لم يكن إعلان رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، أن لقاءه مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، كان من أفضل اللقاءات بينهما، مجرد توصيف لواقع، بل أراد بذلك توجيه رسالة مفادها أن حالة التوتر التي سادت في المرحلة الماضية باتت وراءهما. ومن دون أن يعني ذلك، أن أوباما يوافق على هذا الوصف، فقد سعى نتنياهو إلى أن يوجه ضربة إلى المعارضة الداخلية التي اتهمته في مرحلة سابقة بأنه يخاطر بالعلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة نتيجة حسابات غير دقيقة.
مع ذلك، يبقى لموقف نتنياهو دلالته التي تعبر فعلا عن الخصوصية التي تتمتع بها العلاقات الأميركية ــ الإسرائيلية في ظل المرحلة الجديدة التي تشهدها سوريا والمنطقة بعد الاتفاق النووي الإيراني وما يترتب عليه من تداعيات اقتصادية على محور المقاومة، وبعد التدخل الروسي في سوريا. وضمن هذا الإطار، يأتي ما أوردته التقارير الإعلامية الإسرائيلية، حول تكريس قسم كبير من اللقاء بينهما لمذكرة التفاهم الأمني التي تحدد حجم المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل خلال أعوام 2017 و2027.
ومع أن نتنياهو رفض التطرق إلى المساعدة المالية الأميركية التي يجري النقاش حولها، فإنه قال للصحافيين: «لم نركز على تحديد مبلغ لكنني عرضت احتياجاتنا، وقال الرئيس إنه يتقبل تحليلنا بشأن المخاطر الإقليمية والمتغيرات التكنولوجية»، كما لفت إلى حدوث «الكثير من المتغيرات منذ مذكرة التفاهم السابقة في 2007»، على ضوء «ترسيخ سلاح الصواريخ والسلاح الدقيق في المنطقة، وهو ما ينتج تحديات جديدة لإسرائيل».
أيضا، اتفق أوباما ونتنياهو على إرسال طاقم أميركي إلى إسرائيل في شهر كانون الأول المقبل، برئاسة المسؤولة عن الملف الإسرائيلي في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، ياعيل لامفرت، من أجل بدء التفاوض حول مذكرة التفاهمات مع الطاقم الإسرائيلي برئاسة مقر الأمن القومي في ديوان رئيس الحكومة.
في هذا السياق، رأى نتنياهو أن «الأمر سيحتاج إلى أسابيع طويلة أو أشهر حتى التوصل إلى تفاهمات. هناك رغبة متبادلة في التوصل إلى اتفاق في هذا الموضوع. وفي تقديري فإن الرئيس أوباما يرغب في إنهاء ذلك خلال ولايته. نبكر في مناقشة الموضوع قبل عامين، فقد كان من المفروض أن ينتهي عشية 2017 ولكننا سننهيه قبل ذلك».
إلى ذلك، ذكرت صحيفة «هآرتس» أنه يستفاد من مواقف وزير الأمن، موشيه يعلون، أمام المراسلين العسكريين، أن المسؤولين في الجهازين الأمنيين الإسرائيلي والأميركي توصلا إلى اتفاق حول المنظومات العسكرية والتكنولوجية التي ستحصل عليها إسرائيل في أعقاب توقيع الاتفاق النووي مع إيران. أما القرارات المتعلقة بالمساعدات المالية الأميركية لإسرائيل، فسيجري اتخاذها في وقت لاحق.
وقال يعلون إن لقاءه مع نظيره الأميركي، اشتون كارتر، لخّص عمل الطاقم الذي حدد التهديدات والسيناريوهات والآثار المترتبة على الاتفاق مع إيران. وأوضح أن إسرائيل معنية بالحفاظ على التفوق في البر والبحر والجو وفي مجال «السايبر»، لذلك «بنت طواقم العمل خطة للتزود بالأسلحة».
وفي ما يتعلق بالموضوع الفلسطيني، قال نتنياهو لأوباما إنه لا يزال ملتزما برؤية الدولتين ومعنيا باتخاذ تدابير عملية لتخفيف التوتر أمام الفلسطينيين، مضيفا: «أود التوضيح أننا لم نتنازل عن أملنا بالسلام. لن نتنازل أبداً عن أملنا بالسلام. لقد بقيت ملتزما برؤية الدولتين للشعبين مع دولة فلسطينية منزوعة السلاح وتعترف بالدولة اليهودية. لا أعتقد أنه يجب أن يشكك أحد في إصرار إسرائيل على الدفاع عن نفسها في مواجهة الإرهاب، ولكن أيضا في استعدادها لصنع السلام مع جاراتها التي ترغب بذلك».

رأى نتنياهو أن المساعدات الأمنية تحتاج إلى أسابيع طويلة أو أشهر للتوصل إلى تفاهمات

وذكر أنه قدم أمام الرئيس الأميركي أفكاراً جرت الموافقة عليها بالإجماع في المجلس الوزاري المصغر، وتسعى إلى تعزيز الثقة في الضفة المحتلة، كما «تحسن وضع الجمهور الفلسطيني». ولفت إلى أنه لم يطرح خلال اللقاء مطلب تجميد البناء في المستوطنات، مشيرا إلى أن «الهدف الأساسي هو منع الاشتعال في المنطقة. لقد سمعتم تصريح البيت الأبيض بشأن فرص التوصل إلى اتفاق سياسي خلال السنة القريبة. لقد جرى التركيز خلال اللقاء على كيفية تحقيق الهدوء والاستقرار. مسألة منع الاشتعال على الأرض هي مصلحة إسرائيلية على نحو لا يقل عن كونها مصلحة أميركية».
ولجهة ردود الفعل الداخلية في إسرائيل على زيارة نتنياهو، ذكر الوزير يسرائيل كاتس، أن «الموضوع الرئيسي في اللقاء لم يكن موضوع الدولتين، لا توجد أي حكومة اتخذت قرارا رسميا في هذا الموضوع، والأميركيون فهموا أن هذا الموضوع لا يمكن أن يبقى في مقدمة جدول الأعمال، في وقت توجد فيه قضايا أمنية أكثر إلحاحا كتأثير الاتفاق الإيراني ودعم إسرائيل أمام الإرهاب العربي والحرب المشتركة ضد الجهات المعادية كداعش وحزب الله».
كذلك رأت نائب وزير الخارجية، تسيبي حوطبلي، أن «اللقاء أثبت مرة أخرى أن العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة قوية وراسخة. رئيس الحكومة سافر إلى واشنطن كي يضمن استمرار التحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، واستمرار الدعم الأمني الواسع في السنوات المقبلة أيضا. أنا متأكدة من أن الأمر سيكون كذلك».
أما على مستوى المعارضة الإسرائيلية، فرأى رئيس حزب «يوجد مستقبل»، يائير لابيد، أن «هناك أهمية عليا لتسوية الأمور بين إسرائيل والولايات المتحدة، والحفاظ على دعم الحزبين من أجل تقوية المكانتين السياسية والأمنية لإسرائيل». وأضاف لابيد أن «صفقة المساعدات الأمنية الأميركية، ووقوف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل، لا يمكن أن يكونا أداة في لعبة سياسية. يجب العمل بإصرار على تدعيم الرابط وترك الخلافات في الخلف».
(الأخبار)