عبدو، المعروفة باسم نوجين ديريكي التي خطفت أثناء محاولتها تسليم جثتي مقاتلين من الجيش الحر في بلدة حيان.
صلاح احمد، المصدر الاعلامي المقرب من لجان الحماية الشعبية الكردية، لا يدرج ما جرى في القرية في سياق هجوم الجيش الحر على الأشرفية، قائلاً إن «عمار داديخي هو مهرب سابق، وكان مقرباً من النظام السوري. والآن هو يعمل مع الاستخبارات التركية، ومدينة أعزاز ضاقت ذرعاً بتصرفاته قبل قسطل جندو». وأضاف: «اليوم أصبح إسلامياً ويريد فرض الأسلمة على الطائفة الايزيدية بالقوة، فجرى التصدي لهجوم أتباعه عدة مرات».
وكان التفاهم الضمني بين مسلحي الحماية الشعبية الكردية ومسلحي الجيش الحر في حلب، قد انتهى إثر اقتحام الأخير لحي الأشرفية وإطلاق النار على تظاهرة كردية وقتل 13 شخصاً. كذلك خُطف عشرات المواطنين الأكراد بينهم نساء وأطفال وجرى سوقهم إلى سجون خاصة وتعذيبهم، فضلاً عن قطع الطريق على نحو ربع مليون من سكان عفرين والأشرفية قبل استعادة لجان الحماية الذاتية السيطرة نسبياً على الحي.
السيطرة على الحي الكردي ذي الأهمية الاستراتيجية يُعَدّ هدفاً هاماً لمسلحي الميليشيات؛ فهو يطل على مدينة حلب ويمكّنهم من الوصول إلى مناطق أمنية محصنة. وإثر الانكفاء عنه، ظهرت آراء متباينة في خلفية ما جرى. العقيد المنشق مالك الكردي، نائب قائد «الجيش الحر»، أعلن أن جهات كردية وقفت خلف تحريض كتائب الجيش الحر لاقتحام الحي وخص بالاسم كتيبة «صلاح الدين» التي تتألف من مقاتلين معظمهم أكراد. ويسود الاعتقاد بتلقيها دعماً مالياً وعسكرياً من تركيا.
هذا الاتهام لم يمنع الموالين للنظام من اتهام مسلحي الحماية الشعبية بالتواطؤ مع مسلحي الجيش الحر وتمكينهم من دخول الحي وزرع خلايا نائمة فيه، الأمر الذي نفاه لـ«الأخبار» صلاح أحمد، بتأكيده أن لجان الحماية الشعبية موقفها واضح، فهي مع الثورة السلمية وضد العسكرة. وشدد على أنه «ليس هنالك أي اتفاق مع كتائب الجيش الحر لأنهم بالأصل لا يعترفون بالأكراد في سوريا، فكيف يجري اتفاق بين أطراف لا تعترف ببعضها». وأكد أحمد أن «الحماية الشعبية قادرة على حماية مناطقها، رغم التسليح الأقوى لمسلحي الجيش الحر؛ لأنها تستند إلى قوة الشعب الكردي ووقوفه معها».
ورأى أحمد أن الهجوم على الحي الكردي «هو باعتراف الجيش الحر نتيجة تحريض من جهات سياسية كردية»، مشيراً إلى أنّ «بين القتلى الأكراد الذين هاجموا الحي أعضاءً في حزب آزادي الكردي». ولفت إلى أن «قيادة الحزب الموجودة في شمال العراق اعترفت بأنهم أعضاء في الحزب، مبررةً ذلك بأنّهم شاركوا في القتال بصفتهم الفردية لا الحزبية».
أما كتيبة صلاح الدين، فقالت، رداً على تصريحات الكردي: «كل ما قاله مالك الكردي عن أن كتيبة صلاح الدين الأيوبي هي التي روجت بين عناصر الجيش الحر ضرورة إنهاء سيطرة عناصر حزب العمال الكردستاني على الحي عار من الصحة ومجرد كلام تنظيري، لأنه لا يعرف ماذا يوجد على الأرض بشكل واقعي، وكل الجيش الحر الموجود على الأرض لا يعترف بمنشقي المخيمات وتنظيراتهم أمثال مالك الكردي».
ويخشى الأكراد من سعي تركيا إلى تسليح جماعات تركية مناوئة لحزب الاتحاد الديموقراطي. بوادر هذا القلق جاءت مع ظهور مسلحين أكراد في كتيبة «صلاح الدين» التي يسود الاعتقاد أنها تابعة للسياسي الكردي صلاح بدر الدين. والأخيرة شاركت في الهجوم على حي الأشرفية، في مؤشر استشعر الأكراد معه خطر خلق اقتتال كردي – كردي.
وحول هذا الوضع، قال صلاح أحمد: «نحن لا ندعي تمثيل الشعب الكردي كله، بل غالبيته، ويوجد أيضاً المجلس الوطني الكردي. أما صلاح بدر الدين، فهو يتعامل مع الاستخبارات التركية».
في المقابل، نفى عضو المجلس الوطني الكردي، خالد محمد، لـ«الأخبار» «بشكل قاطع أي تحريض للمجلس في الهجوم على حي الأشرفية». وقال: «نحن لا علاقة لنا، ولا اتصال بالجيش الحر، ونلتزم سلمية الثورة بالمطلق».
وعن وجود عناصر من حزب آزادي بين القتلى، قال محمد: «قيادة الحزب نفت أن يكون ذلك بقرار رسمي منها، وهي تصرفات فردية من أعضاء أو متعاطفين سابقين مع الحزب». وعمّا تعرض له الحي الكردي قال محمد: «نحن لا نشجع ولا ندين ولا نتدخل مع أي جهة عسكرية».
ويحظى حزب الاتحاد الديموقراطي بشعبية واسعة في صفوف أكراد حلب، فالتظاهرات التي حشدها بالآلاف، بينما لم تتجاوز تظاهرات القوى الأخرى المدعومة من المعارضة السورية مجتمعة بضع مئات، وتحاصرها تهمة التحالف مع الإخوان المسلمين والقوى التكفيرية وتركيا التي يعدّها معظم الأكراد معادية للشعب الكردي.
وفي السياق، اتهم قيادي كردي فضّل عدم الكشف عن اسمه الجهات الكردية الممثلة في مجلس اسطنبول بالتحريض لنسف التفاهم بين لجان الحماية الذاتية وبين الجيش الحر والقاضي بتحييد المناطق التي يقطنها الأكراد.

