بغداد ــ الأخباربعد أيام على قراره إنهاء تفويض رئيس الحكومة حيدر العبادي بشأن الإصلاحات، وجد البرلمان العراقي نفسه في مواجهة انتقادات مباشرة من المرجعية الدينية في النجف، التي يبدو أنها بدأت تسحب البساط من تحت أقدام حيدر العبادي.

وجاءت أهم فقرات خطبة الجمعة الماضية، التي ألقاها ــ كما في كل أسبوع ــ ممثل السيستاني في العراق من الصحن الحسيني الشريف في كربلاء، متوافقة مع غالبية التوقعات، وهي عن قرار البرلمان العراقي تقويض سلطات العبادي التي منحه إياها في آب الماضي، من أجل إجراء إصلاحات إدارية على خلفية احتجاجات شعبية ودعوات من المرجعية نفسها.
والسيستاني الذي انتقد «تقويض الإصلاح بحجة الالتزام بالدستور والقانون»، كان واضحاً في توجيه اللوم إلى مجلس النواب، أي السلطة التشريعية الأعلى في البلاد، وفقاً للدستور العراقي.
تفسير الخطبة على أنها وقوف إلى جانب العبادي لم يدم أكثر من 24 ساعة، لتؤكد بعدها أوساط المرجعية رفض السيستاني استقبال رئيس الوزراء، السبت، عندما زار النجف حيث التقى مراجع دين وزعماء بارزين. أوساط المرجعية، أكدت لـ"الأخبار" أن "السيد السيستاني ليس راضياً لا عن العبادي ولا عن رئيس البرلمان سليم الجبوري". وأضافت "تعتقد المرجعية أن أياً منهما لا يريد إصلاحاً جديّاً. ما يجري ليس سوى اصلاحات ترقيعية، شكلية. لا نرى رؤوس فساد كبيرة في السجن، ولا نرى تكييفاً قانونياً للإصلاحات". وأوضحت الأوساط نفسها أن الإصلاحات السابقة جرت بصورة عاجلة، غير مدروسة، ومن دون أن تكون متوافقة مع القانون أو الدستور "ولكن لا يجوز أن يجري استغلال عدم قانونيتها للالتفاف عليها، بل بالعكس، يجب العمل على قوننتها وعلى جعلها متوافقة مع الدستور".

تنفي الأوساط
أن تكون المرجعية أوصلت العبادي إلى رئاسة الحكومة

وتنفي الأوساط نفسها أن تكون المرجعية هي من أوصلت العبادي إلى رئاسة الحكومة. تقول إن "ما جرى وقتها كان عبارة عن انشقاق داخل حزب الدعوة رشّح العبادي لرئاسة الحكومة في خطوة لقيت تأييد أكثرية القوى السياسية وترجمت موافقة لدى غالبية الكتل البرلمانية. ما كان أمام المرجعية، التي كان معروفاً أنها لم تكن راضية على نوري المالكي، من خيار سوى دعم العبادي لانقاذ البلد من الأزمة السياسية والمعضلة الأمنية، اللتين كان غارقاً فيهما والدفع باتجاه الإصلاح".
ويأتي عدم رضى السيستاني عن العبادي والجبوري بعد مرور ثلاثة أشهر على إعلان حزمتي الإصلاح الحكومية والبرلمانية، من دون أن تشهد هذه الفترة إلا إجراءات سطحية عائمة، كانت في الغالب انعكاساً لحالة الصراع السياسي داخل العراق، حيث لم يجرِ تنفيذها على النحو المطلوب، بينما انصرفت كل القوى النافذة إلى تبادل الاتهام في ما بينها، كما تجري العادة في ملف سياسي آخر. وفي كل الأحوال، سيكون السيستاني مطالباً بالمزيد من «المواقف المعلنة»، لمواجهة انزلاق واضح في قصة الإصلاح وتحوّلها إلى كرة نار وأداة أخرى في حملة «تصفية الحساب» داخل الكتل الكبيرة، وذلك في ظل حملة سياسية شنّت على رئيس الحكومة من أطراف مختلفة، بينهم مقربون من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وصل بعضها إلى التهديد ضمناً بسحب الثقة منه، واستبداله بمرشح آخر من حزب «الدعوة»، الذي ينتمي إليه الرئيسان.
ومع أن الغايات التي يحملها كل فريق سياسي لإقصاء العبادي لا تبدو متطابقة، فإن أياً منها لن يجري من دون «ضوء أخضر» من السيستاني، الذي دعم العبادي رئيساً للحكومة بعد تعيينه في منصبه في آب من العام الماضي، وهذا الأمر يفترض أن يدفع بالقوى السياسية الرئيسة إلى تقديم ما يثبت استعدادها للإصلاحات، وهو ما لم يحصل، حتى الآن، لأن البرلمان لم ينجز ما في جعبته منها، وخصوصاً تلك التي كان قد أعلنها بالتزامن مع إصلاحات العبادي، فيما يبدو أن هذا بيت القصيد في خطبة الجمعة.
وأغلب الظن أن ضغط المرجعية العليا في العراق في الملف السياسي، الذي بدأ جلياً قبل أكثر من عام، سيأخذ طابعاً أكثر وضوحاً، كما هو الحال في الأسابيع الأخيرة، ما يضع البرلمان أمام ضرورة إيجاد صيغة قادرة على تنفيذ «إصلاحات منهجية»، وخصوصاً في ظل إصرار هذا الأخير على إنهاء تفويضه لرئيس الحكومة، فيما يدعم النظام البرلماني المعتمد في العراق توجها كهذا.
بمعنى آخر، فإن اتهام القوى المتنفذة في مجلس النواب للعبادي غير جاد في تنفيذ الإصلاحات، ويفترض أن يرافقه تبنٍّ واضح من جانبها لتنفيذ ما يلزم لتقليل النفقات المالية وإنهاء الترهل الإداري، لأن من دون ذلك لن يستطيع العراق الاستمرار في تحمل أعباء التكاليف الباهظة للحرب على «داعش»، والمضي في مواجهة الأزمة المالية الخانقة، جراء تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية.
الأهم في كل ذلك، هو أن السيستاني لا يرجّح كفة رئيس الحكومة مقابل القوى المتنافسة معه، من دون التأكد من قدرته على تنفيذ «الإصلاح»، والعكس صحيح أيضاً، بمعنى أن أي مساندة لرغبة الكتل الأخرى في تغييره لن تكون من دون التثبت من أن الغاية من هذا الإجراء هي «الإصلاح» نفسه.