لا توافق الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على ادّعاءات السياسيين في تل أبيب، وأوّلهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. بل ترفض الفذلكة القائمة على تحريض السلطة وحركة «حماس» كسبب يدفع الفلسطينيين إلى تنفيذ عمليات ضد الاحتلال. يوم أمس، انضم جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) إلى تقديرات صدرت في الأيام الماضية عن الاستخبارات العسكرية للجيش الإسرائيلي، لتؤكد أن دافع منفذي العمليات من الفلسطينيين هو «الإحساس بالظلم الوطني والاقتصادي والشخصي».
هذا التقدير عرضه «الشاباك» يوم الثلاثاء الماضي، كما أشارت صحيفة «هآرتس» أمس، مؤكداً (الشاباك) أنه «بالنسبة إلى بعض منفذي العمليات، فإن العملية تسمح بالهرب من واقع باعث على اليأس، لا يمكن برأيهم تغييره».
ويلفت تقدير «الشاباك» إلى أن منفذي العمليات من الشباب الفلسطينيين، وهم لا يعملون بموجب فكرة معدة مسبقاً وقيادة منظمة. وتشير أوساط «الشاباك» إلى أن معظم المنفذين هم من الذكور (أكثر من 90 في المئة) بين أعمار 16 – 25، مع تنبيهه إلى أن 82% منهم يستمدون الإلهام من الشبكات الاجتماعية، «بما في ذلك تحريض من جانب كبار رجالات السلطة الفلسطينية». كذلك يذكر الجهاز أن سبع نساء شاركن في موجة العمليات الأخيرة، التي بدأت في تشرين الأول الماضي. ووفق معطيات الجهاز الأمني، فإن الفلسطينيين من الضفة يشكلون أساس منفذي العمليات: 72%، معظمهم من الخليل أو رام الله، و23 في المئة هم من سكان شرقي القدس، من حاملي بطاقات الهوية الزرقاء (الإقامة الإسرائيلية)، والباقون (5%) هم من فلسطينيي أراضي عام 1948.
وتؤكد تقديرات «الشاباك» أن «عمل الشبان الفلسطينيين من منفذي العمليات ليس منظماً وليس مؤطراً، بل يحمل طابعاً عفوياً وشعبياً. قد تكون بداياته تحريضاً أو إشاعات كاذبة عن محاولة إسرائيلية للإضرار بالمسجد الأقصى، الأمر الذي يشكل دافعاً فورياً دينياً، من شأنه أن يوجه الاحتجاج العنيف والإرهاب نحو إسرائيل».
ويرد في التقدير أن «الشبان الفلسطينيين يعيشون في الشبكة العنكبوتية، ويتغذون من المعلومات التي تنقل عبر الإنترنت، وتعظم الحجة الفلسطينية التي تقول إن المنفذين للعمليات هم ضحايا العدوان الإسرائيلي، وإنهم عملياً أعدموا». كذلك توجد «آلية داخلية تغذي نفسها بنفسها حول العمليات وموت المنفذ، ثم العمل على الثأر والانتقام لموته».
وتنضم العوامل التي يسردها «الشاباك» إلى ما قاله رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، اللواء هيرتسي هليفي، في جلسة الحكومة الإسرائيلية الأسبوع الماضي. بعدما أكد أن أحد الأسباب لـ«موجة الارهاب» الأخيرة في القدس وفي المناطق (الفلسطينية المحتلة) هو الإحساس بالغضب والإحباط في أوساط الفلسطينيين، ولا سيما الجيل الشاب. وتحدثت مصادر استمعت مباشرة إلى هليفي أنه قال إن «العديد من الشبان الفلسطينيين انطلقوا لتنفيذ العمليات لكونهم يائسين من الوضع ويشعرون بأنه ليس لديهم ما يخسرونه».
«هآرتس» لمّحت إلى أن أقوال هليفي تمثل الموقف السائد لدى جهاز «الشاباك» والجيش الإسرائيلي، الذي يعرض لدى المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية ولدى الحكومة مجتمعة، منذ أن بدأ التصعيد الأمني في المناطق الفلسطينية. وتلفت الصحيفة إلى أن رئيس أركان الجيش غادي ايزنكوت، وكبار المسؤولين العسكريين، يقودون خطاً «حمائمياً» و«أكثر اعتدالاً» من الخط الذي يقوده وزراء الحكومة، ويشددون على الحاجة إلى مواصلة التنسيق قدر الإمكان مع رئيس السلطة محمود عباس، والأجهزة الأمنية التابعة له.
على الصعيد الميداني (الأخبار)، وفي جريمة جديدة، أعدمت قوات احتلالية خاصة من المستعربين الشاب عبدالله عزام الشلالدة (28 عاماً) من بلدة سعير داخل مستشفى الأهلي في مدينة الخليل، جنوبي الضفة، فجر أمس. وذكر شهود عيان أن الشلالدة أصيب بعدة رصاصات عندما دخل فجأة إلى الغرفة التي اقتحمها المستعربون ممن تنكروا بزي مدني واعتقلوا ابن عمه عزام عزات الشلالدة، الذي كان يرقد في المسشتفى لتلقّي العلاج إثر إصابته برصاص مستوطنين قبل أكثر من أسبوع.
وقالت مصادر محلية إن قوة من المستعربين يُقدّر عددهم بنحو 20 شخصاً دخلوا إلى قسم الجراحة في المستشفى بعدما أظهروا، وكلهم بزي متنكر، أنهم يدخلون امرأة في حالة ولادة. وكان الشاب المخطوف (عزام الشلالدة 20 عاماً) الذي اختطفه المستعربون قد أصيب بعدة رصاصات في الصدر والرأس من أحد المستوطنين، في منطقة وادي سعير، خلال قطف الزيتون في المنطقة، في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، فيما ادّعى أحد المستوطنين أنه أطلق النار عليه بعدما تعرض للطعن منه.
وهذا هو الاعتداء الثالث الذي تنفذه قوات العدو الخاصة في المستشفيات خلال شهرين، بعدما خطفت أحد المصابين في مستشفى في نابلس واقتحمت مستشفى آخر. وفي وقت لاحق، قال الأمين العام لمجلس الوزراء الفلسطيني، إن رئيس الحكومة ووزير الداخلية، رامي الحمدالله، أصدر تعليماته للأجهزة الأمنية بتشكيل قوة مشتركة لتكثيف الحراسة وحماية المستشفيات.
في سياق متصل، صادقت «المحكمة الإسرائيلية العليا»، مساء أمس، على قرار جيش العدو هدم منازل أخرى لثمانية فلسطينيين بتهمة الضلوع في تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية.
أما في غزة، فقال مدير عمليات «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ــ الأونروا» في قطاع غزة، بو شاك، أمس، إن عائلة لاجئة واحدة فقط من أصحاب المنازل المدمرة كلياً استطاعت أن ترى بيتها معاداً بناؤه كلياً، معرباً عن أسفه لهذا الأمر بعد مرور نحو 16 شهراً على انتهاء العدوان الإسرائيلي الأخير.