دمشق |لا ينفك وزير المصالحة الوطنية، علي حيدر، يذكّر بالإمكانات الشحيحة لوزارته التي لا يزيد عدد العاملين في ملاكها على 25 موظفاً، تنحصر حدود صلاحياتهم في العمل الإداري، ومتابعة أكوام الرسائل الواردة إلى الوزارة من أهالي المخطوفين والمعتقلين ومن المسلحين أنفسهم، وفرزها، ليجري لاحقاً «إرسال كل هذه الأوراق، وبعملية ميكانيكية بحتة، إلى الأفرع الأمنية التي لها مطلق الصلاحية في الرد أو عدم الرد على رسائلنا»، يقول أحد موظفي الوزارة. ويعقب في حديث مع «الأخبار»: «هذه الرتابة في عملنا أفقدت الكثيرين ثقتهم بالوزارة، حيث بات ذوو المتضررين يائسين من الجواب الذي نكرره على مسامعهم عند كل مرة: لم يأتنا الرد بعد».
يسهب موظف آخر في شرح ما يسميه «دورة عمل الوزارة»، ففي العامين الأولين من حياتها «اشتغلت الوزارة على قضايا المعتقلين السياسيين، والمعتقلين تعسفياً، والفارين من الخدمة العسكرية، والراغبين بالعودة إلى القتال في صفوف الجيش. في هذه المرحلة كان الناس متفائلين بعملنا، وكنا نلقى التأييد والترحيب بشكل واسع»، أما المنعطف الذي بدأت معه مرحلة التراجع، فهو بحسب الموظف نفسه، «الفترة التي خرجت فيها ما سميت لجان المصالحة الوطنية المحلية، المكونة من شخصيات نافذة في الأحياء. وشرّعت هذه الشخصيات أقنية الفساد والرشى، وهنا بدأ الناس بالربط بين فساد اللجان المستقلة ووزارتنا».
أمام الفساد الذي استشرى في عمل اللجان، انحصر دور الوزارة بملاحقة «المواضيع الصغيرة»، لكن حدود صلاحياتها انتهت بمجرد الحديث عن إنجاز المصالحة في منطقة أو بلدة كاملة، إذ أوليت هذه المهمة للجيش السوري الذي له وحده صلاحية التحديد في أي الجبهات يمكن أن تنجز المصالحات ومتى، واستناداً إلى تقديرات عسكرية وسياسية بحتة.
على المقلب الآخر، نظر الراغبون في «تسوية أوضاعهم» إلى دخول الجيش على خط المصالحات بإيجابية. يروي فهد الحريري، وهو أحد المقاتلين السابقين في بلدة يلدا (جنوب دمشق)، والموظف في وزارة الصناعة حالياً: «أردت ترك السلاح والعودة إلى عملي سريعاً. الوجهة الأولى لي كانت نحو أحد أعضاء لجنة المصالحة الوطنية في يلدا، الذي طلب مني مبلغ 200 ألف ليرة سورية (حوالي 800 دولار)، بذريعة أنه يريد دفعها كرشوة لأحد ضباط الجيش، لكننا عندما تواصلنا أنا ومجموعتي مع الجيش مباشرة، انتهت عملية تسوية أوضاعنا في غضون يومين، وبلا أي رشى».
في هذا السياق، يؤدي «المسلحون الغرباء» الآتون من الخارج، دوراً رئيسياً في تحديد مدى إمكانية المصالحات. ففي حالات محددة، كبلدتي قدسيا والتل (ريف دمشق)، وقفت جهود المصالحة الوطنية مكتوفة الأيدي لشهور عديدة، جراء الخوف المعمم لدى المسلحين من ردات فعل «الغرباء أصحاب النفوذ» من فكرة المصالحة. في هذه الحالات، حيّدت الوزارة مناطق بأكملها نتيجة وجود الغرباء فيها، فيما كان «الجيش السوري أكثر دينامية في التعاطي مع هذه المشكلات. فكان يؤمن خروج الغرباء من الحي، ثم يفتح الباب لتسوية الأوضاع»، يقول أبو ماهر لبابيدي، أحد الأعضاء السابقين في لجنة المصالحة الوطنية في حي التضامن (جنوب دمشق).
اليوم، تبدو مهمة المصالحة أكثر سهولة مما مضى. ويعود ذلك إلى الفرز السريع في أوساط المسلحين. يقول مصدر عسكري مسؤول في القطاع الجنوبي لدمشق: «لم يبق من المسلحين إلا الغرباء والمرتزقة. والشيء المهم في هذا الوقت هو استكمال عودة المسلحين المتورطين تورطاً في حمل السلاح لتسوية أوضاعهم، ويبدي هؤلاء رغبة كبيرة في رمي سلاحهم، وبعضهم يريد القتال في صفنا»، ويعود ذلك، بحسب المصدر ذاته، إلى أن «المتورطين كان لهم تجربة طويلة مع هذه التنظيمات الإرهابية سمحت لهم بمعرفة الحقيقة، وكشف زيف الجهاد الذي يدعونه».