تونس | كأن جلادها يجلس قبالتها في عدسة الكاميرا. هل هما شفتاها المتشققتان ترجفانها بهذه الطريقة؟ أم عيناها الدامعتان؟ أم رئتاها المنقبضتان؟ يمكن سنوات السجن الثلاث أن ترسم في اليدين وأسفل العينين تجاعيد ثلاثين عاماً وأكثر. كيف أمكنها تحمّل كل ذلك الخبز الأخضر، وعفن المعدة، والتحرش، ووسخ السجن والسجّان؟ أيهما أوسخ بالمناسبة: السجن أم السجان؟ تسأل. لا شيء يعوض المرأة التونسية سنوات الورد، كما تسمي راضية العمر الذي ضيعها.
تتذكر كتباً أحرقتها أمها، خوفاً عليها مما فيها. تنسى العدسة الآن، تراقص أصابعها الكابوس: أن تلتقي أم ابنة ظنتها ميتة، في سجن. أن تشم البنت أمها. أن يشدهما صدراهما بعضهما إلى بعض. أن تسقطا متعانقتين فوق وسخ السجن، تحت وسخ السجان. ما على زائر تونس إلا سحب كرسي، الجلوس وسؤال مستضيفه أن يخبره. لا تبالي المرأة أن تعزز تونس الثورة سجانها وتكرمه، ولا يعنيها اسم القاضي الذي دمر حياتها. تشد على رأسها الحجاب التهمة التي سجنت بسببها و«تحكيلك». في تونس فائض حب، وحزن.

أمناء الثورة

اختصرت رانيا السيد بتسميتها جمعيتها «نساء تونسيات» مطولات قصصية. نادته: يا «صانع التغيير» نساء هؤلاء وتونسيات. ينتظرن أدوارهن في الجمعية قبالة الكاميرا، ليصورن التاريخ: «لا ننتظر عدالة انتقالية أو تعويضاً مالياً، يكفينا أن يسمع العالم رواياتنا». تنتهي في حضرة المرأة التونسية كل التناقضات المتفجرة: نهضة وسلف صالح وتقدميون وتجمعيون وغيرهم. يكفي أن يبث موقع جدل بالحبر التونسي الإلكتروني فيديو عن اغتصاب تونسية، حتى يخرجن من كل «أين»، بلا كيف، لملء «بو رقيبة» هاتفات: «الحريات، الحريات طريق المساواة». في العاصمة التونسية، وحدهن التونسيات يحفظن أمانة الثورة: لم يستكنّ بعد أو يستسلمن. وحدهن، هنّ فقط. (...) في السهل التونسي ترعى نساء الغنم.

إحباط مثقف

قبالة مسرح الثورة التونسية، يطل بعض مثقفيها من طابق نزل الهناء العاشر على شارع بورقيبة. توصيتهم الأولى: «لا تبهرك أضواء المدينة، فتنغش، ليست أزقتها بهذا الجمال». يتفقون على إيجابية إسقاط زين العابدين، ليتأففوا من كل شيء آخر. يمكن أحد المناضلين أن يحبط المطعم بكل ما فيه من خمر، حين يعلن تقاعده: «كفاني بن علي. عاركوا عني الديكتاتوريات الأخرى، بعدما قاتلت عنكم بن علي». ليس وحده: في طول البلاد وعرضها، ناشطون يحتارون في ما يمكنهم فعله بعدما «انقضت النهضة بأظفار من مال ودين وإعلام على ثورتهم»، ويصل إحباط البعض إلى حد التصديق أن «بن علي ما كان ليرحل، لولا قطبة مخفية». يملك هؤلاء أضعاف القدرات التي يملكها المناضلون الحقيقيون الذين لم يستسلموا بعد للنهضة أو غيرها في مدن الريف البعيد، ولا يكفون برغم ذلك عن «النقّ».




