تفاعلت قضية الطائرة السورية التي أرغمت على الهبوط في مطار أنقرة، لحمولتها «المشبوهة». إذ أكّد الجانب التركي «حمولتها العسكرية»، في ظلّ استنكار ونفي روسي وسوري، فيما حمّل الرئيس بشار الأسد أنقرة مسؤولية تعليق الحوار الثنائي. وقال الأسد، في مقابلة مع صحيفة «أيدينليك» التركية، «لا توجد لدينا أيّ مشاكل مع الشعب التركي ومع العسكريين.

ولم تظهر سوريا أيّ عداوة إزاء تركيا، بل تعاملت معها دائما بشكل أخوي. لدينا مشاكل مع الحكومة التركية، بسبب موقفها الذي نعاني بسببه من مشاكل على الحدود معها». واعتبر الرئيس السوري أن بلاده لا تتحمل مسؤولية تعليق الحوار مع أنقرة الرسمية، مشيراً إلى أن انعدام القنوات لإجراء مفاوضات بين البلدين يؤثر سلباً في العلاقات الثنائية.
كذلك أشار إلى أن التحقيقات مستمرة بحادث سقوط القذائف في منطقة اكجاقلعة التركية. وقال «هل كانت المعارضة مسؤولة عن وقوع هذا الحادث، أما أن القذيفة التي يستخدمها الجيش السوري أخطأت الهدف، فهذا أمر يطلب توضيحه من خلال التحقيق المشترك. إنّنا ندعو إلى فتح تحقيق مشترك في الحادث».
من ناحيته، أعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أنّ طائرة الركاب السورية الآتية من موسكو إلى دمشق، والتي أرغمت على الهبوط في مطار أنقرة، كانت تحمل على متنها حمولة لاستخدامات عسكرية.
وقال أردوغان، خلال مؤتمر صحافي مع رئيس كازاخستان نورسلطان نزاربايف في أنقرة، إنّ «الحمولة المنقولة كانت مرسلة من قبل مؤسسة روسية لحساب وزارة الدفاع السورية».
وأكدت وزارة الخارجية التركية أنّها اتخذت كافة الاجراءات لضمان سلامة ركاب الطائرة السورية التي اعترضتها مقاتلات تركية أثناء رحلة بين موسكو ودمشق، وأجبرتها على الهبوط لتفتيشها، رافضة بذلك الانتقادات الروسية والسورية لها. كما استدعت الوزارة السفير الروسي في أنقرة، فلاديمير إيفانوفسكي، لبحث عدد من القضايا معه، وذلك على خلفية تفتيش الطائرة السورية. وأجبرت الطائرة على المكوث على أرض المطار التركي تسع ساعات قبل السماح لها باستكمال رحلتها الى دمشق، فيما صادرت أنقرة حمولتها «المشبوهة» والتي لم تحدد.
واتهمت دمشق أنقرة بـ«العدائية» تجاهها بعد حادثة طائرة الركاب السورية. ووصف بيان صادر عن وزارة الخارجية السورية اعتراض الطائرة بأنّه «تصرّف معاد ومستهجن»، معتبراً أنّه «مؤشر إضافي على السياسة العدائية التي تنتهجها حكومة (رئيس الوزراء التركي رجب طيب) أردوغان».
وطالبت الحكومة السورية السلطات التركية «بإعادة باقي محتويات الطائرة كاملة وبصورة سليمة»، مشيرةًَ إلى أنّ الطائرة لم تكن محملة بسلاح أو بـ«بضائع محرمة»، فيما صرّح مصدر في أجهزة تصدير الأسلحة الروسية بأنّ الطائرة لم تكن تنقل أسلحة، «ولا عناصر لصنع أسلحة».
وطالبت موسكو تركيا بايضاحات، مؤكدة أنّ أنقرة عرّضت حياة الركاب الروس وعددهم 17 «للخطر».
من جهة أخرى، أرجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارة إلى تركيا كانت مقررة في 15 تشرين الأول الحالي، بحسب ما أكد متحدث باسمه، من دون أن يذكر سبب الارجاء. ثمّ أعلن مكتب رئيس الوزراء التركي أنّ بوتين سيزور تركيا في الثالث من كانون الأول.
في السياق، أكّد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أنّ لا أسلحة يجري تهريبها إلى سوريا عبر حدود العراق. وقال للصحافيين في براغ، «وضعنا الجيش على الحدود لمنع إيصال أسلحة إلى سوريا»، داعياً الدول التي تقوم بتزويد الأسلحة إلى سوريا «بالبحث عن حلول ايجابية» عوضاً عن ذلك.
في سياق آخر، أعلن مسؤولون أتراك أنّ سوريا أوقفت، قبل أسبوع، وارداتها من الطاقة الكهربائية من تركيا بسبب أضرار لحقت بشبكة التوزيع. وقال وزير الطاقة التركي تانر يلديز إن «بلاده مستعدة لاستئناف شحناتها إذا طلبت جارتها منها ذلك».
إلى ذلك، كشفت صحيفة «الغارديان» أن اجتماعاً ضمّ رؤساء أجهزة استخبارات من الولايات المتحدة، وفرنسا، وتركيا، والسعودية، وقطر عقد في أنقرة الشهر الماضي، فشل في التوصّل إلى اتفاق على استراتيجية منسّقة حول سوريا. وقالت «الغارديان» إن رؤساء أجهزة الاستخبارات اجتمعوا بحضور مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) الجنرال ديفيد بترايوس. وأضافت الصحيفة أن الأميركيين يرون أن الطبيعة المبهمة للمعارضة السورية وزحف الجهاديين الأجانب إلى سوريا تقف وراء الضغط الذي يمارسونه على الدوحة والرياض بشأن تزويد المعارضة بأسلحة ثقيلة.
ونسبت الصحيفة إلى وزير لبناني متحالف مع «تيار المستقبل» قوله إنّ «الأميركيين» أعطوا الضوء الأصفر للسعوديين والقطريين، وينظر السعوديون إلى الضوء الأصفر على أنه أصفر، في حين يعتبره القطريون ضوءاً أخضر.
وذكرت الصحيفة أنّ السعوديين بدأوا يطلقون إشارات إلى أنهم وصلوا إلى الحدّ الأقصى بشأن ما سيقومون به في مواجهة اعتراضات الولايات المتحدة، والناجمة عن قلقها من قدرات نظام الرئيس السوري بشار الأسد، والمخاوف من هيمنة المتطرفين على المعارضة. وأشارت إلى أن جماعات المعارضة المسلّحة حصلت على شحنتين كبيرتين من الأسلحة في شهري أيار وحزيران الماضيين من تركيا، إلا أنّ تهريب الأسلحة على نطاق واسع جفّ منذ ذلك الحين. وقالت الصحيفة إن السعوديين يضغطون الآن على المعارضة السورية المسلّحة لتشكيل «جبهة إنقاذ» تتمتّع بقيادة موحّدة وسيطرة على الأرض، والقدرة على جمع الأسلحة بمجرد انتهاء القتال لتجنّب ما حدث في ليبيا، ويدعمون العميد المنشق مناف طلاس في إطار حملة لكسب شخصيات أخرى من الجيش السوري والأجهزة الأمنية.
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي، سانا)