... واحة نازحي حلب في قبضة «لجان الحماية»



ببطء تعود الحياة إلى حي الأشرفية، فيما لا يزال السكان يحاولون التخلص من صدمة المعارك التي تخللتها عمليات قتل واختطاف وتعذيب لمدنيين أبرياء

لملمت الأشرفية، التي باتت ملاذاً للنازحين من الأحياء الأخرى جراحها بعد «تحريرها» الغريب عشية عيد الأضحى. الحركة تعود إلى أسواقها الشعبية، ولأول مرة تسود لغة ندامة في تصريحات أحد زعماء الجماعات المسلحة على دخولهم إلى منطقة سكنية. فالأمر كان «سوء تفاهم»، والاستهداف لم يكن لهم بل «لثكن عسكرية على أطراف حيّهم».
أما الأهالي فعاشوا أياماً من الرعب في الحي الذي شهد خلال الأشهر المنصرمة تفجير عبوات واغتيالات استهدفت عناصر أمن وموظفين في الإدارات العامة وبعثيين، ما أدى إلى وقوع إصابات أيضاً في صفوف المدنيين.
الدوار الأول، الذي كان مكتظاً بمئات الرواد بالقرب من مطاعم الوجبات السريعة أقفر لساعات بسبب انتشار المسلحين. وسوق الخضر الذي يقع خلف الدوار الثاني عاد إلى نشاطه بالرغم من أنه لم يشهد الازدحام المعهود.
أما سوق الألبسة في شارع الخزان، فكان الأكثر تضرراً من «التحرير». عشية العيد اضطر أصحابه إلى الإغلاق بسبب المعارك، فيما شكا بعضهم من قيام المسلحين بالتبضّع من دون دفع الثمن. وقال عبد الرحمن، البائع في محل للألبسة الرجالية، «في الحقيقة لم يعرضوا عليّ الثمن وخفت أن أطالبهم. كنت أريد فقط أن يخرجوا من متجري والعوض على الله».
أما رغدة، وهي موظفة حكومية، فتقول «غادرنا منزلنا تحت أزيز الرصاص والانفجارات. ما يجري طعنة للنموذج السوري الحضاري. في حيّنا تعيش مجموعات من كل المحافظات والانتماءات الدينية والقومية والطائفية. الأشرفية هي سوريا مصغرة».
وتروي رغدة كيف انتشر مسلحو جبهة النصرة بلحاهم الكثيفة، وبعضهم يحملون سيوفاً وسواطير، في الحي قبل قيامهم بتصفية عدد من المواطنين على خلفية عنصرية، ما حمل أبناء طوائف مختلفة على الفرار من الحي فوراً. وتقول «لقد ساعدنا جيراننا الأكراد على الفرار، فانتقم منهم المسلحون وقتلوا أحد أبنائهم.
بدوره، روى أحمد، وهو بائع بسطة، كيف أن المسلحين قتلوا بائعة قهوة في الحديقة على خلفية عنصرية. كذلك شهد الحي حالات إعدام لشبان اقتيدوا من شققهم على أيدي المسلحين، والتهمة «شبيحة».
من جهته، قال آزاد محمد «الأكراد لن يسمحوا باستبدال قمع النظام بتكفير وإرهاب أصوليين أكثر دموية من النظام».
أما عبد الواحد سالم من سكان الحي فقال «توقعت ألا يبقوا فيه أكثر من يوم واحد، كانت أعدادهم أقل مما يتطلبه أمر السيطرة على منطقة كبيرة مثل الأشرفية والسريان ومساكن السبيل. لقد كانت عملية استعراضية أمام كاميرات الصحافة الأجنبية».
في الطريق الفاصل بين حيّي الشيخ مقصود والأشرفية كانت جثث المتظاهرين الأكراد ملقاة على الأرض عندما فتح مسلحو الجيش الحر النار على التظاهرة التي تطالب بخروجهم من الحي. أما حصيلة المعارك التي اندلعت لاحقاً بين مسلحي الميليشيات من الطرفين فوصلت إلى 32 قتيلاً بينهم 19 من مسلحي جماعات الجيش الحر، فيما بلغ التوتر ذروته لاحقاً بخطف العشرات من عابري الطريق العام، حلب _ أعزاز.