ويتشتتون: حزب. جمعية. حزب آخر. فرقة موسيقية. مدونون. حزب ثالث. جمعية ثانية. ينامون تقدميين، ويستيقظون جمهوريين. قبل الظهر تراه في حزب «المؤتمر»، وبعده في «حركة الوفاء». تتعرف إلى قيادي في الحزب الفلاني صباحاً، فيعلمك بانشقاقه مساءً. آخر يتغدى في «العريضة الشعبية» ويتعشى في «الاتحاد الوطنيّ الحر». حركة التجديد مثلاً، جربت تحالف القطب الديموقراطي ففشلت، حطت في «مسار» ففشلت أيضاً، وها هي تفاوض «نداء تونس» اليوم لتنضم إليه. أحزاب تتلاشى وجبهات تنشأ. ثمة أحزاب لم تشارك في الانتخابات لديها اليوم نواب أكثر من أحزاب شاركت. ضياع تونسيّ ما بعده ضياع.

نهضة العاطفة

تمثل «النهضة» أو «إخوان تونس» الحزب المنظم الذي يعرف وحده من بين القوى السياسية الأخرى ماذا يريد، وكيف يحقق أهدافه. ويمتلك، خلافاً للآخرين، الأدوات المالية والإعلامية والبشرية والعلاقات الدولية لتحقيق ما يصبو إليه. ورغم «عدم تقديم النهضة شيئاً للتونسيين حتى الآن»، كما تدأب بعض القوى السياسية على القول، وبلوغ الاستياء الشعبي حد إحراق عشرات المكاتب النهضوية، لا يمكن خصومها أن يحلموا حتى بكسرها انتخابياً. فقد بدأت النهضة منذ سقط بن علي بناء شبكة خدماتية، توظيفية وتربوية وصحية وإعلامية ودينية، بموازاة حفاظها على تماسك شبكتها السرية. وينجح النهضويون بقمع مآخذهم بعضهم على بعض؛ لأن «الوقت ليس للتفرقة». ولا شيء يوحي حتى الآن بعدول الأكثرية التونسية عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع، مفترضة مرة أخرى أنها حين تقترع للنهضة، تنتخب الإسلام.
ومقابلها، تُشغَل الجبهة الشعبية بالنضال الحقوقي عن السياسة وغيرها، وتتسلى حركة الوفاء مثل بعض الأحزاب اليسارية والسلفيين بقضايا صغيرة، فيما لم تمتحن بعد قدرات رئيس حكومة بن علي، الباجي قائد السبسبي، الذي يسعى إلى جمع معارضي النهضة في ما بات يعرف بـ«نداء تونس». وقد اجتذبت كاريزما محسن مرزوقي ونضال مايا جريبي وتاريخ طيب بكوش وغيرهم. وكما تنجح النهضة بلمّ شمل مجموعات إسلامية كثيرة بحجة نصرة الإسلام السياسي، ينجح «النداء» حتى الآن بجمع مجموعات علمانية (أو فقط غير إسلامية) لطالما وصفت بالمتنافرة بحجة التصدي لأسلمة الدولة. لكن رغم رهان البعض الكبير على نداء تونس، لا يمكن القول بعد إن الثنائية السياسية التونسية قد ولدت.

