رام الله | أعلن رئيس الحكومة الفلسطينية، سلام فياض، موقفه بوضوح مما جرى خلال الساعات الماضية، من احتجاجات ضدّ الغلاء والبطالة ما لبثت أن تحولت الى أعمال شغب ليلاً، وذلك في رسالة عبقت بالمشار على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك». وبدأ فياض كتابته بإلقاء تحية الصباح والقول «أعزائي، إنني أدرك حجم المعاناة التي يعيشها أبناء شعبنا جراء ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وأملي أن نتمكن من الخروج معاً من الأزمة بأسرع وقت ممكن، وبالنسبة إلى الحد الأدنى للأجور، فسوف يحسم قريباً». وردّ على الانتقادات والهجوم المتصاعد عليه قائلاً «لمن يقول إن سلام فياض لا يكترث بما هو موجود أو ما يقال في الشارع، أقول لا، سلام فياض يكترث ويتألم لما يقال». وتابع «أحترم حرية التعبير بكل أشكالها، رغم أنها تتضمن أحياناً تجريحاً شخصياً واتهاماً بالنيات، وأنا شخصياً أتقبل هذا الأمر. لكن أن يتم إشعال الإطارات وتمنع سيارات الإسعاف من المرور وإلقاء الحجارة على سيارة الإطفاء، فهذا ليس أمراً يقع ضمن حرية التعبير». وأكد فياض «لن أهرب من المسؤولية، ولن أُحمّل المسؤولية لمن وقّعوا اتفاق باريس، لأن هذا لن يحل الأزمة، مسؤولية الحكومة واضحة، وهي حل الأزمة والتعامل مع الواقع ومصارحة الشعب بصدق، وفي ما يخص المطالبة بإلغاء اتفاق باريس الاقتصادي، قال المشكلة ليست في الاتفاق، بل في تطبيقه بإطار تحكمي وتعسفي من قبل الاحتلال».
وحول حل مشكلة البطالة، قال فياض «هذا يتم إما باستحداث وظائف حكومية وتشجيع القطاع الخاص ودعم البرامج التنموية، وهنا استحداث وظائف حكومية يتبعه التزام رواتب ومخصصات، ونحتاج بالتالي إلى موارد ومصادر دخل تغطي النفقات، أما تشجيع القطاع الخاص فيحتاج إلى حوافز وبيئة اقتصادية مؤاتية ووقت. كيف ذلك، ونحن بظل وجود احتلال يسيطر على الطرق والمعابر وضيق الموارد والمساعدات أيضاً. ليس بيد أحد عصا سحرية لمعالجة تلك الأمور ببساطة، نحن في واقع مالي صعب، هذه هي الحقيقة».
وسرد فياض تفاصيل الضائقة المالية، وقال «عليكم أن تعلموا أن جزءاً من إيراد السلطة هو الضرائب والمساعدات، وجزءاً من التزام السلطة هو الرواتب ومستحقات المقاولين وشركات الأدوية والموردين، كيف لي أن أخفض ضرائب في ظل نقص المساعدات ووجود استحقاق رواتب والتزامات لموردين جزء منهم لم يتسلّم مستحقاته المالية من السلطة منذ أكثر من عامين؟ نريد أن نحقق توازناً في ظل نقص المساعدات، هذه هي المعادلة ببساطة». ولمن يقول إن السلطة محتكرة تجارة البترول، وتحقق أرباحاً طائلة، ردّ عليه «نحن يا إخواني، منذ ضم هيئة البترول إلى وزارة المال، نخسر من بيع البترول ولا نربح». وفي موضوع الأسعار وتثبيتها، كتب فياض «لا يمكن تثبيت أسعار السلع الاستهلاكية لأن المستهلكين سيزيد طلبهم على السلع ويقل العرض، ما سوف يعرض التاجر لخسائر، والدعم يحتاج إلى موارد مالية ضخمة تفوق قدرة السلطة الوطنية».
وعن المطالبات برحيله، قال «لا أحتاج إلى نصائح بالرحيل. أنا أقوم بمهمة وليست وظيفة». وأكد «لست متمسكاً بمنصبي، غير أني متمسك بتقديم الخدمة لأبناء شعبي حتى آخر لحظة لي كمسؤول. وحين أصل إلى وضع أجد فيه أنني غير قادر على التعامل معه لأسباب موضوعية تتعلق بكل النظام، أريد أن أطمئن الذين يرغبون في رحيلي بأني لن أكون عقبة إطلاقاً، ولن أبقى يوماً واحداً».
أما عن حديث الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن انطلاق الربيع الفلسطيني، فقد علق فياض بالقول «هناك ربيع فلسطيني قائم منذ النكبة وسيظل قائماً طالما بقي الاحتلال، والربيع الفلسطيني سبق بعقود الربيع العربي، ولا يجوز لنا أن نستنسخ الحالة، والهم الأكبر لدينا هو إنهاء الاحتلال». وردّ محمد التميمي، من أصدقاء فياض الفيسبوكيين، على فياض بالقول «أي ربيع فلسطيني على الاحتلال يا دولة الرئيس؟! شخصياً، أشعر بحالة اكتئاب شديد بسبب حالة الضياع التي نعيشها ويعيشها شعبنا وتعيشها منظمة تحريرنا وفصائل عملنا، النضال ضد الاحتلال يحتاج الى برنامج عمل مقاوم كامل ومتكامل، هذا البرنامج غير موجود اليوم بفعل انقسام نخبة سياسيينا الذين يمثلون كل فصائل شعبنا، هم من يتحملون مسؤولية حالة الضياع والتشرذم التي نعيش». وتابع «أصبح معيباً علينا بل ومن العار أن نقف ضعفاء أمام إرهاب مستوطنين جبناء، لا أدري لماذا لا نزال ننتظر ونفكر؟! فلنفجر الشارع الفلسطيني نحو ثورة شعبية حقيقية تؤلم الاحتلال وتكشف حقيقته أمام العالم، فلنخرج (الحديث للنخبة من السياسيين والمثقفين والكوادر وصناع القرار) من حالة الخطاب والكلمات الى حالة الفعل الحقيقي على الأرض، فأفعال المستوطنين لم تعد تطاق على الإطلاق».
وكان لافتاً في الاحتجاجات أن الأجهزة الأمنية كانت تغض الطرف عن ممارسات المحتجين «المعرقلة للحياة اليومية» على نحو واضح، مثل إغلاق الطرق الرئيسية بالسيارات والإطارات، وحتى تخريب بعض الممتلكات كما حدث في الاعتداء على مصلحة المياه وسط بيت لحم، وهو ما اعتبره البعض أكبر من السماح بحرية التعبير للناس. وقال الإعلامي وليد بطراوي لـ«الأخبار» «برأيي إن هناك أطرافاً في حركة «فتح» تجد في فياض نقيضاً لما ترغب فيه، من حيث وضعه حداً لكل التجاوزات المالية وضبط الصرف، وأيضاً بأنه منافس سياسي شديد، وبالتالي رأت أن تهييج الشارع ضده هو الخيار». بدوره، اعتبر المحلل السياسي داوود كتاب أن «الخلاف بين «فتح» ورئيس الوزراء يخلق أجواء غير صحية يتم استغلالها، كما اعتقد أن غياب عباس عن التدخل السريع في الموضوع أدى الى سوء الوضع، ما زاد من تسميم الأجواء». وأضاف إن «رفض فياض تسليم رسالة عباس لرئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) كان له دور في زيادة الهوة بين الرجلين، إضافة الى الشعور بأن فياض يحاول تحضير نفسه للانتخابات».