القاهرة | يبدو أن القضاء في مصر سيكون دائماً هادم اللذات ومفرّق الجماعات بالنسبة الى جماعة الإخوان المسلمين. فالأخيرة بات مقدراً لها أن تتلقى جميع كبواتها من القضاء، سواء الإداري أو الدستوري. فبعد حل مجلس الشعب بحكمين، غير متوقعين للجماعة، جاء الدور على الجمعية التأسيسية التي تكفل للجماعة سيطرة طويلة المدى على السلطتين القضائية والتشريعية في مصر. فقد أنهت، أول من أمس، إحدى دوائر محكمة القضاء الإداري كافة محاولات الجماعة لعرقلة المحكمة عن التصدي لـ48 دعوى قضائية تطالب بحل الجمعية التأسسية الثانية وإعادة تشكيلها، بما يضمن تمثيل كافة فئات وأطياف المجتمع المصري. ورفضت المحكمة طلباً كانت الجماعة قد تقدمت به لإبعاد المحكمة التي سبق أن أصدرت حكماً بحل الجمعية التأسيسية الأولى، التي تم اختيار نصف أعضائها من داخل مجلس الشعب وترأسها رئيس مجلس الشعب المنحل، محمد سعد الكتاتني، عن النظر في القضية. وستعود المحكمة إلى نظر الدعاوى من جديد إبتداءً من أول الشهر المقبل.
وتحدث مصدر قضائي في المحكمة لـ«الأخبار» عن وجود 5 أسباب قانونية توجب حل الجمعية التأسيسية الثانية. وأوضح أن «قانون معايير تشكيل الجمعية التأسيسية صدر بعد ما يزيد على شهر من تاريخ تشكيل الجمعية وبدء جلساتها، رغم أن القانون يقر مبدئياً أن يتم تشكيل الجمعية في خلال 10 أيام من إقرار القانون، إضافةً الى انتفاء صفة وجود كثير من المستشارين الذين دخلوا الجمعية التأسيسية بصفتهم رؤساء للهيئات القضائية. ووفقاً للمصدر القضائي من المفترض إحالة هؤلاء للتقاعد وإحلال الرؤساء الجدد محلّهم، لافتاً إلى أن المستشارين حسام الغرياني، رئيس الجمعية، وعبد الله أبو العز رئيس مجلس الدولة السابق، وتيمور فوزي رئيس هيئة النيابة الإدارية السابق، دخلوا الجمعية بصفتهم وليس بشخصهم. وأكد أن استمرار وجودهم داخل الجمعية التأسيسية للوقت الحالي مخالفة قانونية صارخة.
أما السبب القانوني الثالث في التشكيل الحالي، حسب المصدر، فهو استمرار أعضاء مجلس الشعب ضمن أعضاء الجمعية التأسيسية رغم انتفاء صفتهم النيابية بمجرد صدور حكم المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب في 14 حزيران الماضي. كذلك فإن مجلس الشورى الحالي على وشك أن يلقى نفس مصير مجلس الشعب. وبحل مجلس الشورى تنعدم الصفة التي تم على أساسها ترشيح أعضاء مجلس الشورى ضمن أعضاء التأسيسية أيضاً. أما السبب الخامس، حسب المصدر القضائي، فهو أن الجمعية لم تنته من كتابة الدستور ولم يتم تحديد موعد بدء إجراءات الاستفتاء عليه. وأوضح نائب في رئيس مجلس الدولة، فضل عدم ذكر اسمه، أنه رغم توافر الأسباب القانونية التي تلزم المحكمة بإصدار حكمها الثاني بحل لجمعية التأسيسية إلا أنها قد لا تفعل ذلك لأسباب تتعلق بالملاءمة أو المواءمة. ولفت المصدر إلى أنه «واقعياً رئيس الجمهورية محمد مرسي هو مرشح جماعة الإخوان المسلمين في الأساس، وفي نفس الوقت في يده سلطة التشريع وسلطة إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية كذلك». وأضاف «في كل الأحوال ستكون الأغلبية داخل الجمعية التأسيسية لممثلي جماعة الإخوان المسلمين سواء تم حل الجمعية الحالية أو الإبقاء عليها». وأشار الى أن المحكمة يمكن أن تأخذ هذا الأمر في الحسبان.
ومع توافر الدوافع القانونية لحل التأسيسية، توافرت أيضاً الدوافع الاجتماعية. وأعلنت أول من أمس الناشطة الحقوقية، منال الطيبي، استقالتها من الجمعية التأسيسية للدستور، رافضةً المشاركة «في بناء مؤسسات الثورة المضادة». وقالت الطيبي لـ«الأخبار»، «تقدمت باستقالتي بعدما يئست من تقويم مسار الجمعية، التي عمدت إلى مخالفة المواثيق الدولية ووضعت في الدستور ما يقونن انتهاك حقوق الانسان». وأضافت «لقد بات واضحاً أن الدستور يعد ليكون على مستوى فئة محددة ترسخ لمفهوم الدولة الدينية لتستحوذ بذلك على السلطة، ليتمخض الأمر فى نهاية المطاف عن دستور يحافظ على ذات الركائز الأساسية للنظام الذي قامت الثورة من أجل إسقاطه، مع تغيير الأشخاص فقط».
وفي الوقت نفسه ترددت أنباء تفيد عن عزم حركة 6 أبريل على سحب ممثلها في الجمعية التأسيسية للدستور أحمد ماهر، المنسق العام للحركة، اعتراضاً على ممارسات التيار الإسلامي داخل الجمعية التأسيسية، والتلاعب فى المواد الخاصة بالمواطنة والمساواة بين الجنسين، ومواد الحريات. وترى الحركة أن هذه الخطوات تصب في خانة الضغط الاجتماعي والقانوني على تشكيل الجمعية التأسيسية، التي بات أمرها قاب قوسين أو أدنى من حكم قضائي يعصف بها كما عصف ببرلمان الإخوان، ليكون على الرئيس محمد مرسي أن يثبت الولاء للشعب أولاً قبل الجماعة، ويكون لزاماً عليه أن يصدر قراراً بإعادة تتشكيل الجمعية التأسيسية بما يضمن تمثيل كافة فئات المجتمع المصري وأطيافه.