إنجاز الثورة: مدفع رمضان

على جانبي الطريق من العاصمة الحديثة إلى العاصمة القديمة (القيروان)، تمتد ليلاً مساحات شاسعة من الظلام، تربط بينها أضواء منازل بعض الفلاحين. ولا تعدو المدن التونسية البعيدة، باستثناء بعض المحطات السياحية، أن تكون مراكز توزيع للإنتاج الزراعيّ. أما فلاحوها فيسبق انبهارهم، بما يصلهم بالتاكسيات من اختراعات جديدة، ملابسهم بالتعريف بهم. ويهم هؤلاء التأكد أن «تونس مزيانة»، وأن ليس في العالم أطيب من طعامها، حتى لو كانت الوجبة بيضاً وحراً وزيتاً وحمصاً وخبزاً مخلوطة في جرة واحدة.
حين تزداد أعداد «الشرطي الممدود» أو «البوليس الميت»، يعلم قاصد القيروان أنه بلغ عاصمة الأغالبة. و«البوليس الميت» تسمية التونسيين للمطبات، التي أنشأ أحد المقربين من سيدة تونس الأولى السابقة ليلى الطرابلسي شركة مقاولات تختص بحفرها، فبذرت ملايين منها في شتى أنحاء البلاد.
غير اللبلابي والكفتاجي (وجبتا طعام) ومسجد عقبة بن نافع الذي شيد عام 670 كأول مسجد في المغرب العربي، تشتهر المدينة التي يسكنها نحو خمسمئة ألف تونسيّ، بسلفييها الذين يعيشون إلى جنب صوفييها بسلام، ويتعايشون مع آلاف السياح الذين يصلون إلى المدينة بشورتات قصيرة وغيرها. وما دامت السياحة بخير نسبياً، فلا يمكن المواطن العادي ملاحظة المسّ السلفي بالحريات. أما الناشطون المدنيون فيتحدثون عن منع السلفيين حفلاً راقصاً مرة، ومنعهم إحياء فرقة إيرانية حفلة مرة، وتدخلهم مرات عند أئمة الجوامع للتشدد إزاء اللباس داخل الجوامع، فضلاً عن طبعهم المدينة إعلامياً بطابعهم، إثر احتشادهم من كل تونس في القيروان في 20 آب الماضي هاتفين «لبيك أسامة لبيك».



مساءً، تقتصر الأضواء القيروانية على مطعمين، محل «فليبر» ومقاهٍ. ويصعب بعد العاشرة مصادفة شاب في الطريق، إذ يختلي هؤلاء في منازلهم بمواقع التواصل الاجتماعي. أما صباحاً، فيمكن من شرفة الفندق (ليلته بنحو خمسين دولاراً) رؤية أسراب المزارعين يشقون سيراً الطرقات إلى أراضيهم، فيما تتموّن بالخبز أسراب المسنات المغطيات بالسفساري. أما السياح، فتحسنت أرقامهم مقارنة بعام الثورة، لكنها لا تقارن بالسابق. وإنجاز الثورة الوحيد في القيروان، إضافة إلى الحرية طبعاً، إرجاع مدفع رمضان إلى ساحة الجلادي، بعدما بلغت طقوس بن علي العلمانية حدّ منع المدافع عام 2010. ورغم المحاولات الرسمية الكثيرة لتسميتها ساحة الشهداء، تحتفظ ساحة الجلادين شعبياً باسمها القديم. أما المدينة القديمة، فلا تباعد عشرة أمتار بين جامع وآخر فيها، حتى يظن الزائر أن لكل قيروانيّ جامعاً. المدينة القديمة مسكونة هنا، على غرار دمشق، وخلافاً لغالبية المدن القديمة السياحية الأخرى. يمكن الأزقة أن تقود إلى حيّ تطرز فيه النسوة السجاد، أو آخر يصنع فيه المسنون أحذية من جلد. عمال على شفير الانقراض يشتغلون في صناعات منقرضة، علهم يبيعونها لسياح منقرضين. وخلف جدران المنازل البيضاء، الملونة بنوافذ زرقاء وأبواب، تختبئ روايات الظلم والفقر، تجاورها كرامة لا تكسر وحب. لا يمكن وصف حب التونسيين، طيبتهم ودفقهم العاطفي.
أخيراً في وداع القيروان، يلاحظ زائرها أنه رغم كثافة جوامعها، لم يعلق في سمعه صوت أذان، فليس للجوامع هنا، كما للأحزاب والأفراد، مكبرات صوت.