سوريا مصغّرة

حي الأشرفية الذي ارتبط اسمه بلجان الحماية الشعبية الكردية يسكنه خليط من السوريين من مختلف الانتماءات، وإن بدت السمة الكردية عليه بسبب سطوة. ويسكن الحي مهاجرون من المحافظات السورية، معظمهم موظفون في الدولة.
وبحكم الموقع الجغرافي وقربه من الريف الشمالي، استقبل سكانه نازحين من الأرياف الشمالية، وبالأخص حريتان وعندان وأعزاز، في حين يقطن منحدرون من عشائر عربية حي بني زيد القريب الذي يمثّل صلة الوصل بين الأشرفية وبلدة حريتان.
إثر المواجهات العنيفة، خطف مسلحو الميليشيات أكثر من 250 من الأكراد، بينهم أطفال ونساء، خلال سفرهم من حلب إلى قراهم في عفرين وشمالي حلب وبالعكس.
عمليات الخطف أوصلت الغضب إلى أوجه في صفوف الأكراد. وتردّدت أنباء عن نية اللجان مهاجمة قواعد المسلحين لإنقاذ المخطوفين قبل أن يحول دون ذلك تراجع الجيش الحر والمهاجمين عن موقفهم واختيارهم عدم الاستمرار في الهجوم.
خالد بهجت حمدو، أحد المخطوفين، فارق الحياة متأثراً بالتعذيب الذي تعرض له بعد خطفه مع 65 آخرين، في بلدة حيان الواقعة على الطريق بين حلب وعفرين.
الناشط في حزب الاتحاد الديموقراطي، فرهاد، قال لـ«الأخبار» إن حمدو تعرض للصعق الكهربائي والضرب المبرح خلال خطفه من قبل الجيش الحر. وعندما ساءت حالته الصحية أطلقوا سراح أحد المخطوفين من بلدة راجو وأمروه بإيصاله إلى أهله.
وبعد الوساطات التي أعقبت احتدام التوتر وسقوط عشرات القتلى، أُطلق سراح النساء والأطفال وأبقوا على 22 من الشبان.
نوري، وهو من لجان الحماية الشعبية، صبّ جام غضبه على كتيبة «صلاح الدين» التي شارك مسلحون أكراد منها في الهجوم على حي الأشرفية. وقال: «هؤلاء مرتزقة يقبضون من صلاح بدر الدين، وهو سياسي كردي تابع (لرئيس الوزراء التركي رجب طيب) أردوغان، تم تجنيدهم بالمال لشق صفوف الأكراد». وأضاف «لقد حملوا السلاح ضدنا مع من يطلق النار على تظاهرة سلمية، ونحن اعتقلنا عدداً منهم اعترفوا بعلاقتهم مع تركيا وتلقّيهم السلاح منها».

الحماية الشعبية

عقب تزايد الانتشار المسلح للميليشيات في ريف حلب، ألّف حزب الاتحاد الديموقراطي لجان حماية شعبية ذاتية تشرف على الأمن وبعض الخدمات في المناطق التي تقطنها غالبية كردية في ريف حلب، وسرعان ما امتد ذلك إلى حيّي الأشرفية والشيخ مقصود في مدينة حلب.
أشرفت اللجان على توزيع الخبز في الأفران وتوزيع المازوت وأسطوانات الغاز للمنازل، كما أقامت حواجز للتفتيش ومنع دخول السلاح في بعض الأحيان. أما في الشيخ مقصود، الواقع إلى الشرق من الأشرفية، فقد أقيمت الحواجز بنحو دائم تحت راية حزب الاتحاد الديموقراطي، إذ لم يرفع العلم الوطني السوري أو علم مرحلة الانتداب أو العلم الكردستاني.
باسل...