الخرطوم | بعد خمسة أيام ظلت فيها أنظار السودانيين شمالاً وجنوباً تتجه صوب العاصمة الإثيوبية أديس ابابا، حيث عقد الرئيس السوداني، عمر البشير، ونظيره الجنوبي، سيلفا كير ميارديت، ٧ اجتماعات مغلقة منذ الأحد الماضي، ضمن أطول قمة رئاسية تشهدها أفريقيا لرئيسي بلدين، فشل الرئيسان في التوصل إلى اتفاق نهائي يضع حداً لأبرز القضايا العالقة بين البلدين. واستعيض عنه باتفاق جزئي. «اتفاق التعاون» بين الرئيسين، لم يشمل أم القضايا وهي منطقة أبيي المتنازع عليها. كما استثنى عدداً من النقاط الحدودية الخلافية، إلا أنه مع ذلك يمهد لتسوية شاملة مستقبلاً «إذا ما خلصت النوايا»، وذلك وفقاً لتصريحات جهات أشرفت على توقيع الاتفاق، بينها الاتحاد الأفريقي، الذي رعى المفاوضات عبر الآلية الأفريقية رفيعة المستوى برئاسة رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو أمبيكي مدعوماً من مجلس الأمن الدولي.
رئيس جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، وصف الاتفاق بالمهم والتاريخي. وقال خلال حفل التوقيع «اليوم هو يوم عظيم في تاريخ منطقتنا وخصوصاً السودان وجنوب السودان». وأضاف «نحن نشهد توقيع اتفاق تعاون ينهي نزاعاً طويلاً»، لكن ذلك لم يمنعه من إلقاء اللوم على الرئيس السوداني في ما يتعلق بالفشل في التوصل لاتفاق حول أبيي.
وقال ميارديت «لسوء الحظ لم نتمكن من الاتفاق» حول وضع أبيي، التي تعادل مساحتها مساحة لبنان. وأضاف «للأسف إن أخي البشير وحكومته رفضا بالكامل اقتراح» الاتحاد الافريقي حول هذا الموضوع، مؤكداً أنه كان مستعداً من جانبه للقبول به.
أما البشير فتجاهل هذه الاتهامات، مفضلاً اعتماد لهجة تصالحية في خطابه تجاه جيرانه الجنوبيين، تضمنت تعهدات بفتح الحدود وانسياب سهل لحركة المواطنين والتجارة. وبعدما وصف الرئيس السوداني الاتفاق بالمهم من أجل الاستقرار والتعاون بين البلدين ،قال: «نؤكد للجميع التزامنا بما وقعنا عليه من أجل مصلحة الشعبين الشقيقين».
إلا أن مراقبين انتقدوا الاتفاق كونه لم يحسم الخلاف حوال الأربعة عشر ميلاً، المتنازع عليها بين البلدين. واعتبروا الحل الذي حمله الاتفاق في هذا الخصوص، بمثابة مسكّن للأزمة حيث نص على جعلها منطقة منزوعة السلاح إلى حين التوصل إلى تسوية نهائية حولها، في مرحلة لاحقة ضمن مفاوضات ينتظر أن تحسم ملف أبيي.
الصحافية علوية مختار، رأت في حديث مع «الأخبار» أن الاتفاق، الذي وقع بين الخرطوم وجوبا، لن يكتمل ولن يكتب له النجاح ما لم يتم التوصل لاتفاق مع الحركة الشعبية ــ قطاع الشمال، وتوقف الحرب في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، إلى جانب حل قضية أبيي التي أحيلت الآن مباشرة لمجلس الأمن».
وشملت أهم محاور الاتفاق الموقع، التمهيد لاقامة منطقة حدودية عازلة منزوعة السلاح بين البلدين. ووقع وزير الدفاع السوداني عبد الرحيم محمد حسين ونظيره جون كونغ نيون اتفاقاً أمنياً يمهد الطريق أمام اقامة منطقة منزوعة السلاح على الحدود الهشة بين البلدين. ومن المتوقع أن تكون هذه المنطقة بعمق ١٠ كيلومترات من كل طرف من الحدود. كذلك توصل الاتفاق إلى استئناف ضخ النفط عقب ترتيبات فنية تتم في أقرب وقت ممكن.
وفي السياق، قال كبير مفاوضي جنوب السودان، باقان أموم، من أديس أبابا «لقد بدأنا الاستعدادات بالفعل» لاستئناف ضخ النفظ. وأضاف «أعتقد أنه بنهاية العام سيتدفق النفط». كذلك تضمن الاتفاق ملفاً آخر يشمل الحريات الأربع لمواطني البلدين وهي التنقل والإقامة والعمل والتملك، فضلاً عن نقاط تشمل التجارة البينية بين البلدين.
ورغم أن التفاصيل الدقيقة للاتفاق لم تنشر كاملة بعد، إلا أن مراقبين يعتبرون أنها هدفت في المقام الأول لفك الضائقة الالقتصادية التي يعيشها السودان وجنوب السودان منذ إعلان الأخيرة من طرف واحد، وقف تصدير النفط في كانون الثاني الماضي. وتشكل صادرات جوبا النفطية ما نسبته 98 في المئة من جملة إيراداتها النقدية، في حين فقدت الخرطوم نحو 75 في المئة من صادراتها البترولية عقب انفصال الجنوب، وكانت تعول على رسوم العبور التي ستتقاضها من الجنوب لتصدير نفطه عبر أراضيها لتضييق العجز الذي وقعت فيه بعد الانفصال، لكن المعارك بين البلدين ومن ثم وقف ضخ النفط أدى إلى معاناة البلدين من تداعيات اقتصادية مباشرة أثرت على معدلات التضخم وأدّت إلى ارتفاع حاد في أسعار السلع الاساسية.
في هذه الأثناء، انتقدت أحزاب سودانية معارضة الاتفاق، باعتباره لم يشمل كل القضايا الخلافية. واعتبر المؤتمر الشعبي المعارض، بزعامة حسن الترابي، الاتفاق بأنه «نتاج طبيعي لحالة الاختناق الاقتصادي الذي تعانيه الخرطوم وجوبا». ونبه عضو أمانة الإعلام في المؤتمر الشعبي، مجاهد كرار، في حديث مع «الأخبار» إلى أن «الطريق لا يزال طويلاً أمام استقرار البلدين ما دام الاتفاق ترك ثغراً مهمة لم يغلقها».
كما واجه الاتفاق انتقادات من تيارات يمينية متشدة، أبرزها منبر السلام العادل، وتحديداً بسبب الحريات الأربع التي ستتيح مساحة لمواطني البلدين في التنقل والاقامة والتملك والعمل. في المقابل، وجدت هذه الجزئية ارتياحاً واسعاً في أوساط قوى اليسار والمجتمعات المتداخلة بين البلدين. وكانت آلاف الأسر الممتدة بين البلدين قد تضررت من القطيعة التي عاشتها علاقات البلدين عقب الحرب في منطقة هجليج النفطية في نهاية آذار الماضي. واضطرت بعض الأسر إلى أن تبقى موزعة بين شطري البلدين مع غياب الأوراق الثبوتية لمئات الآلاف ممن أسقطت الدولتان جنسيتهم عقب الانفصال.