سيدي بو زيد: الثورة مستمرة

بين القيروان وسيدي بو زيد، مدينة نصر الله وحفرة بطول طريق تشق سهلاً من الزيتون تحرسه أشجار صبير ملونة أخضر أصفر أحمر. تسارع الحاجّة في الباص الصغير إلى سؤال صبية لا تعرفها عمّا إن كان الشاب الذي يرافقها في الرحلة المسائية زوجها، فيما يردد أحد الشابين العشرينيين الجالسين في الخلف أناشيد إسلامية، بعدما ضاق ذرعاً بموسيقى الفان الشعبية. وبقربه، يشنّ صديقه حملة دفاع فايسبوكية عن صحابة الرسول.
تكفي الطريق إلى سيدي بو زيد الشعب ليصنع ثورة. طريق؟ يسألون متهكمين: «لا بنية تحتية هنا ولا مياه شفة ولا مستشفى ولا عمل ولا سياحة ولا حرية أو عدالة أو بعض الاحترام... حتى ثورتنا صودرت قبل أن تُصدّر إلى المناطق الأخرى». لا يقبل أهالي سيدي بو زيد تسميتها «ثورة 14 جانفي»، اسم الثورة التونسية في ميدنتها الأم: «ثورة 17 ديسمبر». في ذلك التاريخ أحرق رجل يحل محل الحيوان في جرّ عربة ثقيلة يبلغ ثمنها في سيدي بو زيد خمسين ديناراً (نحو 33 دولاراً) نفسه. وفي ذلك التاريخ – يعيد الأهالي رسم خطوات الثورة الأولى – تلاقى الغاضبون الخارجون من مقهى الاتحاد مع آخرين في حي النَّوَر الغربي – «حي مفقر برشا» – تحت أنظار كاميرا ثبتت في الطبقة الثانية من بناية صغيرة تطل على الشارع، بدأت بثاً مباشراً. وكان أن سمتها «الجزيرة» ثورة، وحصل ما حصل.
خرجت سيدي بو زيد يومها، ولم تعد. يستغرب الأهالي ربط ثورة الشعب التونسي بيوم مغادرة بن علي السلطة، كأن المشكلة كانت مع شخصه فقط. «ثرنا على بن عليات سيدي بو زيد» يقول أول، ويشرح ثانٍ حفاظ هؤلاء على نفوذهم. لا يمكن سيدي بو زيد تكرار أغنية بن علي: «بالأمن والأمان يحيا هنا الإنسان». لولا بو عزيزي، لما زار سائح أو مسؤول حكومي سيدي بو زيد يوماً. وليس لديهم بالتالي ما يخشون عليه. رحل بن علي فأتاهم والٍ أشد منه تكبراً على طيبتهم ولؤماً. إنجازه الوحيد حتى الآن رفع أسوار ولايته، معتقداً أن حديده ينفع. في نهاية الأسبوع الماضي، طعج المتظاهرون الحديد واقتحموا الولاية.
ترفض سيدي بو زيد تأليه بو عزيزي. سبق للمدينة أن طردت والدته حين تمادت في تمجيد ابنها. وفي الطريق تختصر إحدى اللوحات المشهد: تسمية شارع باسم بو عزيزي، استُفز الثائرون على تمجيد الفرد، فحطموا البلاطة. لكن سرعان ما أعاد آخرون كتابة اسم بو عزيزي بخط يدهم محل البلاطة. أما نصب عربته التذكاري فمهمل، يبدو موغلاً في القدم. ولولا صورته العملاقة فوق مكتب البريد لما وجدت في سيدي بو زيد كلها صورة لثائرها. حتى مدينتهم، يسقطون «سيدي» من تسميتها، فيسمونها «بو زيد».
عجزت حركة النهضة عن ترويض المدينة الريفية: فازت بنائبين فقط من أصل ثمانية. ورغم جهودها، تعجز عن ضبط المطالبين ليل نهار بالحرية والكرامة. حتى المناضلون المستقلون عجزوا عن احتواء الثوار: هذا عطية عثماني الذي أدى في بداية الانتفاضة الشعبية دور شاهد العيان الجديّ على قناة «الجزيرة» يعجز عن استقطاب بضع عشرات. وهذا القاضي المعزول محمد جلالي وعشرات الآخرين. لا يريدون حزباً هنا ولا سلطة. لا تعنيهم مطبوعات النهضة والسلفيين عما يحصل لأخوتهم المسلمين في بورما وحلب، همهم الكرامة، الحرية والشغل. بعد انتهاء الثورة التونسية بالتوقيت الرسمي بنحو سبعة أشهر أحرقت هنا المحكمة ومنطقة الأمن. وقبل أن تبلغ الثورة الرسمية عامها الثاني، بدأت سيدي بو زيد تعد العدة لحراك يرجح بعض ناشطي المدينة أن يتجاوز بكثير الانتفاضة السابقة. فمبررات الثورة لا تزال هي نفسها. الأسوأ أن هناك من سعى ولا يزال لمصادرة الثورة وخداع أبنائها.
هدوء العاصمة التونسية لاحقاً يسهم أكثر فأكثر باحتفاظ زائرها عند مغادرة مطار قرطاج بما سمعه في سيدي بو زيد: «عار عار، بعد الثورة يرجع الاستعمار»، «الشوارع والصدام حتى يسقط النظام»، و«يا والي يا حقير هز أزلامك واستقيل».



السلفيون يملأون الفراغ


في سيدي بو زيد، يملأ السلفيون الفراغ بذكاء. تتحدث المدينة عن قادة نهضويين، وقادة بارزين في حزب العمال، مقابل نحو عشرة عناصر سلفيين يمكن وصفهم بالقادة. ونحو 400 سلفي عادي يحتشدون بلمحة بصر عند الضرورة، مقابل نحو مئتي نهضوي فقط تبذل النهضة جهداً جباراً كلما احتاجت إلى أن تجمعهم. وبين الشعارات الكثيرة قرب نصب بو عزيزي التذكاري، يعيد السلفيون اعتبارها «ثورة إسلامية». وقد حولوا «مسجد الحبيب (بو رقيبة)» إلى «جامع أسد ابن فرات»، غازين الجوامع الأخرى بحضورهم القوي الهادئ. وفي ظل التراخي الأمني، نشطوا، سواء في ضبط الأمن أو الاقتصاص المباشر من السارقين أو تنظيم العمل في الإدارات الرسمية ومصالحة المختلفين. ولم يلبثوا خلال سنة تقريباً أن نجحوا في إقفال محالّ الخمر جميعها، مقلصين النشاطات الفنية غير الدينية إلى أدنى من الحد الأدنى، من دون أن يعارضهم أحد جديّ في كل ذلك، فحال من يعارضهم من حال معارض النهضة: يتظاهر ضد الله ودينه.



سيدي بوزيد لتحقيق أهداف الثورة

تتجاوز كثافة القرى السكانية في سيدي بو زيد، كثافة المدينة نفسها. تتراصّ في السوق محالّ أغلبيتها مقفل، يبيع قليلها ثياباً بالية وأغلبها مواد غذائية. لولا الثورة، لما استحدثت في «بو زيد» كلية جامعية، احتضنت هذا العام نحو سبعين طالباً. لا شركات كبيرة أو حتى متوسطة. فرعان مصرفيان ومكتب لتحويل العملة وبضعة فنادق صغيرة. لا مصنع ولا معمل ولا مدينة ملاهٍ. تنتشر مقاهي الشاي بكثافة، تتوسع على هواها بكراسيها الملونة يميناً ويساراً، نزولاً وصعوداً. على بعد أمتار من مركز الولاية حيث تتواصل الاحتجاجات، تبدو الحياة طبيعية سواء لأصحاب المتاجر أو رواد المقاهي. نجح المتظاهرون بطرد الوالي (المحافظ)، وانكسرت النهضة في المدينة حين اضطرت الحكومة إلى إبدال الوالي بآخر. لكن ليس هذا بنصر في نظر المحتجين. لا يهتم هؤلاء بهوية الوالي قدر اهتمامهم بتحسين أوضاعهم: يريدون والياً يخرجهم من الدائرة الفارغة. يضحكهم تعيين النهضة تجمعياً سابقاً والياً، ظناً منها أن التجمع يحرك المتظاهرين. «لعبة قذرة» أخرى يكتشفها المتظاهرون غير السذج كما تتخيل النهضة وغيرها. على بعد نحو ساعة من «بو زيد» في «منزل بو زيان» مناضلون لا ينامون، تعجز وسائل النهضة المختلفة عن تشتيتهم أو ثنيهم أو تخويفهم. يؤكدون أن للثورة التونسية بؤرة ستبقى مشتعلة ريثما تحقق الثورة التونسية أهدافها: كرامة وحرية. ليست النهضة من تمثل هاتين المفردتين.